( قوله : فإن مات في طريقه يحج عنه من منزله بثلث ما بقي ) هذه العبارة تحتمل شيئين : الأول أن يكون فاعل مات المأمور بالحج فمعنى المسألة أن فإنه يحج عن الميت الموصي من منزله بثلث ما بقي من المال كله ، وعلى هذا الوجه اقتصر الشارحون مع ما فيه من التعقيد في الضمائر فإن ضمير مات يرجع إلى المأمور وضمير عنه ، ومنزله يرجع إلى الموصي . الثاني أن يكون فاعل مات هو الموصي ، فيتحد مرجع الضمائر ، وهو صحيح فإنه إذا مات بعدما خرج حاجا ، وأوصى بالحج فإنه يحج عنه من منزله بثلث تركته ، ويصدق عليه أنه بثلث ما بقي أي بعد الإنفاق في الطريق . الوصي إذا أحج رجلا عن الميت فمات الرجل في الطريق
فالحاصل أن الآمر إما أن يكون حيا وقت الإحجاج أو ميتا فإن كان حيا ، ومات المأمور في الطريق فإنه يحج إنسانا آخر من منزله على كل حال ; لأنه حي يرجع إليه ولهذا لو لم يحج عنه من حيث تبلغ كالميت ; لأنه يمكن الرجوع إليه فيحصل الاستدراك بخلاف الميت كذا في الولوالجية ، وإن كان ميتا ، وأوصى بأن يحج عنه فلا يخلو إما أن يكون قد خرج حاجا بنفسه ، ومات في الطريق أو لا ، وفي كل منهما لا يخلو إما إن أطلق الوصية أو عين المال والمكان فإن أوصى بأن يحج عنه ، وأطلق يحج عنه من ثلث ماله ; لأنه بمنزلة التبرعات فإن بلغ ثلثه أن يحج عنه من بلده وجب الإحجاج من بلده ; لأن الواجب عليه الحج من بلده الذي يسكنه ، وكذا إن أمر إنسانا بأن يحج عنه ودفع له مالا فلم تبلغ النفقة من بلده . وأما إذا خرج لغير الحج ، ومات في الطريق ، وأوصى فإنه يحج عنه من بلده عند خرج للحج ، ومات في الطريق ، وأوصى ، وقالا يحج من حيث مات ، وعلى هذا الخلاف المأمور في الحج إذا مات في الطريق فإنه يحج عن الموصي من منزله بثلث ما بقي [ ص: 72 ] من التركة ، وكذا لو مات الثاني أو الثالث إلى أن لا يبقى شيء يمكن أن يحج بثلثه عند أبي حنيفة ، وإن كان للموصي أوطان حج عنه من أقرب أوطانه إلى أبي حنيفة مكة ; لأنه متيقن به ، وإن لم يكن له وطن فمن حيث مات فلو بالكوفة ، وأوصى بحجة حج عنه من مات مكي مكة .
وإن أوصى بالقران قرن من الكوفة ; لأنه لا يصح من مكة فإن أحج عنه الوصي من غير وطنه مع ما يمكن الإحجاج من وطنه من ثلث ماله فإن الوصي يكون ضامنا ويكون الحج له ويحج عن الميت ثانيا إلا إذا كان المكان الذي أحج منه قريبا إلى وطنه من حيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل فحينئذ لا يكون ضامنا مخالفا هذا كله إن بلغ ثلث ماله فإن لم يبلغ الإحجاج من بلده حج عنه من حيث يبلغ استحسانا ، وإن بلغ الثلث أن يحج عنه راكبا فأحج عنه ماشيا لم يجز ، وإن لم يبلغ إلا ماشيا من بلده قال : يحج عنه من حيث بلغ راكبا ، وعن محمد أنه مخير بين أن يحج عنه من بلده ماشيا أو راكبا من حيث تبلغ هذا إذا أطلق ، وأما إذا عين مكانا اتبع ; لأن الإحجاج لا يجب بدون الوصية فيجب بمقدارها ، وهذا كله إذا كان الثلث يكفي لحجة واحدة فإن كان يكفي لحجج فهو على ثلاثة أقسام إما أن يعين حجة واحدة أو يطلق أو يعين في كل سنة حجة ففي الأول يحج عنه واحدة ، وما فضل فهو لورثته ، وفي الثاني خير الوصي إن شاء أحج عنه في كل سنة حجة ، وإن شاء أحج عنه في سنة واحدة حججا ، وهو الأفضل ; لأنه تعجيل تنفيذ الوصية ; لأنه ربما هلك المال ، وفي الثالث كالثاني ، ولم يذكر في الأصل ; لأن شرط التفريق لا يفيد فصار كالإطلاق كما لو أمر الموصي رجلا بالحج في هذه السنة فأخره المأمور إلى القابل فإنه يجوز عن الميت ، ولا يضمن النفقة ; لأن ذكر السنة للاستعجال لا للتقييد ، ولو أبي حنيفة قال أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله أو أطلق فهلكت النفقة في يد المأمور : يحج عنه بثلث ماله ، وقال أبو حنيفة بما بقي من ثلث ماله ، وأبطله أبو يوسف . محمد
وهذا كله إذا لم يعين الموصي قدرا فإن عين قدرا من المال فإن بلغ ذلك أن يحج عنه من بلده وجب ، وإلا فمن حيث يبلغ ، ولو عين أكثر من الثلث يحج عنه بالثلث من حيث يبلغ بخلاف الوصية بشراء عبد بأكثر من الثلث ، وإعتاقه عنه فإنها باطلة ; لأن في العتق لا يجوز النقصان عن المسمى كذا في المحيط وغيره وذكر الولوالجي في فتاواه لو أوصى بأن يحج عنه من ثلث ماله ، ولم يقل حجة حج عنه من جميع الثلث ; لأنه أوصى بصرف جميع الثلث إلى الحج ; لأن كلمة من للتمييز عن أصل المال ، ولو كان له ذلك ما لم يحرم ; لأن المال أمانة في يده فإن استرده فنفقته إلى بلده على من تكون إن استرد بجناية ظهرت منه فالنفقة في ماله خاصة ، وإن استرد لا بجناية ، ولا تهمة فالنفقة على الوصي في ماله خاصة ، وإن استرد لضعف رأي فيه أو لجهله بأمور المناسك فأراد الدفع إلى أصلح منه فنفقته في مال الميت ; لأنه استرد لمنفعة الميت . ا هـ . دفع الوصي الدراهم إلى رجل ليحج عن الميت فأراد أن يسترد
وفي فتح القدير لو أوصى أن يحج عنه ، ولم يزد على ذلك كان للوصي أن يحج بنفسه إلا أن يكون وارثا ، وإن دفعه إلى وارث ليحج فإنه لا يجوز إلا أن تجيز الورثة ، وهم كبار ; لأن هذا كالتبرع بالمال فلا يصح للوارث إلا بإجازة الباقين ، ولو لم يجز له أن يحج بنفسه مطلقا ، وفي الظهيرية ، ولو كان ثلث ماله قدر ما لا يمكن الإحجاج عنه بطلت الوصية ، وفي التجنيس قال الميت للوصي : ادفع المال لمن يحج عنه فإنه يجوز كالدين إذا قضاه من مال نفسه ، ولو حج على أن لا يرجع فإنه لا يجوز عن الميت ; لأنه لم يحصل مقصود الميت ، وهو ثواب الإنفاق ، وعلى هذا الزكاة والكفارة ، ومثله لو قضى عنه دينه متطوعا جاز ; لأن الحج عن الكبير العاجز بغير أمره لا يجوز ، وقضاء الدين بغير أمره في حالة الحياة يجوز فكذا بعد الموت . رجل أوصى بأن يحج عنه فحج عنه ابنه ليرجع في التركة
فإنه يجوز عن حجة الإسلام ، ولو نوى تطوعا لا يجوز عن حجة الإسلام . ا هـ . رجل مات ، وعليه حجة الإسلام فحج عنه رجل بإذنه ، ولم ينو لا فرضا [ ص: 73 ] ولا نفلا
وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد لو قال : حجوا من ثلثي حجتين يكتفى بواحدة والباقي للورثة إن فضل . ا هـ .
وهو مشكل على ما تقدم من المحيط والولوالجية ، وهو مبني على الفرق بين أن يوصي من الثلث وبين أن يوصي بجميع الثلث وذكر في آخر العمدة من الوصايا لو ليس له ذلك ; لأن الوصية باللفظ فيعتبر لفظ الموصي ، وهو أضاف المال إلى نفسه فلا يبدل . ا هـ . أوصى بأن يحج عنه بالألف من ماله فأحج الوصي من مال نفسه ليرجع
وفي العدة فعليه المهر ; لأنه بمنزلة الرشوة ، وهي حرام ا هـ . امرأة تركت مهرها على الزوج ليحج بها وحج بها