( قوله : ومن لا يركب حتى يطوف للركن ) أي بأن نذر الحج ماشيا ، وفيه إشارة إلى وجوب المشي ; لأن عبارة المختصر عبارة الجامع الصغير ، وهي كلام المجتهد أعني أوجب حجا ماشيا رضي الله تعالى عنه على ما نقله أبا حنيفة محمد عنه فيه ، وهو إخبار المجتهد ، وإخباره معتبر بإخبار الشرع ; لأنه نائبه في بيان الأحكام كما في المعراج ، وفي الأصل أي المبسوط أيضا خيره بين الركوب والمشي ، وعن لمحمد أنه كره المشي فيكون الركوب أفضل وصحح ما في الجامع الصغير أبي حنيفة قاضي خان في شرحه واختاره فخر الإسلام معللا بأنه التزم القربة بصفة الكمال ، وإنما قلنا إن المشي أكمل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الحرم قيل ، وما حسنات الحرم قال : واحدة بسبعمائة } ، وإنما رخص الشرع في الركوب دفعا للحرج قال : في غاية البيان ، ولا يرد عليه ما أورد في النوازل عن من حج ماشيا كتبت له بكل خطوة حسنة من حسنات أن الحج راكبا أفضل ; لأن ذلك لمعنى آخر ، وهو أن المشي يسيء خلقه وربما يقع في المنازعة والجدال المنهي عنه ، وإلا فالأجر على قدر التعب والتعب في المشي أكثر . ا هـ . أبي حنيفة
لا يقال لا نظير للمشي في الواجبات ، ومن شرط صحة النذر أن يكون من جنس المنذور واجبا ; لأنا نقول بل له نظير ، وهو فإنه يجب عليه أن يحج ماشيا ونفس الطواف أيضا ، ولم يذكر مشي المكي الذي لا يجد الراحلة ، وهو قادر على المشي المصنف محل وجوب ابتداء المشي ; لأن رحمه الله . لم يذكره فلذا اختلف المشايخ فيه على ثلاثة أقوال قيل من بيته ، وهو الأصح كذا في فتح القدير وغيره ; لأنه المراد عرفا ، وقيل من الميقات ، وقيل من أي موضع يحرم منه واختاره محمدا فخر الإسلام والإمام العتابي [ ص: 81 ] وصححه في غاية البيان ; لأنه نذر بالحج ، والحج ابتداؤه الإحرام وانتهاؤه طواف الزيارة فيلزمه بقدر ما التزم ، ولا عبرة بالعرف مع وجود اللفظ بخلاف الوصية بالحج فإنه يحج عنه من بيته ; لأن الوصية تنصرف إلى الفرض في الأصل ولهذا يحج عنه راكبا لا ماشيا والمعول عليه هو التصحيح الأول ويدل عليه من الرواية ما عن لو أن بغداديا قال : إن كلمت فلانا فعلي أن أحج ماشيا فلقيه أبي حنيفة بالكوفة فكلمه فعليه أن يمشي من بغداد ، وقوله لا عبرة بالعرف مع وجود اللفظ ممنوع بل المعتبر في النذور والأيمان العرف لا اللفظ كما عرف في محله ، وفي فتح القدير ، ولو أحرم من بيته فالاتفاق على أن يمشي من بيته ، وإنما ينتهي وجوب المشي بطواف الزيارة ; لأن به ينتهي الإحرام ، وأما طواف الصدر فللتوديع ، وليس بأصل في الحج حتى لا يجب على من لا يودع .
وأفاد بقوله لا يركب أنه لو ركب لزمه الجزاء لترك الواجب فإذا ترك في الكل أو في الأكثر يلزمه الدم ، وفي الأقل يلزمه التصدق بقدره من قيمة الشاة الوسط ، ومقتضى الأصل أن لا يخرج عن عهدة النذر إذا ركب كما لو نذر الصوم متتابعا فقطع التتابع ، ولكن ثبت ذلك نصا في الحج فوجب العمل به ، وهو ما عن أن { ابن عباس أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركب وتهدي دما } رواه أبو داود ، وهو محمول على عجزها عن المشي بدليل الرواية الأخرى ، وأنها لا تطيق ، وأطلق في الإيجاب فشمل ما إذا كان منجزا أو معلقا ، وما إذا قال : لله علي أو علي حجة ماشيا ، ولو قال : علي المشي إلى بيت الله الحرام ، ولم يذكر حجا ، ولا عمرة لزمه أحد النسكين استحسانا فإن جعله عمرة مشى حتى يحلق إلا إذا نوى به المشي إلى مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس أو مسجد من المساجد فإنه لا يلزمه شيء ، وقوله علي المشي إلى مكة أو الكعبة كقوله إلى بيت الله ، ولو قال : علي المشي إلى الحرم أو المسجد الحرام فإنه لا شيء عليه عند لعدم العرف بالتزام النسك به ، وقالا يلزمه النسك احتياطا واتفقوا على أنه لا لزوم لو قال إلى أبي حنيفة الصفا أو المروة أو مقام إبراهيم أو إلى ستار الكعبة أو بابها أو ميزابها أو عرفات أو المزدلفة أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر مكان المشي غيره كقوله علي الذهاب إلى بيت الله أو الخروج ثم الحج المنذور يسقط بحجة الإسلام عند خلافا أبي حنيفة فإذا لمحمد كان عن حجة الإسلام وسقط عنه ما التزمه بالنذر ; لأن نذره منصرف إليه ، وإن كان قد نذر الحج ، ولم يكن حج ثم حج ، وأطلق فلا بد من تعيين الحج عن النذر ، وإلا وقع تطوعا كما حرره في فتح القدير ، ومن حج ثم نذر ثم حج جاز عن نذر أن يحج في سنة كذا فحج قبلها خلافا أبي يوسف وقول لمحمد أقيس بما قدمناه في نذر الصوم . أبي يوسف