( قوله : وإنما يصح بلفظ النكاح والتزويج ، وما وضع لتمليك العين في الحال ) بيان لانحصار اللفظين فيما ذكر أما فلا خلاف فيه ، وأما انعقاده بلفظ النكاح والتزويج فمذهبنا ; لأن التمليك سبب لملك المتعة في محلها بواسطة ملك الرقبة ، وهو الثابت بالنكاح فأطلق اسم السبب كالهبة وأريد المسبب ، وهو ملك المتعة ، وإن كان ملك المتعة قصديا في النكاح ضمنيا في التمليك ، وإنما لم يصح انعقاده بما وضع لتمليك الأعيان لما تقرر في الأصول أن استعارة السبب للمسبب جائزة مطلقا ، وعكسه لا يجوز إلا بشرط الاختصاص من الجانبين ولذا صح التجوز بلفظ العتق عن الطلاق دون عكسه والخلوص في قوله تعالى { التمليك بلفظ النكاح خالصة لك } إنما هو في عدم المهر لا في الانعقاد بلفظ الهبة كما عرف في الخلافيات فينعقد على الأصح . النكاح بلفظ الهبة والعطية والصدقة والملك والتمليك والجعل والبيع والشراء
وأما فإن جعلت المرأة رأس مال السلم فإنه ينعقد إجماعا ، وإن جعلت مسلما فيها ففيه اختلاف قيل لا ينعقد ; لأن السلم في الحيوان لا يصح ، وقيل ينعقد ; لأنه يثبت به ملك الرقبة والسلم في الحيوان ينعقد حتى لو اتصل به القبض فإنه يفيد ملك الرقبة ملكا فاسدا ، وليس كل ما يفسد الحقيقي يفسد مجازيه ورجحه في فتح القدير ، وهو مقتضى ما في المتون ، وفي الصرف روايتان ، وقولان قيل لا ينعقد به ; لأنه وضع لإثبات ملك ما لا يتعين من النقد والمعقود عليه هنا متعين ، وقيل ينعقد به ; لأنه يثبت به ملك العين في الجملة وينبغي ترجيحه لدخوله تحت الكلية التي في المختصر ، وكذا في بلفظ السلم قولان أصحهما عدم الانعقاد كما في الكشف والولوالجية [ ص: 92 ] وفي الفتاوى الصيرفية الأصح الانعقاد . ا هـ . انعقاده بلفظ القرض
وينبغي اعتماده لما أنه يفيد ملك العين للحال ، وكذا في قولان وجزم في غاية البيان بعدمه ; لأنه موضوع للحطيطة ، وإسقاط الحق ، وكذا في انعقاده بلفظ الصلح قولان أصحهما عدم الانعقاد كما في الولوالجية ، وهو ظاهر ; لأنه لا يفيد الملك أصلا قيد بما وضع للتمليك احترازا عما لا يفيده فلا ينعقد بلفظ الفداء كما لو انعقاده بلفظ الرهن كما في الخانية والإبراء والفسخ والإقالة والخلع والكتابة والتمتع والإباحة والإحلال والرضا والإجازة بالزاي الوديعة ; لأنها لا تفيد الملك أصلا ، وقيد بتمليك العين احترازا عما يفيد ملك المنفعة فقط كالعارية فلا ينعقد بها على الصحيح . قالت : فديت نفسي منك فقبل
وأما فإن جعلت المرأة أجرة فينعقد اتفاقا ; لأنه يفيد ملك العين للحال في الجملة بأن شرط الحلول أو عجلت ، وأما إذا لم تجعل أجرة كقوله آجرتك ابنتي بكذا فالصحيح أنه لا ينعقد ; لأنها لا تفيد ملك العين ; ولأن بينهما مضادة ; لأن التأبيد من شرائطه والتأقيت من شرائطها واحترازا عما يفيد تمليك بعض العين كلفظ الشركة فإنه لا ينعقد به كما في الظهيرية ، وقيد بقوله في الحال احترازا عن لفظ الوصية فإنه لا ينعقد النكاح به ; لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت كذا أطلق الشارحون ، وقيده في الولوالجية والظهيرية بما إذا أطلق أو أضاف إلى ما بعد الموت أما إذا قال : بلفظ الإجارة انعقد النكاح ; لأنه صار مجازا عن التمليك والمعتمد الإطلاق ; لأن الوصية مجاز عن التمليك فلو انعقد بها لكان مجازا عن النكاح والمجاز لا مجاز له كما في العناية من البيع ، وفي المبسوط في كل موضع لم ينعقد بهذه الألفاظ فإنه يثبت الشبهة فيسقط الحد لو وطئ ويجب الأقل من المسمى ، ومن مهر المثل عند الدخول . ا هـ . أوصيت ببضع ابنتي للحال بألف درهم فقبل الآخر
ثم اعلم أنه إنما وقع الاختلاف في العارية والإجارة ، وإن كانا لا يفيدان ملك العين قطعا ; لأن ذلك الأصل مختلف فيه فقد روى الحسن عن أن كل شيء يملك به شيء ينعقد به النكاح ، وهذه تدل على الانعقاد بهما وروى الإمام ابن رستم عن كل لفظ يملك به الرقاب ينعقد به النكاح ، وهذه تدل على عدمه فيهما كما في الذخيرة ، وإنما اعتمد المشايخ رواية الإمام ابن رستم ; لأنها محكمة ورواية الحسن محتملة فحمل المحتمل على المحكم ، ولم يقيد المصنف اللفظ المفيد لملك العين بالنية ، ولا بالقرينة ، وفيه اختلاف ففي التبيين لا تشترط النية مع ذكر المهر ، وفي المبسوط لا تشترط مطلقا ، وفي فتح القدير المختار أنه لا بد من فهم الشاهدين مقصودهما ، وفي البدائع ، ولو بأن قال لرجل ، وهبت أمتي هذه منك فإن كان الحال يدل على النكاح من إحضار الشهود وتسمية المهر مؤجلا ، ومعجلا ونحو ذلك ينصرف إلى النكاح ، وإن لم يكن الحال دليلا على النكاح فإن نوى النكاح وصدقه الموهوب له فكذلك وينصرف إلى النكاح بقرينة النية ، وإن لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة . ا هـ . أضاف الهبة إلى الأمة
فلم يشترط مع النية فهم الشهود ، ولا بد منه كما قدمناه بخلاف ما إذا فإنه ينعقد من غير هذه القرينة ; لأن عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي ، وهو الملك للحرة يوجب الحمل على المجازي فهو القرينة فيكتفي بها الشهود حتى لو قامت قرينة على عدمه لا ينعقد به كما في الخانية وغيرها لو أضيفت الهبة إلى الحرة لا يكون نكاحا ، وهو بمنزلة قول أبي البنت ، وهبتها منك لتخدمك فقال : قبلت لا يكون نكاحا . ا هـ . طلب من امرأة الزنا فقالت : وهبت نفسي منك فقال الرجل قبلت
قال في الفتاوى : إلا إذا أراد به النكاح فالحاصل أن النكاح ينعقد بالهبة إذا كان على وجه النكاح ، وفي الظهيرية لو قالت المرأة : وهبت نفسي لك فقال الرجل أخذت قالوا لا يكون نكاحا صحيحا ، وإنما استعيرت الهبة للنكاح ، وإن كانت لا تفيد الملك إلا بالقبض ; لأنها سبب موضوع للملك ، وإنما تأخر القبض لضعف السبب [ ص: 93 ] لتعريه عن العوض وينعدم ذلك الضعف إذا استعملت في النكاح لأن العوض يجب بنفسه كذا في النهاية ويرد على المصنف ألفاظ ينعقد بها النكاح غير الثلاثة منها الكون لما في الذخيرة وغيرها لو انعقد بخلاف ما لو قال : لامرأة كوني امرأتي بكذا فقبلت لا يصح كما في الظهيرية ، ومنها ما في الخانية لو قالت المرأة أكون زوجة لك فقال : نعم انعقد وذكره في الظهيرية بلفظ أعرستك ، ومنها لفظ الرجعة فقد صرح في الواقعات والخانية ، وكثير أنه قالت : المرأة عرستك نفسي فقال : قبلت كما لو قال للمبانة راجعتك لكن شرط في الخانية أن يذكر المال ، وإن لم يذكر مالا قالوا : لا يكون نكاحا وشرط في التجنيس ذكر المال ونية الزوج ، وفرق بعضهم بين الأجنبية والمبانة فينعقد به في المبانة دون الأجنبية واستحسنه في فتح القدير . ينعقد النكاح إذا قال للأجنبية راجعتك فقبلت
وفي الخانية ، وكذا لو قالت : المبانة لزوجها رددت نفسي عليك فهو بمنزلة الرجعة ينعقد به النكاح كما في الذخيرة ، ومنها ارفعها واذهب بها حيث شئت لما في الخانية لو قال قال : زوج ابنتك مني على كذا فقال : أبوها بمحضر من الشهود ارفعها واذهب بها حيث شئت ابن الفضل يكون نكاحا وجزم في الولوالجية بعدمه لاحتماله الوعد ، ومنها ما في الخانية لو قال : أبو الصغير اشهدوا أني قد زوجت ابنة أحمد يريد به أبا الصغيرة من ابني فلان بمهر كذا ، وقال : لأبيها أليس هكذا فقال : أبوها هكذا ، ولم يزيدا على ذلك قالوا الأولى أن يجددا النكاح ، وإن لم يجددا جاز . ا هـ .
ومنها ما في الخانية أيضا لو كان نكاحا ، وفي الولوالجية لو قال رجل جئتك خاطبا ابنتك فقال الأب ملكتك فهو نكاح جائز ; لأنه يراد به الإيجاب ، وأما ما روي عن قال : لها خطبتك إلى نفسي على ألف درهم فقالت : قد زوجتك نفسي لو قال أخطبك على ألف فقالت : قد فعلت ، لم ينعقد حتى يقول الزوج قبلت فقد قال في المحيط والظهيرية : إنه محمول على ما إذا لم يرد به الحال ، وفي الظهيرية محمد جاز ; لأن الخطبة جعلت نكاحا إذا صدرت من الآمر فيكون الأمر بها أمرا بالنكاح ويشكل عليه ما في الفتاوى الصيرفية معزيا إلى رجل أرسل رجلا أن يخطب امرأة بعينها فزوجها الرسول إياه السرخسي أن من قال : إن خطبت فلانة أو إن يمينه لا ينعقد ; لأن الخطبة عند العقد ، وهي تسبق العقد فلا يكون هذا اللفظ مضيفا الطلاق إلى الملك ووقع في بعض النسخ إن خطبت فلانة وتزوجتها فهي طالق ثلاثا فأجاب على نحو ما ذكرنا فقال : إذا خطبها ثم تزوجها لا تطلق ، وهذا غلط ; لأن مع حرف الواو تصير الخطبة مع التزوج شرطا واحدا كما في قوله إن أكلت وشربت ، وأشباه ذلك فلا تنحل اليمين بالخطبة وحدها فإذا تزوجها بعد ذلك تنحل اليمين ، وهي في نكاحه فتطلق . ا هـ . قال : كل امرأة خطبتها فهي طالق
وذكر الولوالجي لم تطلق ; لأنه حين خطبها حنث لوجود الشرط فحين تزوجها [ ص: 94 ] تزوجها واليمين غير باقية . ا هـ . إن تزوجت فلانة أو خطبتها فهي طالق فخطبها وتزوجها
ومنها ما في الخلاصة لو قال : صرت لي أو صرت لك فإنه نكاح عند القبول ، وقد قيل بخلافه . ا هـ .
ومنها ما في التتارخانية لو قال : لها يا عروسي فقالت : لبيك انعقد لكن في الصيرفية أنه خلاف ظاهر الرواية ، ومنها بالسمع والطاعة لو فهو نكاح كما في الخلاصة ، ومنها ما في الذخيرة لو قال : ثبت حقي في منافع بضعك بألف فقالت : نعم صح النكاح . ا هـ . قال : زوجي نفسك مني فقالت : بالسمع والطاعة
والجواب أن العبرة في العقود للمعاني حتى في النكاح كما صرحوا به ، وهذه الألفاظ تؤدي معنى النكاح ، وهذا مما ظهر لي من فضله تعالى .