الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو تزوج أختين في عقدين ولم يدر الأول فرق بينه وبينهما ) ; لأن نكاح إحداهما باطل بيقين ولا وجه إلى التعيين لعدم الأولوية ولا إلى التنفيذ مع التجهيل لعدم الفائدة أو للضرر فتعين التفريق وطولب بالفرق بين هذا وبين ما إذا طلق إحدى نسائه بعينها ونسيها حيث يؤمر بالتعيين ولا يفارق الكل ، وأجيب بإمكانه هناك لا هنا ; لأن نكاحهن كان متيقن الثبوت فله أن يدعي نكاح من شاء بعينه منهن تمسكا بما كان متيقنا ولم يثبت هنا نكاح واحد منهما بعينها فدعواه حينئذ تمسك بما لم يتحقق ثبوته ومعنى فرق بينه وبينهما : أنه يفترض عليه مفارقتهما ولو علم القاضي بذلك وجب عليه أن يفرق بينهما دفعا للمعصية بقدر الإمكان كما في المحيط ولم يذكر في المختصر أن هذا التفريق طلاق أو فسخ ، وفي فتح القدير : والظاهر أنه طلاق حتى ينقص من طلاق كل منهما طلقة لو تزوجها بعد ذلك فإن وقع قبل الدخول فله أن يتزوج أيتهما شاء للحال أو بعده فليس له التزوج بواحدة منهما حتى تنقضي عدتهما وإن انقضت عدة إحداهما دون الأخرى فله تزوج التي لم تنقض عدتها دون الأخرى كي لا يصير جامعا وإن وقع بعده بإحداهما فله أن يتزوجها في الحال دون الأخرى فإن عدتها تمنع من تزوج أختها ا هـ .

                                                                                        وقيد بكونه تزوجهما في عقدين إذ لو كانا في عقد واحد بطلا يقينا وقيده في المحيط بأن لا تكون إحداهما مشغولة بنكاح الغير أو عدته فإنه إن كانت كذلك صح نكاح الفارغة لعدم تحقق الجمع بينهما كما لو تزوجت امرأة زوجين في عقد واحد وأحدهما متزوج بأربع نسوة فإنها تكون زوجة للآخر ; لأنه لم يتحقق الجمع بين رجلين إذا كانت هي لا تحل لأحدهما ا هـ .

                                                                                        فإذا كانا في عقد واحد فرق بينها وبينهما أيضا فإن كان قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما وإن دخل بهما وجب لكل الأقل من المسمى ومن مهر المثل كما هو حكم النكاح الفاسد وعليهما العدة وقيده بعدم علم العقد الأول إذ لو علم فهو الصحيح والثاني باطل ، وله وطء الأولى إلا أن يطأ الثانية فتحرم الأولى إلى انقضاء عدة الثانية كما لو وطئ أخت امرأته بشبهة حيث تحرم امرأته ما لم تنقض عدة ذات الشبهة .

                                                                                        وفي الدراية عن الكامل لو زنى بإحدى الأختين لا يقرب الأخرى حتى تحيض الأخرى حيضة ، واستشكله في فتح القدير ولم يبينه ، ووجهه : أنه لا اعتبار لماء الزنى ولذا لو زنت امرأة رجل لم تحرم عليه وجاز له وطؤها عقب الزنا ، ولو قال المصنف ولو تزوج أختين في عقدين معا أو لم يدر الأول فرق بينه وبينهما لكان أفود لما في الذخيرة معزيا إلى الجامع . لو وكل رجل رجلا أن يزوجه امرأة ووكل رجلا آخر بمثل ذلك فزوجه كل واحد منهما امرأة وهما أختان من الرضاع ووقع العقدان منهما معا فهما باطلان ; لأن عبارة الوكيل في باب النكاح منقولة إلى الموكل فإذا خرج الكلامان معا صار كأن الموكل خاطبهما بالنكاح ولو لم يوكلهما ، وإنما كانا فضوليين ووقعا معا ، فللزوج أن يجيز نكاح إحداهما ولو خرج إيجاب الأختين معا بأن قالت كل واحدة منهما لرجل واحد زوجت نفسي منك بكذا وخرج الكلام منهما معا فقبل الزوج نكاح إحداهما فهو جائز لعدم الجمع من الزوج .

                                                                                        وأما من الأختين فلأن كل واحدة زوجت نفسها على حدة ولا ولاية لإحداهما على صاحبتها [ ص: 104 ] حتى ينقل كلام كل إلى الأخرى ولو بدأ الزوج ، فقال تزوجتكما كل واحدة منكما بألف ، فقالت إحداهما رضيت وأبت الأخرى فنكاحهما باطل لوجود الجمع في الخطاب بينهما في إحدى شطري العقد وإنه كاف للفساد ، ألا ترى أن رجلا لوقال لخمس نسوة قد تزوجتكن على ألف ، فقالت إحداهما رضيت لا يجوز نكاحهن لوجود الجمع من جانب الزوج فعلم به أن الجمع في إحدى شطري العقد يوجب الفساد كالجمع في شطري العقد ا هـ .

                                                                                        مع بعض اختصار منه ( قوله ولهما نصف المهر ) ; لأنه وجب للأولى منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولية فيصرف إليهما أطلقه وهو مقيد بأربعة قيود كما قالوا : الأول : أن يكون المهر مسمى في العقد فلو لم يكن مسمى وجبت متعة واحدة لهما بدل نصف المهر ، وتركه اعتمادا على ما يصرح به في باب المهر . الثاني : أن يكون مهراهما متساويين إذ لو كانا مختلفين يقضي لكل واحدة منهما بربع ، مهرها ولا حاجة إلى التقييد به ; لأنه لم يقل ولهما نصف المهر على السواء حتى يرد عليه ذلك .

                                                                                        الثالث : أن يكون قبل الدخول إذ لو كانت الفرقة بعد الدخول يجب لكل واحدة المهر كاملا ; لأنه استقر بالدخول فلا يسقط منه شيء ، ولا حاجة إلى التقييد به ; لأن نصف المهر حكم الفرقة قبل الدخول مع أنه مشكل بل إذا كان بعد الدخول فإنه يقضي بمهر كامل وعقر كامل ويجب حمله على ما إذا اتحد المسمى لهما قدرا وجنسا أما إذا اختلفا فيتعذر إيجاب عقر إذ ليست إحداهما أولى بجعلها ذات العقد من الأخرى ; لأنه فرع الحكم بأنها الموطوءة في النكاح الفاسد . الرابع : أن تدعي كل واحدة منهما أنها الأولى ولا بينة لهما أما إذا قالتا لا ندري أي النكاحين أول لا يقضي لهما بشيء ; لأن المقضي له مجهول وهو يمنع صحة القضاء كمن قال لرجلين لأحدهما : علي ألف لا يقضي لأحدهما بشيء إلا أن يصطلحا بأن يتفقا على أخذ نصف المهر منه فيقضي لهما به ، وهذا القيد الرابع زاده أبو جعفر الهندواني فظاهر الهداية تضعيفه لكنه حسن يندفع به قول أبي يوسف أنه لا شيء لهما لجهالة المقضي له والمروي عن محمد من وجوب مهر كامل لهما لإقرار الزوج بجواز نكاح إحداهما أبعد لاستلزامه إيجاب الشيء مع تحقق عدم لزومه فإن إيجاب كماله حكم الموت أو الدخول حقيقة أو حكما وهو مفقود وفي التبيين : وكل ما ذكرنا من الأحكام بين الأختين فهو الحكم بين كل من لا يجوز جمعه من المحارم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولا إلى التنفيذ ) أي تنفيذ نكاح واحدة لا بعينها بدليل قوله مع التجهيل وعليه فيلزم من التعيين التنفيذ ولا عكس ( قوله فله أن يدعي نكاح من شاء بعينه منهن إلخ ) أقول : إن أريد أن له الدعوى من غير ترجيح فمشكل ; لأن التحري في الفروج ممنوع وإن أريد مع المرجح فلا فرق ، وينبغي أن لا يحل له ديانة بمجرد الدعوى كذا في الرمز ا هـ .

                                                                                        لكن في قوله : فلا فرق ، نظر ; لأن نكاح من ادعى نكاحها كان قبل ثابتا بيقين بخلافه في مسألتنا ( قوله وإن وقع بعده ) أي بعد الدخول ( قوله بطلا يقينا ) أي للجمع بين الأختين فلا يستحقان شيئا من المهر ا هـ .

                                                                                        درر ( قوله : ووجهه أنه لا اعتبار لماء الزاني ) قال في النهر يشكل عليه ما في نظم ابن وهبان

                                                                                        ولو زنت امرأة حرمت على زوجها حتى تحيض وتطهر

                                                                                        وعزاه في الشرح إلى النتف معللا باحتمال علوقها من الزنا فلا يسقي ماؤه زرع غيره إلا أن يدعي ضعفه وسيأتي أن الموطوءة بزنا يحل وطؤها بالنكاح من غير استبراء عندهما وقال محمد لا أحب أن يطأها من غير أن يستبرئها . ا هـ .

                                                                                        قلت : وممن صرح بضعف ما ذكره ابن وهبان تلميذ المؤلف في منحه وتبعه الحصكفي ( قوله لما في الذخيرة إلى قوله فهما باطلان ) قال في النهر كيف يتم هذا مع قوله ولهما نصف المهر ، وهذا ; لأن الباطل لا مهر فيه [ ص: 104 ] ( قوله إذ لو كانا مختلفين يقضي لكل واحدة منهما بربع مهرها ) كذا ذكره الزيلعي والكمال وفي شرح الشيخ إسماعيل عن اليعقوبية ، وهذا مخالف لما في الكافي والكفاية وهو أن لهما الأقل من نصفي المهرين ; لأن فيه يقينا ا هـ .

                                                                                        قال الشيخ إسماعيل والاحتياط القضاء بما في الكافي والكفاية ; لأن الأول مطروق باحتمال فكان قضاء بمحتمل ا هـ .

                                                                                        وقد فصل في الدرر ، فقال : وإن اختلفا أي مسماهما فإن علما فلكل ربع مهرها وإلا فلكل واحدة نصف أقل المسميين ، واعترضه محشوه بأن قوله فلكل صوابه فلهما وبأن ما ذكره من التفصيل لم يوجد في شيء من الكتب قال الشيخ إسماعيل . والظاهر أن المصنف أراد أن يوفق بين ما وقع في التبيين وبين ما وقع في الكافي وغيره بأن الأول فيما إذا كان ما سمى لكل واحدة منهما بعينها معلوما كالخمسمائة لفاطمة والألف لزاهدة والثاني فيما إذا لم يكن معلوما كذلك بأن يعلم أنه سمى لواحدة منهما خمسمائة وللأخرى ألفا إلا أنه نسي تعيين كل منهما لكن سياق ما في الكافي والكفاية لا يؤدي انحصاره فيما أشير إلى حمله عليه ولذا قيل لو حمل على اختلاف الرواية لكان أولى ( قوله مع أنه مشكل ) قال الرملي أي إيجاب مهر كامل لكل واحدة منهما ، وقوله ويجب حمله أي حمل القضاء بمهر كامل وعقر كامل .




                                                                                        الخدمات العلمية