الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو نكحها على هذا العبد أو على هذا الألف حكم مهر المثل ) أي جعل مهر المثل حكما فيما إذا تزوجها على أحد شيئين مختلفين قيمة ; لأن التسمية فاسدة عند أبي حنيفة وقالا لها لأقل ; لأن المصير إلى مهر المثل لتعذر إيجاب المسمى ، وقد أمكن إيجاب الأقل لتيقنه وله أن الموجب الأصلي مهر المثل إذ هو الأعدل والعدول عنه عند صحة التسمية ، وقد فسدت لمكان الجهالة ورجح قولهما في التحرير بأن لزوم الموجب الأصلي عند عدم تسميته ممكنة فالخلاف مبني على أن مهر المثل أصل عنده والمسمى خلف عنه وعندهما على العكس كذا في غاية البيان معزيا إلى الجامع الكبير فما في فتح القدير من التردد في نقل ذلك عنهم لا محل له ومعنى التحكيم أن مهر المثل إن وافق أحدهما وجب وإن كان بينهما فمهر المثل وإن نقص عن الأقل فلها الأقل لرضاه به

                                                                                        وإن زاد على الأكثر فلها الأكثر فقط لرضاها به وفي الخانية لو أعتقت المرأة أوكسهما قبل الطلاق إن كان مهر مثلها مثل الأوكس أو أقل جاز عتقها في الأوكس وإن أعتقت الأرفع وكان مهر مثلها أكثر من قيمته جاز عتقها وإن كان أقل منها لم يجز ولا يجوز عتقها في الأرفع بعد الطلاق قبل الدخول على كل حال ويجوز في الأوكس ، وأشار بالتحكيم إلى اختلاف الشيئين فلو كانا سواء فلا تحكيم ولها الخيار في أخذ أيهما شاءت ولا فرق في الاختلاف بين أن [ ص: 175 ] يكون في القدر أو في الوصف فشمل ما إذا تزوجها على ألف حالة أو مؤجلة إلى سنة فإن كان مهر مثلها ألفا أو أكثر فلها الحالة وإلا فالمؤجلة وعندهما المؤجلة ; لأنها الأقل وإن تزوجها على ألف حالة أو ألفين إلى سنة ومهر مثلها كالأكثر فالخيار لها وإن كان كالأقل فالخيار له وإن كان بينهما يجب مهر المثل وعندهما الخيار له لوجوب الأقل عندهما وقيدنا الشيئين بالاختلاف ; لأنهما لو كانا سواء من حيث القيمة صحت التسمية اتفاقا كذا في فتح القدير وقيدنا الاختلاف بين الشيئين من حيث القيمة لإفادة أنه لا يشترط الاختلاف جنسا فيدخل تحته ما إذا نكحها على هذا العبد أو هذا العبد أو على هذا الألف أو الألفين .

                                                                                        وأشار المصنف باقتصاره على كلمة أو بدون تخيير إلى أنه لو كان فيه خيار لأحدهما كأن يقول على أنها بالخيار تأخذ أيهما شاءت أو على أني بالخيار أعطيك أيهما شئت فإنه يصح كذلك اتفاقا لانتفاء المنازعة وإلى أنه لو طلقها قبل الدخول فإنه بحكم متعة مثلها ; لأنها الأصل فيه كمهر المثل قبل الطلاق ونصف الأقل يزيد عليها في العادة فوجب لاعترافه بالزيادة كما صرح به في الهداية

                                                                                        وظاهره أن نصف الأقل لو كان أقل من المتعة فالواجب المتعة ، وقد صرح به قاضي خان في فتاواه فما في غاية البيان من أن لها نصف الأقل اتفاقا ليس على إطلاقه وأشرنا إلى أنه لا فرق بين كلمة أو لفظ أحدهما فلو قال تزوجتك على أحد هذين فالحكم كذلك كما صرح به في المحيط ، ولذا ذكر في الجامع الكبير أن من تزوج امرأة على أحد مهرين مختلفين يقضى بمهر المثل عنده إلى آخره وقيد بالنكاح ; لأن في الخلع على أحد شيئين مختلفين أو الإعتاق عليه يجب الأقل اتفاقا وهو حجتهما في مسألتنا وفرق الإمام بأنه ليس له موجب أصلي يصار إليه عند فساد التسمية فوجب الأقل كذا في الهداية وشروحهما وفي فتاوى قاضي خان ولو كان هذا في الخلع تعطيه أيهما شاءت المرأة وهو قول أبي حنيفة ا هـ .

                                                                                        وهو مخالف للأول ; لأنه قد يكون لها غرض في إمساك الأقل قيمة فتدفع الأعلى وهي تريد خلافه وإن كان الغالب أنها تدفع الأقل ، وكذا في الإقرار بأحد شيئين كألف أو ألفين فالواجب الأقل اتفاقا لما ذكرناه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ورجح قولهما في التحرير ) كتابة هذا هنا عقب قوله لمكان الجهالة أحسن مما في بعض النسخ من كتابته بعد قوله فما في فتح القدير ( فما في فتح القدير من التردد ) حيث قال ، وهذا وإن كان تخريجا فليس بلازم لجواز أن يتفقوا على أن الأصل مهر المثل ثم يختلفوا في فساد هذه التسمية فعنده فسدت لإدخال أو فصير إلى مهر المثل وعندهما لم تفسد ; لأن المردد بينهما لما تفاوت ورضيت هي بأيهما كان فقد رضيت بالأوكس فتعين دون الأرفع إذ لا يمكن تعينه عليه مع رضاها بالأوكس وإذا تعين مالها لم يصر إلى مهر المثل ; لأن المصير إليه حكم عقد لا تسمية فيه صحيحة . ا هـ .

                                                                                        ونقل في النهر عن المبسوط ما هو ظاهر في أن مبنى الخلاف فيه فساد هذه التسمية وعدمه ، ثم قال وسيأتي أنهما لو اختلفا في قدر المهر حكم مهر المثل عند الإمام ومحمد قال أبو يوسف القول له قال في الهداية ولهما أن القول في الدواعي قول من يشهد له الظاهر . والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل ; لأنه الموجب الأصلي في باب النكاح ، وهذا صريح في أن محمدا يجعله موجبا أصليا وهو يعين أن ما مر تخريج فقط وإلا لزم مخالفة أصله السابق فتدبر [ ص: 175 ] ( قوله يقضى بمهر المثل عنده ) أي عند الإمام وتمام عبارة الجامع الكبير على ما في غاية البيان لا ينقص عن الأقل ولا يزاد على الأكثر وعندهما يقع على الأقل إلى آخر ما قال : وإنما ذكرنا هذه الزيادة لدفع ما يتوهم مما اقتصر عليه المؤلف من عبارة الجامع وهو أنه يقضى عنده بمهر المثل بدون تحكيم فينافي ما مر .




                                                                                        الخدمات العلمية