الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : أو لمرض ) يعني يجوز التيمم للمرض وأطلقه ، وهو مقيد بما ذكره في الكافي من قوله بأن يخاف اشتداد مرضه لو استعمل الماء فعلم أن اليسير منه لا يبيح التيمم ، وهو قول جمهور العلماء إلا ما حكاه النووي عن بعض المالكية ، وهو مردود بأنه رخصة أبيحت للضرورة ودفع الحرج ، وهو إنما يتحقق عند خوف الاشتداد والامتداد ولا فرق عندنا بين أن يشتد بالتحرك كالمبطون أو بالاستعمال كالجدري أو كأن لا يجد من يوضئه ولا يقدر بنفسه اتفاقا ، وإن وجد خادما كعبده وولده وأجيره لا يجزيه التيمم اتفاقا كما نقله في المحيط ، وإن وجد غير خادمه من لو استعان به أعانه ولو زوجته فظاهر المذهب أنه لا يتيمم من غير خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه كما يفيده كلام المبسوط والبدائع وغيرهما ونقل في التجنيس عن شيخه خلافا بين أبي حنيفة وصاحبيه على قوله يجزئه التيمم وعلى قولهما لا قال وعلى هذا الخلاف إذا كان مريضا [ ص: 148 ] لا يقدر على الاستقبال أو كان في فراشه نجاسة ولا يقدر على التحول منه ووجد من يحوله ويوجهه لا يفترض عليه ذلك عنده وعلى هذا الأعمى إذا وجد قائدا لا تلزمه الجمعة والحج والخلاف فيهما معروف فالحاصل أن عنده لا يعتبر المكلف قادر بقدرة غيره ; لأن الإنسان إنما يعد قادرا إذا اختصر بحالة يتهيأ له الفعل متى أراد ، وهذا لا يتحقق بقدرة غيره ; ولهذا قلنا إذا بذل الابن المال والطاعة لأبيه لا يلزمه الحج ، وكذا من وجبت عليه الكفارة ، وهو معدم فبذل له إنسان المال لما قلنا وعندهما تثبت القدرة بآلة الغير ; لأن آلة الغير صارت كآلته بالإعانة ، وكان حسام الدين رحمه الله يختار قولهما والفرق على ظاهر المذهب بين مسألة التيمم وبين المريض إذا لم يقدر على الصلاة ، ومعه قوم لو استعان بهم في الإقامة والثبات جاز له الصلاة قاعدا أنه يخاف على المريض زيادة الوجع في قيامه ، ولا يلحقه زيادة الوجع في الوضوء ا هـ .

                                                                                        ما في التجنيس وظاهره أنه لو لم يكن له أجير لكن معه ما يستأجر به أجيرا لا يجزئه التيمم قل الأجر أو كثر ، فإنه قال أو عنده من المال مقدار ما يستأجر به أجيرا والفرق بين الزوجة والمملوك أن المنكوحة إذا مرضت لا يجب عليه أن يوضئها وأن يتعاهدها ، وفي العبد والجارية يجب عليه إذا لم يستطع الوضوء كذا في الخلاصة يعني أن السيد لما كان عليه تعاهد العبد في مرضه كان على عبده أن يتعاهده في مرضه والزوجة لما لم يكن عليه أن يتعاهدها في مرضها فيما يتعلق بالصلاة لا يجب عليها ذلك إذا مرض فلا يعد قادرا بفعلها وفي المبتغى مريض إذا لم يكن عنده أحد يوضئه إلا بأجر جاز له التيمم عند أبي حنيفة قل الأجر أو كثر وقالا لا يتيمم إذا كان الأجر ربع درهم ا هـ .

                                                                                        والظاهر عدم الجواز إذا كان قليلا لا إذا كان كثيرا لما عرف من مسألة شراء الماء إذا وجده بثمن المثل على ما نبينه إن شاء الله تعالى وبقولنا قال مالك وأحمد والشافعي في الأصح كما نقله النووي لإطلاق قوله تعالى { وإن كنتم مرضى } والمراد من الوجود في الآية القدرة قال العلامة الكردري الفاء في قوله تعالى { فلم تجدوا } للعطف على الشرط وفي { فتيمموا } لجواب الشرط وفي { فامسحوا } لتفسير التيمم ، وهذا إذا قدر المريض على التيمم أما إذا لم يقدر عليه أيضا ولا عنده من يستعين به ، فإنه لا يصلي عندهما قال الشيخ الإمام أبو بكر رأيت في الجامع الصغير للكرخي أن مقطوع اليدين والرجلين إذا كان بوجهه جراحة يصلي بغير طهارة ولا يتيمم ولا يعيد ، وهذا هو الأصح كذا في فتاوى الظهيرية ذكره مسكين وسيأتي بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : كما نقله في المحيط ) عبارته على ما في التتارخانية ، وأما إذا وجد أحدا يوضئه فهذا على وجهين :

                                                                                        الأول : أن يكون [ ص: 148 ] الذي يوضئه حرا في هذا الوجه قال أبو حنيفة رحمه الله يجزئه التيمم وقالا لا يجزئه الثاني إذا كان الذي يوضئه مملوكا له بأن كان عبدا أو أمة لا شك أن على قولهما لا يجوز له التيمم ، وأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فقد اختلف المشايخ والصحيح أنه لا يجوز له التيمم وذكر في الوجه الأول عن فتاوى الحجة سئل أبو حنيفة رحمه الله عمن عجز بنفسه عن الوضوء قال يجوز له التيمم ، وإن كان يجد من يوضئه ثم قال في الذخيرة قال الفضلي : هو الصحيح من مذهبه ، فإن من أصله أن لا يعتبر المكلف قادرا بقدرة غيره ( قوله : لا يفترض عليه ذلك عنده ) قيده في الخلاصة بما إذا كان المعين حرا ثم الفرق بين الحر والمملوك بما سيأتي وذكر قبله إن كان معه أحد يعينه على استعمال الماء إن كان المعين حرا أو أجنبيا جاز له التيمم وعندهما لا يجوز ، فإن كان المعين مملوكا اختلفت المشايخ فيه على قول أبي حنيفة رحمه الله أي والصحيح أنه لا يجوز كما مر قلت ويفهم من هذا أن قوله لا يعتبر قادرا بقدرة غيره المراد بالغير غير الخادم وكأنه لوجوبه على الخادم اعتبر قادرا به كما يأتي في الفرق تأمل ( قوله : والفرق بين الزوجة والمملوك إلخ ) لا يحتاج إلى الفرق على ظاهر المذهب ; لأنه لا يجوز له التيمم إذا وجد الزوجة أو المملوك ( قوله : والظاهر عدم الجواز إذا كان قليلا إلخ ) قال في النهر وكلامه يعطي أن القليل ثمن المثل والكثير ما زاد عليه وينبغي أن يقيد بذلك إطلاق ما في التجنيس فلا يلزم الاستئجار حال وجود الماء إذا طلب أكثر من أجرة المثل ا هـ .

                                                                                        أقول : وهذا الذي استظهره شارح المنية العلامة ابن أمير حاج أخذا مما اتفقت عليه كلمتهم في ماء الوضوء إذا كان يباع ولا يوجد مجانا .




                                                                                        الخدمات العلمية