( قوله : وتنكح المهاجرة الحائل بلا عدة ) أي التي ليست بحامل وهذا بيان لحكم آخر جزئي من جزئيات موضوع المسألة السابقة فإن منها ما إذا فأفاد أنها إذا بانت فلا عدة عليها إن لم تكن حاملا فتتزوج للحال عند خرجت المرأة مسلمة أو ذمية وتركت زوجها في دار الحرب الإمام وقالا عليها : العدة لأن الفرقة وقعت بعد الدخول في دار الإسلام فيلزمها حكم الإسلام أنها أثر النكاح المتقدم ووجبت إظهارا لخطره ولا خطر لملك الحربي ولهذا لا تجب على المسبية ، وقد تأيد ذلك بقوله تعالى { ولأبي حنيفة ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ، والعصم جمع عصمة بمعنى المنع ، والكوافر جمع كافرة ثم اختلفا لو خرج زوجها بعدها وهي بعد في هذه العدة فطلقها هل يلحقها طلاق قال لا يقع عليها ، وقال أبو يوسف يقع ، والأصل أن الفرقة إذا وقعت بالتنافي تصير المرأة محلا للطلاق عند محمد وعند أبي يوسف تصير وهو أوجه إلا أن تكون محرمه لعدم فائد الطلاق على ما بيناه وثمرته تظهر فيما لو طلقها ثلاثا لا يحتاج زوجها في تزوجها إذا أسلم إلى زوج آخر [ ص: 230 ] عند محمد وعند أبي يوسف يحتاج إليه كذا في فتح القدير وأراد بالمهاجرة التاركة لدار الحرب إلى دار الإسلام على عزم عدم العود وذلك بأن تخرج مسلمة أو ذمية أو صارت كذلك وقيد بالحائل لأن الحامل لا يصح العقد عليها حتى تضع حملها وظاهر مفهوم الكتاب أن ذلك لأجل العدة وليس كذلك كما في غاية البيان ، والتبيين محمد
وروى الحسن عن أن العقد صحيح ، والوطء حرام حتى تضعه لأنه لا حرمة لماء الحربي كماء الزاني وصحح الشارحون الأول لأن النسب ثابت فكان الرحم مشغولا بحق الغير فكان الاحتياط في منع العقد كالوطء بخلاف الحمل من الزنا وصحح أبي حنيفة الأقطع رواية الصحة ، والأكثر على الأول وهو الأظهر لأنه إذا ظهر الفراش في حق النسب يظهر في حق المنع من النكاح احتياطا ( قوله : وارتداد أحدهما فسخ في الحال ) يعني فلا يتوقف على مضي ثلاثة قروء في المدخول بها ولا على قضاء القاضي لأن وجود المنافي يوجبه كالمحرمية بخلاف الإسلام لأنه غير مناف للعصمة أطلقه فشمل ارتداد المرأة وهو ظاهر الرواية وبعض مشايخ بلخ ومشايخ سمرقند أفتوا بعدم الفرقة بردتها حسما لباب المعصية ، والحيلة للخلاص منه وعامة مشايخ بخارى أفتوا بالفرقة لكنها تجبر على الإسلام ، والنكاح مع زوجها الأول لأن الحسم يحصل بهذا الخبر فلا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي وتعقبهم في جامع الفصولين بأن جبر الحرة البالغة مناف للشرع أيضا فلزمهم ما هربوا منه من إسقاط اعتبار المنافي ا هـ .
وهو مردود لأن الجبر على النكاح عهد في الشرع في الجملة للضرورة كما في العبد ، والأمة ، والحر الصغير ، والحرة الصغيرة فجاز ارتكابه في غيرهم للضرورة ولم يعهد بقاء النكاح مع المنافي له فافترقا قالوا : ولكل قاض أن يجدد النكاح بمهر يسير ولو بدينار رضيت أو لا وتعزر خمسة وسبعين ا هـ .
وهو اختيار ; لقول في التعزير هنا فإن نهايته في تعزير الحر أبي يوسف خمسة وسبعون وعندهما تسعة وثلاثون مع أن عنده القدسي في الحاوي قال بعد قول المذكور وبه نأخذ فعلى هذا المعتمد في نهاية التعزير قول أبي يوسف سواء كان في تعزير المرتدة أو لا وصحح في المحيط ، والخزانة ظاهر الرواية من وقوع الفرقة ، والجبر على تجديد النكاح من الأول وعدم تزوجها بغيره بعد إسلامها ، وقال أبي يوسف الولوالجي : وعليه الفتوى ولا يخفى أن محله ما إذا طلب الأول ذلك أما إذا رضي بتزوجها من غيره فهو صحيح لأن الحق له وكذلك لو لم يطلب تجديد النكاح واستمر ساكتا لا يجدده القاضي حيث أخرجها من بيته ، وفي القنية المرتدة ما دامت في دار الإسلام فإنها لا تسترق في ظاهر الرواية ، وفي النوادر عن أنها تسترق ولو كان الزوج عالما استولى عليها بعد الردة تكون فيئا للمسلمين عند أبي حنيفة ثم يشتريها من الإمام أو يصرفها إليه إن كان مصرفا فلو أفتى مفت بهذه الرواية حسما لهذا الأمر لا بأس به أبي حنيفة قلت ، وفي زماننا بعد فتنة التتر العامة صارت هذه الولايات التي غلبوا عليها وأجروا أحكامهم فيها [ ص: 231 ] كخوارزم وما وراء النهر وخراسان ونحوها صارت دار الحرب في الظاهر فلو استولى عليها الزوج بعد الردة يملكها ولا يحتاج إلى شرائها من الإمام فيفتي بحكم الرق حسما لكيد الجهلة ومكر المكرة على ما أشار إليه في السير الكبير ا هـ .
ما في القنية وهكذا في خزانة الفتاوى ونقل قوله فلو أفتى مفت بهذه الرواية عن شمس الأئمة السرخسي ثم اعلم أن على هذه الرواية للزوج أن يبيعها بعد الاستيلاء لأنه صار مالكا لها وينبغي أن يمتنع بيعها إذا كانت ولدت منه قبل الردة تنزيلا لها منزلة أم ولده ، وقد ذكر في الخانية أن يعود كونها أم ولده وأمية الولد تتكرر بتكرار الملك ، وفي الخانية من باب الردة أم الولد إذا ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت ثم ملكها السيد وسعه أن يصدقه ويتزوج أربعا سواها وكذا إذا كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق ، وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يتزوج أكثر من ثلاث ، وإن : رجل تزوج امرأة فغاب عنها قبل الدخول بها فأخبره مخبر أنها ارتدت ، والمخبر حر أو مملوك أو محدود في قذف وهو ثقة عنده لها أن تتزوج بآخر بعد انقضاء العدة في رواية الاستحسان أخبرت المرأة أن زوجها قد ارتد
وفي رواية السير ليس لها أن تتزوج قال شمس الأئمة السرخسي الأصح رواية الاستحسان ا هـ .
وإنما كانت ردته فسخا وإباؤه طلاقا عند لأن الردة منافية للنكاح لكونها منافية للعصمة ، والطلاق رافع فتعذر أن يجعل طلاقا بخلاف الإباء فإنه يفوت الإمساك بالمعروف فيجب التسريح بالإحسان ولذا يتوقف على القضاء في الإباء دونها وقال أبي حنيفة إن ردته طلاق كإبائه محمد مر على أصله من أن إباءه فسخ فردته كذلك وأفاد بقوله فسخ أنه لا ينقص العدد ولذا قال في الخانية : وأبو يوسف على قول رجل ارتد مرارا وجدد الإسلام في كل مرة وجدد النكاح تحل امرأته من غير إصابة زوج ثان ولم يذكر أبي حنيفة المؤلف وجوب العدة عليها ولا شك في وجوبها قال في جامع الفصولين وتعتد بثلاث حيض لو حرة ممن تحيض وبثلاثة أشهر لو آيسة أو صغيرة وبوضع الحمل لو حاملا لو دخل سواء ارتد أو ارتدت ولا نفقة لها في العدة ولو ارتد هو لا تجبر المرأة على التزوج ا هـ . وفي الخلاصة : إذا ارتدت لا نفقة لها في العدة ولها السكنى وبه يفتى ذكره في ألفاظ التكفير ، وفي الخانية ولزوج المرتدة أن يتزوج بأختها وأربع سواها إذا لحقت بالدار كأنها ماتت فإن خرجت إلى دار الإسلام مسلمة بعد ذلك لا يفسد نكاح أختها إذا بطلت عدتها لتباين الدارين وانقطاع العصمة كأنها ماتت فإن رجعت إلينا بعد ذلك مسلمة قبل انقضاء مدة العدة ، والحيض قال ارتدت المعتدة ولحقت بدار الحرب ثم قضى القاضي بلحاقها : لا تعود معتدة وقال أبو يوسف : تعود معتدة ا هـ . محمد
ثم اعلم أن الرجل المسلم يرث من امرأته المرتدة إذا ماتت قبل انقضاء العدة استحسانا ولا يرث قياسا وهو قول كذا في الخانية ثم قال فيها : زفر فإن أنكر الزوج ذلك كان القول قوله ، وإن قال تكلمت بالكفر مكرها وقالت المرأة لم تكن مكرها كان القول قول المرأة فإن صدقته المرأة فيما قال فالقاضي لا يصدقه ا هـ . مسلم أسر في دار الحرب وخرج إلى دار الإسلام ومعه امرأته فقالت المرأة ارتددت في دار الحرب
وهكذا في الظهيرية إلا أنه لم يقيده بكونها معه وظاهر التقييد أنه لا يقبل قولها إذا لم تكن معه وله وجه ظاهر لأنه لا علم لها بذلك وصرح في التتارخانية أنه لا يقبل قوله : في دعوى [ ص: 232 ] الإكراه إلا ببينة ولو شهدوا على الإكراه إلا أنهم قالوا لا ندري أكفر أم لا ، وقال الأسير إنما أجريت كلمة الكفر عند الإكراه لا قبله ولا بعده فالقول قول الأسير ولو قالت للقاضي سمعته يقول المسيح ابن الله تعالى فقال الزوج إنما حكيت قول النصارى فإن أقر أنه لم يتكلم إلا بهذه الكلمة بانت امرأته ، وإن قال وصلت بكلامي فقلت النصارى يقولون وكذبته المرأة فالقول قوله : مع اليمين ولا يحكم بكفره ، وإن نكل عن اليمين حكم به ا هـ .
وهو مشكل إن صحت النسخة لأن النكول شبهة ، والتكفير لا يثبت مع الشبهة ويمكن أن يقال إنها تبين بالنكول ولا يثبت كفره
وإن قيل لا تبين أيضا فمشكل لأنه حينئذ لا فائدة في التحليف مع أنه لرجاء النكول ( قوله : فللموطوءة المهر ) لتأكده به أطلقه ارتداده وارتدادها ، والخلوة بها لأنها وطء حكما ( قوله : ولغيرها النصف إن ارتد ) لأن الفرقة من قبله قبل الدخول موجبة لنصف المهر عند التسمية وللمتعة عند عدمها ( قوله : ، وإن ارتدت لا ) أي ليس لها شيء لأن الفرقة جاءت من قبلها أطلقه فشمل الحرة ، والأمة الكبيرة ، والصغيرة ، وقد قدمنا التصريح بذلك في باب نكاح الرقيق في شرح قوله ويسقط المهر بقتل السيد أمته لا بقتل الحرة نفسها ولم أر من صرح به هنا للاكتفاء بما ذكروه هناك وحكم نفقة العدة كحكم المهر قبل الدخول فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة ، وإن ارتدت فلا نفقة لها ( قوله : والإباء نظيره ) أي إن نظير الارتداد فإن كان بعد الدخول فلها كل المهر ، وإن كان قبله فلها النصف إن كان هو الآبي عن الإسلام ، وإن كانت هي الآبية فلا شيء لها كما لا نفقة لها في العدة . إباء أحد الزوجين عن الإسلام بعد إسلام الآخر