الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( وثنتين في ثنتين ثنتان ) يعني إن لم تكن له نية أو نوى الظرف أو الضرب لما ذكرنا ، وإن نوى معنى الواو أو معنى مع وقعت ثلاث في المدخول بها ، وفي غيرها ثنتان في الأول وثلاث في الثاني كما قدمناه قوله : ( ومن هنا إلى الشام واحدة رجعية ) لأنه وصفه بالقصر لأن الطلاق متى وقع وقع في جميع الدنيا ، وفي السموات فلم يثبت بهذا اللفظ زيادة شدة ، وقال التمرتاشي : مع أنه إنما مد المرأة لا الطلاق ووجهه أنه حال ولا يصلح صاحب الحال في التركيب إلا الضمير في طالق قوله : ( وبمكة ، وفي مكة ، وفي الدار تنجيز ) فتطلق في الحال ، وإن لم يكن في الدار ولا بمكة وكذا في الظل ، وفي الشمس ، والثوب كالمكان فلو قال في ثوب كذا وعليها غيره طلقت للحال وكذا لو قال أنت طالق مريضة أو مصلية [ ص: 286 ] أو وأنت مريضة ، وإن قال عنيت إذا لبست أو إذا مرضت صدق ديانة لا قضاء لما فيه من التخفيف على نفسه كما إذا قصد بمسألة الكتاب الدخول فيتعلق به ديانة لا قضاء وإنما تعلق الطلاق بالزمان دون المكان لأن فيه معنى الفعل وبين الفعل ، والزمان مناسبة من حيث إنه لا بقاء لهما فكما يوجدان يذهبان وللمكان بقاء لا يتجدد كل ساعة أما الزمان يتجدد ويحدث كل ساعة كالفعل فكان اختصاص الطلاق بالزمان أكثر كذا في المعراج ، وفي الخانية لو قال أنت طالق في الليل ، والنهار طلقت واحدة .

                                                                                        ولو قال أنت طالق في الليل ، وفي النهار تقع ثنتان ولو قال أنت طالق في ليلك ونهارك طلقت للحال ، ولو قال أنت طالق إلى رأس الشهر أو إلى الشتاء تعلق قوله : ( وإذا دخلت مكة تعليق لوجود حقيقة التعليق ) وكذا إذا قال أنت طالق في دخولك الدار أو في لبسك ثوب كذا يتعلق بالفعل فلا تطلق حتى تفعل لأن حرف في للظرف ، والفعل لا يصلح شاغلا له فيحمل على معنى الشرط للمناسبة بينهما ولو قال : أنت طالق فيها دخولك الدار طلقت في الحال كذا في المحيط ، والمعراج وأوضحه في الذخيرة بأنه إذا ذكر في بدون حرف الهاء يصير صفة للمذكور أولا وهو الطلاق ، والدخول لا يصلح ظرفا لأنه فعل فجعل شرطا فصار الطلاق معلقا بدخول الدار وإذا ذكر في مع حرف الهاء صار صفة للمذكور آخرا وهو الدخول ، والطلاق لا يصلح ظرفا للدخول ولا يمكن جعل الطلاق شرطا أيضا للدخول فتعذر العمل بالظرفية ، والشرطية فيلغي كلمة في فوقع بقوله أنت طالق ا هـ .

                                                                                        فإن كانت الرواية بهاء التأنيث فهي راجعة إلى الطلقة ، وإن كان الضمير مذكرا فهو عائد إلى الطلاق كما لا يخفى وإنما لا يصح التعليق بها في قوله لأجنبية أنت طالق في نكاحك حتى لو تزوجها لا تقع لأنها كالتعليق توقفا لا ترتبا وتمامه في الأصول ولا فرق بين كون ما يقوم بها فعلا اختياريا أو غيره حتى لو قال أنت طالق في مرضك أو وجعك أو صلاتك لم تطلق حتى تمرض أو تصلي إما لأن " في " حرف بمعنى مع أو لأن المرض ونحوه لما لم يصلح ظرفا حمل على معنى الشرط مجازا لتصحيح كلام العاقل .

                                                                                        وأشار في تلخيص الجامع إلى قاعدة هي أن الإضافة إن كانت إلى الموجود فإنه يتنجز كقوله أنت طالق في الدار ، وإن كانت إلى معدوم فإنه يتعلق كقوله في دخولك وقيد بفي لأنه لو قال أنت طالق لدخولك الدار أو قال لحيضك تطلق للحال ولو قال أنت طالق بدخولك الدار أو بحيضك لا تطلق حتى تدخل الدار وتحيض كذا في الخانية ، وفي المحيط : لو قال أنت طالق في حيضك وهي حائض لم تطلق حتى تحيض أخرى لأنه عبارة عن درور الدم ونزوله لوقته فكان فعلا فصار شرطا كما في الدخول ، والشرط يعتبر في المستقبل لا في الماضي ولو قال أنت طالق في حيضة أو في حيضتك لم تطلق حتى تحيض وتطهر لأن الحيضة اسم للحيضة الكاملة لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس { ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحبالى حتى يستبرئن بحيضة } فأراد بها كمالها ا هـ . والحاصل أنه إن ذكر الحيضة بالتاء المثناة من فوق كان تعليقا لطلاقها على الطهر من حيضة مستقبلة ، وإن ذكره بغير تاء كان تعليقا على رؤية الدم بشرط أن يمتد ثلاثا كذا في شرح التلخيص ثم قال في المحيط : ولو قال أنت طالق في ثلاثة أيام طلقت للحال لأن الوقت يصلح ظرفا لكونها طالقا ومتى طلقت في وقت طلقت في سائر الأوقات ولو قال أنت طالق في مجيء ثلاثة أيام لم تطلق حتى يجيء اليوم الثالث لأن المجيء فعل فلم يصلح ظرفا فصار شرطا ولا يحتسب باليوم الذي حلف فيه لأن الشروط تعتبر في المستقبل لا في الماضي ومجيء اليوم يكون من أوله ، وقد مضى جزء أوله ولو قال في مضي يوم تطلق في الغد في مثل تلك الساعة ولو قال في مجيء يوم تطلق حين يطلع الفجر من الغد لأن المجيء عبارة عن مجيء أول جزئه يقال جاء يوم [ ص: 287 ] الجمعة كما طلع الفجر وجاء شهر رمضان كما هل الهلال ، وإن لم يجئ كله فصار كأنه قال أنت طالق إذا جاء أول جزء منه فأما المضي فعبارة عن جميع أجزاء اليوم ، وقد وجد من حين حلف مضي بعض يوم لا مضي كله فوجب ضرورة تتميمه من اليوم الثاني ليتحقق مضي جميع يوم ا هـ .

                                                                                        وفي الجامع الكبير للصدر الشهيد " في " للظرفية وتجعل شرطا للتعذر إلى أن قال : ولو قال أنت طالق في ثلاثة أيام يتنجز ، والوكيل به يملك ثلاثا متفرقة قال بعد طلوع الشمس أنت طالق في مضي اليوم يقع عند غروبها ، وفي مضي اليوم عند مجيء تلك الساعة وكذا في مضي ثلاثة أيام ولو قال ليلا يقع عند غروب الشمس في الثالث ا هـ .

                                                                                        وصورة التوكيل به أن يقول لآخر طلق امرأتي في ثلاثة أيام ، والفرق بينهما أن الإيقاع لا يمتد فاقتضى التفريق بخلاف وصفها بالطلاق في الثلاثة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وإن كان الضمير مذكرا . . . إلخ ) بأن قال فيه دخولك الدار ، والوقوع فيه للحال أظهر لكونه عائدا إلى الطلاق كذا في النهر .




                                                                                        الخدمات العلمية