الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله : ( وفي اليوم غدا أو غدا اليوم يعتبر الأول ) أي يقع الطلاق في أول الوقتين تفوه به عند عدم النية أما الأول فلأنه نجزه فلا يقع متأخرا إلى وقت في المستقبل ولا يعتبر لإضافة أخرى لأنه لا حاجة إليه لأنها إذا طلقت اليوم كانت غدا كذلك وأما الثاني فلأنه وقع مضافا بعده فلا يكون منجزا بعده بل لو اعتبر كان تطليقا آخر وإنما وصفها بواحدة فلزم إلغاء الثاني ضرورة ولا يمكن جعله نسخا للأول لأن النسخ إنما يكون بكلام مستجد متراخ وهو منتف قيد بقوله اليوم غدا لأنه إذا قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لا تطلق إلا بطلوع الفجر فتوقف المنجز لاتصاله بغير الأول بالآخر ، وقد جعلوا الشرط مغيرا للأول دون الإضافة ، وقد طولبوا بالفرق بينهما وما ذكروا من أن اليوم في الشرط لبيان وقت التعليق لا لبيان وقت الوقوع ، وفي الإضافة لبيان وقت الوقوع لا يفيد فرقا ولو قال أنت طالق اليوم وإذا جاء غد طلقت واحدة للحال وأخرى في الغد لأن المجيء شرط معطوف على الإيقاع ، والمعطوف غير المعطوف عليه ، والموقع للحال لا يكون متعلقا بشرط فلا بد وأن يكون المتعلق تطليقة أخرى كذا في المحيط ، وفي البزازية أنت طالق الساعة وغدا أخرى بألف فقبلت وقعت واحدة للحال بنصف الألف ، والأخرى غدا بغير شيء ، وإن تزوجها قبل مجيء الغد ثم جاء الغد تقع أخرى بخمسمائة أخرى ا هـ .

                                                                                        وذكر الواو في المسألة الأولى وعدم ذكرها سواء حتى لو قال أنت طالق اليوم وغدا أو أول النهار وآخره لا يقع عليه إلا واحدة إلا إذا نوى أخرى فيتعدد ، وفي المسألة الثانية بينهما فرق فإنه لو قال أنت طالق اليوم وغدا وقعت واحدة ولو قال أنت طالق غدا ، واليوم وقعت ثنتان للمغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه عند الاحتياج وهو في الثانية دون الأولى وكذا لو قال أمس ، واليوم فهي ثنتان لأن الواقع في اليوم لا يكون واقعا في الأمس فاقتضى أخرى ولو قال اليوم وأمس فهي واحدة مثل قوله اليوم وغدا كذا في المحيط فيه لو قال أنت طالق غدا ، واليوم وبعد غد ، والمرأة مدخول بها يقع ثلاثا خلافا زفر ، وفي الخانية أنت طالق اليوم وبعد غد طلقت ثنتين في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقيدنا بعدم النية لأنه لو نوى في الأولى أن يقع عليها اليوم واحدة وغدا واحدة صح ووقعت ثنتان ولو قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد تقع واحدة بلا نية فإن نوى ثلاثا متفرقة على ثلاثة أيام وقعن كذلك واستفيد من المسألتين أنه لو قال بالنهار أنت طالق بالليل ، والنهار يقع عليه تطليقتان ولو قال بالنهار ، والليل تقع واحدة ولو كان بالليل انعكس الحكم كذا في التنقيح للمحبوبي وعلى هذا فما ذكره الشارح من أنه لو قال أنت طالق آخر النهار وأوله تطلق ثنتين ولو قال أنت طالق أول النهار وآخره تطلق واحدة مقيد بما إذا كانت هذه المقالة في أول النهار فلو كانت في آخر النهار انعكس الحكم ، وفي المحيط الأصل أن الطلاق متى أضيف إلى وقتين مستقبلين نزل في أولهما ليصير [ ص: 291 ] واقعا فيهما .

                                                                                        وإن كان أحد الوقتين كائنا ، والآخر مستقبلا وبينهما حرف العطف فإن بدأ بالكائن وقع طلاق واحد في أولهما ، وإن بدأ بالمستقبل وقع طلاقان ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية قال لها أنت طالق ما خلا اليوم طلقت للحال ا هـ .

                                                                                        وفي تلخيص الجامع لو قال لها أنت طالق طلاقا لا يقع إلا غدا أو طلاقا لا يقع إلا في دخولك الدار وقع للحال ولا يتقيد بالدخول ولا بالغد لأنه وصفه بما لا يصلح وصفا له إذ لا يصلح أن يكون الطلاق واقعا في غد فقط أو في دخولها فقط وهذا بخلاف قوله أنت طالق تطليقة لا تقع عليك إلا بائنا حيث تقع عليها واحدة بائنة عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن عند محمد لا يلحق الوصف ، وفي المحيط الأصل أن الطلاق متى أضيف إلى أحد الوقتين وقع عند آخرهما كقوله أنت طالق غدا أو رأس الشهر يقع عند رأس الشهر وكذا اليوم أو غدا يقع عند الغد ، وإن علقه بفعلين يقع عند آخرهما نحو إذا جاء فلان وفلان فلا يقع إلا عند مجيئهما ، وإن علق بأحد الفعلين يقع عند أولهما نحو : إذا جاء فلان أو جاء فلان فأيهما جاء طلقت ، وإن علقه بالفعل ، والوقت يقع بكل واحدة تطليقة ، وإن علقه بفعل أو وقت فإن سبق الفعل وقع ولم ينتظر الوقت ، وإن سبق الوقت لم يقع حتى يوجد الفعل وتمامه فيه .

                                                                                        وفي التلخيص : لو قال طالق اليوم ورأس الشهر اتحد الواقع في الأصح بخلاف التخيير لأن الأول انتهى بالغروب كالظهار إذ الوقت كالمجلس فقدر الصدر معاد إحذار اللغو كذا يوما ويوما لا لأن لا لغو إلا أن يزيد أبدا ترجيحا للتعديد على النفي بالعرف عكس الأول فيقع ثلاثا آخرهن في الخامس ، وفي نسخة السادس بدأ من الثاني إذا أضاف إلى أحد الوقتين ، والأظهر البداءة من الأول في الصورة الثانية كما لو لم يزد وله النية إلا أن يتهم فترد قضاء ا هـ .

                                                                                        وتوضيحه في شرحه ، وفي الجامع للصدر الشهيد المعلق بشرطين ينزل عند آخرهما وبأحدهما عند الأول ، والمضاف بالعكس قال : أنت طالق غدا وبعده يقع غدا وبعده في أو قال أنت طالق إذا جاء زيد وعمرو يقع عند آخرهما وبأو عند الأول قال : إن دخل هذه فعبده حر أو إن كلمهن فامرأته طالق أيهما وجد شرطها نزل جزاؤها وتبطل الأخرى ، وإن وجدا معا يتخير ولا يتخير قبله قال أنت طالق غدا أو عبده حر بعده ينزل أحدهما بعده ويتخير قال أنت طالق إن دخلت هذه الدار ، وإن دخلت هذه أو أوسط الجزاء يتعلق بأحدهما ولا يتعدد ، وإن أخره فيهما وكذا إن لم يعد حرف الشرط قدم أو وسط أو أخر ذكره في الأيمان ، وفي الخانية أنت طالق غدا إن شئت كانت المشيئة إليها في الغد ولو قال لها [ ص: 292 ] إن شئت فأنت طالق غدا كانت المشيئة للحال عند محمد وقال أبو يوسف : المشيئة إليها في الغد في الفصلين ، وقال زفر : المشيئة إليها للحال في الفصلين وهو قول أبي حنيفة ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولو قال اليوم وأمس فهي واحدة ) قال في النهر : أنت خبير بأن العلة المذكورة في الأمس ، واليوم تأتي في اليوم ، والأمس فتدبر في الفرق بينهما فإنه دقيق على أن مقتضى الضابط أي الآتي قريبا وقوع واحدة في الأمس ، واليوم لأنه بدأ بالكائن والله تعالى الموفق ا هـ .

                                                                                        قلت قال المقدسي في شرحه : وفي الذخيرة طالق أمس ، واليوم تقع واحدة ولو قال اليوم وأمس تقع ثنتان ونقل عن المحيط خلافه ، وفيه بحث لأن إيقاعه في أمس إيقاع في اليوم فكأنه كرر اليوم ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء وهو الحق ( قوله : فلو كانت في آخره انعكس الحكم ) قال في النهر : يعني فيقع في قوله أول النهار وآخره إذا قاله في آخر النهار ثنتان ، وفي آخر النهار وأوله واحدة وأقول : قد يشكل عليه ما في المحيط لو قال وسط النهار أنت طالق أول النهار وآخره وقعت واحدة لأنه بدأ بالوقت الكائن فجعل الماضي بقيد كونه فيه كائنا وهذا يفيد لو كان في آخر النهار وقعت واحدة أيضا لأنه بدأ [ ص: 291 ] بالوقت الكائن وبه يحصل الفرق بين هذا وبين ما في التنقيح وذلك أنه لو قال في النهار أنت كذا في ليلك ونهارك أو قبله وهو في الليل لا يمكن أن يقال إنه بدأ بالكائن بعد مضيه فوقعتا .

                                                                                        ( قوله : وتوضيحه في شرحه ) أي لابن بلبان الفارسي المسمى بتحفة الحريص وذلك حيث قال لو قال : أنت طالق اليوم ورأس الشهر يتحد الواقع ولا يتعدد في الأصح لأنه وصفها بالطالقية في اليوم ورأس الشهر ، والوصف مما يمتد فإذا صارت طالقا في اليوم كانت طالقا في سائر الأيام ، وفي رأس الشهر بخلاف التخيير بقوله أمرك بيدك اليوم ورأس الشهر لأن الأمر الأول انتهى بغروب الشمس لتوقته كما في الظهار إذ الوقت وهو اليوم في توقت الأمر به كالمجلس وإذا كان الأمر الأول ينتهي بغروب الشمس وجب تقدير صدر الكلام وهو أمرك بيدك معادا مع قوله : ورأس الشهر ليصير التقدير وأمرك بيدك رأس الشهر ضرورة تصحيح قوله : ورأس الشهر وإلا لغا وكذا يتحد الطلاق فيما إذا قال أنت طالق يوما ويوما لا فتطلق واحدة لأن كلمة لا في لفظه لغو لأنه إما أن يراد بها ويوما لا تقع عليك تلك التطليقة أو تطليقة أخرى أما الأول فلأن التطليقة بعد وقوعها لا يتصور رفعها وأما الثاني فلأن وجوده كعدمه فيبقى قوله : أنت طالق فيقع به في الحال واحدة إلا أن يقول أنت طالق أبدا يوما ويوما لا فيتعدد .

                                                                                        لأنه الظاهر عرفا إذ يقال في العرف أصوم أبدا يوما ويوما لا فبذكر الأبد علمنا أنه ما قصد نفي الواقع وإبطاله بل أنه يقع طلاقها في يوم ثم لا يقع في يوم فيكون كل يومين دور لطلاق مستأنف لاستحالة رفع الواقع بعد تقرره واستحالة تجدده في الدور الثاني وقوله : عكس الأول تنبيه على أن زيادة الأبد هنا مخالفة لزيادته في مسألة أول الباب هي أنت طالق أبدا حيث أوجب الاتحاد هناك دون التعدد بخلافه هنا فيقع ثلاث آخرهن في اليوم الخامس ، وفي نسخة السادس الأولى في اليوم الثاني لا الأول ، والثانية في الرابع ، والثالثة في السادس لأنه أضافه إلى أحد وقتين فينزل عند آخرهما وهذا رواية أبي سليمان ، وفي رواية أبي حفص آخرهن الخامس وهو الأصح لأن الأول في الأولى ، والثاني في الثالث ، والثالث في الخامس ويصدق في نية خلاف الظاهر من محتملات كلامه ثم إن كان فيه تشديد عليه كنية التعدد فيما ظاهره الاتحاد صدق قضاء وديانة ، وفيما فيه تخفيف لا يصدق قضاء لأنه متهم فيرده القاضي ا هـ . ملخصا . ( قوله : يقع غدا وبعده في أو ) .

                                                                                        [ ص: 292 ] يعني : يقع غدا في قوله أنت طالق غدا وبعده بالواو ، وفي أو بعده بأو يقع بعد غد .




                                                                                        الخدمات العلمية