الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو مكثت بعد التفويض يوما ولم تقم أو جلست عنه أو اتكأت عن قعود أو عكست أو دعت أباها للمشورة أو شهودا للإشهاد أو كانت على دابة فوقفت بقي خيارها ، وإن سارت لا ) أي لا يبقى خيارها لما قدمنا أن المخيرة لها الخيار في مجلسها وأنه يتبدل حقيقة بالقيام أو حكما بما يدل على الإعراض وما ذكره لم يتبدل فيه حقيقة ولا حكما فلهذا بقي خيارها وقدمنا أنه لا يبطل بتبدل المجلس حقيقة على الصحيح إلا إذا كان معه دليل الإعراض ، ولذا قال في الخلاصة رجل خير امرأته فقبل أن تختار نفسها أخذ الزوج بيدها فأقامها أو جامعها طوعا أو كرها خرج الأمر من يدها ، وفي مجموع النوازل ، وفي الأصل من نسخة الإمام خواهر زاده المخيرة إذا قامت لتدعو الشهود بأن لم يكن عندها أحد يدعو الشهود لا يخلو إما أن تتحول عن موضعها أو لم تتحول فإن لم تتحول لم يبطل الخيار بالاتفاق ، وإن تحولت عن موضعها اختلف المشايخ فيه بناء على أن المعتبر في بطلان الخيار إعراضها أو تبدل المجلس عند البعض أيهما وجد وعند البعض الإعراض وهذا أصح ا هـ .

                                                                                        وأراد بسير الدابة المبطل أن يكون بعد التفويض بمهلة فلو اختارت مع سكوته ، والدابة تسير طلقت لأنه لا يمكنها الجواب بأسرع من ذلك ، والمراد بالإسراع أن يسبق جوابها خطوتها فلو سبق خطوتها جوابها لم تبن كذا في الخلاصة وأطلق المصنف في السير فشمل ما إذا كان الزوج معها على الدابة أو المحمل ولم يكن معهما قائد أما إذا كانا في المحمل يقودهما الجمال لا يبطل لأنه كالسفينة في هذه الحالة وأشار بالسير إلى كل عمل يدل على الإعراض فدخل فيه ما لو دعت بطعام فأكلت أو اغتسلت أو امتشطت أو اختضبت أو اشتغلت بالنوم أو جومعت أو ابتدأت الصلاة أو انتقلت إلى شفع آخر في النقل المطلق أو كانت راكبة فنزلت أو تحولت إلى دابة أخرى أو كانت نازلة فركبت وما لو بدأت بعتق عبد فوض سيده إليها عتقه قبل أن تطلق نفسها وما لو قالت أعطني كذا إن طلقتني كما في الخلاصة واختلف في قليل الأكل ففي الخلاصة الأكل يبطل ، وإن قل وقال القدوري إن قل لا يبطل ، والشرب لا يبطل أصلا ا هـ .

                                                                                        وقيد بسير الدابة لأنها لو كانت في السفينة فسارت لا يبطل خيارها كذا في الخلاصة وأشار بهذه المسائل إلى كل عمل لا يدل على الإعراض فدخل الأكل اليسير على أحد القولين ، والشرب مطلقا من غير أن تدعو بطعام ولبس ثوبها من غير قيام ونومها مضطجعة وقراءتها وتسبيحها قليلا ، وفي الخلاصة : لو قال لها أمرك بيدك وأمر هذه أيضا لامرأة أخرى بيدك فقالت طلقت فلانة ثم قالت طلقت نفسي جاز وبهذا لا يتبدل المجلس وكذا لو قالت لله علي نسمة أو هدي بدنة وحجة ، والحمد لله رب العالمين شكرا لما فعلت إلي ، وقد طلقت نفسيجاز وبما قالت لا يتبدل المجلس .

                                                                                        ولو لم تقل هكذا ، ولكنها قالت ما تصنع بالولد ثم طلقت نفسها يقع ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين : لو تكلمت بكلام هو ترك للجواب كما لو أمرت وكيلها ببيع أو شراء أو أجنبيا به بطل خيارها فلو قالت : لم لا تطلقني بلسانك لا يبطل ، وفيه نظر لأنه يتبدل به المجلس لأنه كلام زائد ا هـ .

                                                                                        أجاب عنه في فتح القدير بأن الكل المبدل للمجلس ما يكون قطعا للكلام الأول وإفاضة في غيره وليس هذا كذلك بل الكل متعلق بمعنى واحد وهو الطلاق ا هـ .

                                                                                        ودخل ما لو كانت تصلي المكتوبة فأتمتها أو في نفل مطلق فأتمت شفعا فقط ، وفي الخلاصة ، والأربع قبل الظهر ، والوتر بمنزلة الفريضة وصححه في المحيط ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية : إذا كان الطلاق ، والعتق من الزوج فهما أمر واحد لا يخرج الأمر من يدها بأيهما بدأت وما لو جعل أمرها وأمر عبده بيدها فبدأت بعتق العبد ثم طلقت نفسها ففرقوا بين عبد [ ص: 351 ] الزوج وعبد غيره في بداءتها بعتقه فالأول يدل على الإعراض دون الثاني وقيد بالاتكاء لأنها لو اضطجعت قال بعضهم : لا يبطل الأمر وقال بعضهم : إن هيأت الوسادة كما تفعل لنوم يبطل كذا في الخلاصة وأشار إلى أنها لو كانت محتبية فتربعت أو على العكس لا يبطل بالأولى كما في جامع الفصولين وقيد بدعوتها الشهود لأنها لو ذهبت إليهم وليس عندهم أحد يدعوهم ففيه اختلاف قدمناه قريبا ، ولو قال وأوقفتها مكان وقفت لكان أولى ليعلم الحكم في وقوفها بدون إيقافها بالأولى ومسألة الإيقاف في جامع الفصولين ولا يخفى أن هذا كله إذا كان التفويض منجزا أما إذا كان معلقا بالشرط فلا يصير الأمر بيدها إلا إذا جاء الشرط فحينئذ يعتبر مجلس العلم إن كان مطلقا ، والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط لكن يرتد بالرد وأما إذا كان موقتا بوقت منجزا أو معلقا فالأمر بيدها ما دام الوقت باقيا علمت أو لا فإذا مضى الوقت انتهى علمت أو لا كذا في الولوالجية يعني فلا يبطل بالقيام ولا بما يدل على الإعراض وبما تقرر علم أن التقدير بمكث اليوم ليس بلازم بل المراد المكث الدائم إذا لم يوجد دليل الإعراض يوما كان أو أكثر كما في غاية البيان ، وفي جامع الفصولين : ولو مشت في البيت من جانب إلى جانب لم يبطل وكذا في فصول العمادي ومعناه أن يخيرها وهي قائمة في البيت فمشت من جانب إلى جانب أما لو خيرها وهي قاعدة في البيت فقامت بطل خيارها بمجرد قيامها لأنه دليل الإعراض .

                                                                                        [ ص: 350 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 350 ] ( قوله : ولبس ثوبها من غير قيام ) تقدم الكلام فيه عند قوله فإن قامت أو أخذت في عمل آخر [ ص: 351 ] ( قوله : فالأول يدل على الإعراض ) ظاهره أن المراد به عتق عبد الزوج وأن المراد بالثاني عتق عبد غيره وهو مخالف لما قدمه قريبا عن الخانية ولقوله سابقا وما لو بدأت بعتق عبد . . . إلخ لكن في النهر ، ولو جعل أمرها وأمر عتق العبد بيدها فبدأت بالعتق قيل إن كان عبد زوجها كان إعراضا وإلا لا ا هـ .

                                                                                        وعبارة الفتح قبيل التعليق ، ولو قال لها : طلقي نفسك وقال لها آخر : أعتقي عبدك فبدأت بعتق العبد خرج الأمر من يدها ، ولو كان الآمر بالعتق زوجها فبدأت بالعتق لا يبطل خيارها في الطلاق ( قوله : أما إذا كان معلقا بشرط . . . إلخ ) نص عبارة الولوالجية الجملة في الأمر باليد لا يخلو إما أن يكون بيدها أو يد فلان وكل ذلك لا يخلو إما أن يكون مرسلا أو معلقا بالشرط ، وإن كان مرسلا إما أن يكون معلقا بالوقت أو مطلقا فإن كان موقتا بوقت فالأمر بيد فلان وبيدها ما دام الوقت قائما علم فلان أو هي أو لم يعلم فإذا مضى الوقت ينتهي علم أو لم يعلم ، والقبول الذي يذكر ليس بشرط لكن إذا رد المفوض إليه يجب أن يبطل ، وإن كان مرسلا لكن مطلقا فإنما يصير الأمر في يد المفوض إليه إذا علم بذلك فيكون الأمر في يده في ذلك المجلس ، والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط لكن إذا رده يرتد ، وإن كان معلقا بالشرط فإنما يصير الأمر بيده إذا جاء الشرط فإن كان الأمر المعلق مطلقا يصير في يده في مجلس علمه ، والقبول في ذلك المجلس ليس بشرط لكن يرتد بالرد ا هـ .

                                                                                        فتأمله ، وفي البدائع جعل الأمر باليد لا يخلو إما أن يكون منجزا أو معلقا بشرط أو مضافا إلى وقت ، والمنجز لا يخلو إما أن يكون مطلقا أو موقتا فإن كان مطلقا بأن قال أمرك بيدك فشرط بقاء حكمه بقاء مجلس علمها بالتفويض فما دامت فيه فهو بيدها سواء قصر أو طال فإن قامت عنه بطل وكذا إن وجد منها قول أو فعل يدل على الإعراض ، وإن كان موقتا فإن أطلق الوقت كأمرك بيدك إذا شئت أو إذا ما أو متى شئت أو متى ما فلها الخيار في المجلس وغيره حتى لو ردت الأمر أو قامت من مجلسها أو أخذت في عمل آخر تطلق نفسها في أي وقت شاءت ، وإن وقته بوقت خاص كأمرك بيدك يوما أو شهرا أو اليوم أو الشهر لا يتقيد بالمجلس .

                                                                                        ولو قامت أو تشاغلت بغير الجواب لا يبطل ما بقي شيء من الوقت بلا خلاف ، وإن كان معلقا بشرط فلا يخلو إما أن يكون مطلقا عن الوقت أو موقتا فإن كان مطلقا كإذا قدم فلان فأمرك بيدك فقدم فهو بيدها إذا علمت في مجلسها الذي يقدم فيه لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط ، وإن كان موقتاكإذا قدم فلان فأمرك بيدك يوما أو اليوم الذي يقدم فيه فلها الخيار في ذلك الوقت كله إذا علمت بالقدوم ولا يبطل بالقيام عن المجلس وهل يبطل باختيارها زوجها فهو على ما ذكرناه من الاختلاف ، وإن كان مضافا إلى الوقت كأمرك بيدك غدا أو رأس الشهر فجاء الوقت صار بيدها وكان على مجلسها من أول الغد ورأس الشهر ا هـ . ملخصا .

                                                                                        ( قوله : أما لو خيرها وهي قاعدة في البيت فقامت بطل . . إلخ ) قد مر عند قوله فإن قامت أو أخذت في عمل آخر أن بطلانه بمجرد القيام قول البعض ، والأصح أنه لا بد أن يكون معه دليل الإعراض .




                                                                                        الخدمات العلمية