الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وتقيد بمجلسها إلا إذا أراد متى شئت ) لما قدمنا أنه تمليك وهو يقتصر على المجلس وإذا زاد متى شئت كان لها التطليق في المجلس وبعده لأن كلمة متى عامة في الأوقات فصار كما إذا قال في أي وقت شئت ومراده من متى ما دل على عموم الوقت فدخل إذا وأورد عليه أنه ينبغي أن يكون إذا عند الإمام [ ص: 355 ] كان كما تقدم إذا لم أطلقك فيتقيد بالمجلس وقدمنا جوابه بإمكان أن تعمل شرطا فيتقيد وأن تعمل ظرفا فلا تتقيد ، والأمر صار في يدها فلا يخرج بالشك ودخل حين قال في المحيط .

                                                                                        ولو قال : حين شئت فهو بمنزلة قوله إذا شئت لأن الحين عبارة عن الوقت ا هـ .

                                                                                        وقيد بما يدل على عموم الوقت احترازا عن أن وكيف وحيث وكم وأين وأينما فإنه يتقيد بالمجلس وكلما كمتى في عدم التقييد بالمجلس مع اختصاصها بإفادة التكرار إلى الثلاث على ما أسلفناه في فصل الأمر باليد ، والإرادة ، والرضا ، والمحبة كالمشيئة بخلاف ما إذا علقه بشيء آخر من أفعالها كالأكل فإنه لا يقتصر على المجلس في الجميع ثم اعلم أن التفويض إليها بلفظ التطليق يتقيد بالمجلس سواء أطلقه أو علقه بمشيئتها إلا في متى وإذا وحين وكلما كما قدمناه ولكن بين إطلاقه وتعليقه بغير الأربع فرق فإنه مع الإطلاق تنجيز للتمليك ومع التعليق إضافة له لا تنجيز ومن فروع ذلك أنها لو طلقت نفسها بلا قصد غلطا لا يقع إذا ذكر المشيئة ويقع إذا لم يذكرها قال في فتح القدير : وقد قدمنا في أول باب إيقاع الطلاق ما يوجب حمل ما أطلق من كلامهم من الوقوع بلفظ الطلاق غلطا على الوقوع في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى ا هـ .

                                                                                        ولو جمع بين إن وإذا فلها مشيئتان مشيئة للحال نظرا إلى " أن " ومشيئة في عموم الأوقات نظرا إلى " إذا " قال في المحيط ، ولو قال : إن شئت فأنت طالق إذا شئت فلها مشيئتان مشيئة في الحال ومشيئة في عموم الأحوال لأنه علق بمشيئتها في الحال طلاقا معلقا بمشيئتان في أي وقت كان ، والمعلق بالشرط كالمرسل عند وجود الشرط فإذا شاءت في المجلس صار كأنه قال : أنت طالق إذا شئت ا هـ .

                                                                                        والظاهر أنه لا فرق بين تعليق التطليق أو الطلاق في حق هذا الحكم لما في المحيض أيضا أنه إذا قال لها : طلقي نفسك ولم يذكر مشيئة فهو بمنزلة المشيئة إلا في خصلة وهي أن نية الثلاث صحيحة في طلقي دون أنت طالق إن شئت ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنها إذا لم تشأ في المجلس خرج الأمر من يدها لأن المشيئة في المجلس هي الشرط في المشيئة في عموم الأوقات ، وفي الظهيرية أنه لو قال لامرأتين له طلقا أنفسكما ثلاثا ، وقد دخل بهما فطلقت كل واحدة منهما نفسها وصاحبتها على التعاقب ثلاثا طلقت كل واحدة منهما ثلاثا بتطليق الأولى لا بتطليق الأخرى لأن تطليق الأخرى بعد ذلك نفسها وصاحبتها باطل ، ولو بدأت الأولى فطلقت صاحبتها ثلاثا ثم طلقت نفسها طلقت صاحبتها دون نفسها لأنها في حق نفسها مالكة ، والتمليك يقتصر على المجلس فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الأمر من يدها وبتطليقها نفسها لا يبطل تطليقها الأخرى بعد ذلك لأنها في حق الأخرى وكيلة ، والوكالة لا تقتصر على المجلس ، ولو قال لهما : طلقا أنفسكما إن شئتما فطلقت إحداهما نفسها وصاحبتها لا تطلق واحدة منهما حتى تطلق الأخرى نفسها وصاحبتها بخلاف ما تقدم .

                                                                                        والحاصل أن كل واحدة منهما تنفرد بالإيقاع على نفسها وعلى ضرتها في المسألة الأولى ، وفي المسألة الثانية الاجتماع على الإيقاع شرط الوقوع ، ولو قال لهما : أمركما بأيديكما يريد به الطلاق فالجواب فيه كالجواب فيما إذا قال طلقا أنفسكما إن شئتما في أنه لا تنفرد إحداهما بالطلاق غير أنهما يفترقان في حكم واحد وهو أنهما لو اجتمعا على طلاق واحدة منهما يقع .

                                                                                        وفي قوله إن شئتما لا يقع لأنه ثمة علق طلاق كل واحدة منهما بمشيئتهما طلاقهما جميعا وههنا لم يعلق بل فوض تطليق كل واحدة منهما إلى رأيهما فإذا اجتمعا على طلاق واحدة يقع ا هـ .

                                                                                        وفي قوله فإذا بدأت بطلاق صاحبتها خرج الأمر من يدها نظرا لما قدمناه عن الخلاصة ، والخانية من أن اشتغالها بطلاق ضرتها لا يخرج الأمر من يدها وجوابه أن ما قدمناه عنهما في الأمر باليد وما هنا إنما هو في الأمر بالتطليق ، والفرق بينهما أنها في الأمر باليد مالكة لطلاق ضرتها لا وكيلة ، وفي الأمر بالتطليق وكيلة فافهم ، والأمر بالتطليق المعلق [ ص: 356 ] بمشيئتها كالأمر باليد في حق هذا الحكم كما في الخانية ، وفي المحيط طلقا أنفسكما ثم قال بعده : لا تطلقا أنفسكما فلكل واحدة منهما أن تطلق نفسها ما دامت في ذلك المجلس ولم يكن لها أن تطلق صاحبتها بعد النهي لأنه توكيل في حق صاحبتها تمليك في حقها ا هـ .

                                                                                        وبما ذكرناه عن الظهيرية علم الفرق بين الأمر بالتطليق المطلق ، والمعلق بمشيئتها في فرع ثان غير ما نقلناه عن ابن الهمام ، وفي الخانية لو قال لها : طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فقالت أنا طالق لا يقع شيء ، ولو قال لها طلقي نفسك إن شئت فقالت قد شئت أن أطلق نفسي كان باطلا ، ولو قال لها طلقي نفسك إذا شئت ثم جن جنونا مطبقا ثم طلقت المرأة نفسها قال محمد كل شيء يملك الزوج أن يرجع عن كلامه يبطل بالجنون وكل شيء لم يملك الزوج أن يرجع عن كلامه لا يبطل بالجنون ا هـ .

                                                                                        وفيها أيضا لو قال : أي نسائي شئت طلاقها فهي طالق فشاءت طلاق الكل طلقن إلا واحدة ، ولو قال : أي نسائي شاءت الطلاق فهي طلاق فشئن طلقن ا هـ .

                                                                                        والفرق أن أيا في الأول وصفت بصفة خاصة ، وفي الثاني بصفة عامة فليتأمل ، وفي تلخيص الجامع للصدر من باب الطلاق في المرض أحد المأمورين ينفرد به وببدل لا وهو يمين منه بيع منها قال لهما في مرضه ، وقد دخل بهما طلقا أنفسكما ثلاثا ملكت كل واحدة طلاقها وتوكلت في طلاق الأخرى ولا ينقسم ومن طلقت بتطليقها لا ترث لرضاها وكذا بتطليقهما معا لإضافته إليهما كالوكيل بالبيع مع الموكل وبتطليق الأخرى ترث ، وإن طلقت بعدها كالتمكين بعده ، ولو قال : طلقا أنفسكما ثلاثا إن شئتما يقتصر على المجلس للتمليك ويشترط اجتماعهما للتعليق ، وإن طلقت إحداهما كليهما ثلاثا ، والأخرى مثلها بانتا وورثت الأولى لعدم رضاها نظيره طلقت نفسها في مرضه فأجازه بخلاف سؤالها ، والثانية لا ترث لرضاها ، ولو خرج كلامهما معا ورثتا لعدمه ، ولو قال : أمركما بيدكما فكما مر غير أن هنا لو اجتمعتا على إحداهما يقع وثمة لا للتعليق نظيره وكل رجلين يبيع عبدين أو طلاق امرأتين بمال معلوم قال : طلقا أنفسكما بألف يتقيد بالمجلس ويشترط اجتماعهما ولا يرثان بحال ، ولو اجتمعا على إحداهما صح بحصته من مهرها . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 355 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 355 ] وكل رجلين يبيع عبدين أو طلاق امرأتين بمال معلوم قال : طلقا أنفسكما بألف ( قوله : فإنه لا يقتصر على المجلس في الجميع ) ينبغي تحرير هذا الكلام فراجعه .

                                                                                        ( قوله : ولو جمع بين إن وإذا . . . إلخ ) سيعيد ذكر هذا الكلام بزيادة عند قول المصنف الآتي أنت طالق متى شئت أو متى ما . . . إلخ ( قوله : في حق هذا الحكم ) أي في كونه يتقيد بالمجلس فهو مرتبط بقوله ثم اعلم أن التفويض إليها . . . إلخ ( قوله : وفي الأمر بالتطليق وكيلة ) أي في صورة ما إذا لم يقيد بالمشيئة كما هو فرض المسألة وإلا كان تمليكا أيضا كما يأتي [ ص: 356 ] ( قوله : لعدم رضاها ) أي وقت الوقوع .




                                                                                        الخدمات العلمية