الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 15 ] ( قوله ففيها إن وجد الشرط انتهت اليمين ) أي في ألفاظ الشرط إن وجد المعلق عليه انحلت اليمين ، وحنث وانتهت لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة فبوجود الفعل مرة يتم الشرط ، ولا يتم بقاء اليمين بدونه ، وإذا تم وقع الحنث فلا يتصور الحنث مرة أخرى إلا بيمين أخرى أو بعموم تلك اليمين ، ولا عموم ، وفي المحيط معزيا إلى الجامع الأصل أن إضافة الجمع إلى الواحد يعتبر جمعا في حق الواحد ، والجمع المضاف إلى الجمع يعتبر آحادا في حق الآحاد ، ولا يعتبر جمعا في حق الآحاد فلو قال إن دخلتما هذه الدار فلا بد من دخولهما ، وإن قال هاتين الدارين فدخلت كل واحدة دارا على حدة طلقتا ، ولو قال إن ولدتما ولدا أو حضتما حيضة فولدت إحداهما أو حاضت طلقتا لعدم إمكان الاجتماع بخلاف إن ولدتما أو حضتما أو إن ولدتما ولدين أو حضتما حيضتين لا بد من ولادة كل واحدة وحيضها ، وكذا إن أكلتما هذا الرغيف لا بد من أكلهما للإمكان ، وإن قال إن لبستما قميصين لا بد من لبسهما معا للحنث فلا يحنث بلبسهما متفرقين بخلاف هذين القميصين يحنث بلبسهما متفرقين كأن تغديت رغيفين يحنث بأكلهما متفرقين بخلاف إن أكلت رغيفين لا بد من أكلهما معا ، وأفاد بإطلاقه أنه لو زاد على إن أبدا فإنها لا تفيد التكرار كما لو قال إن تزوجت فلانة أبدا فهي طلاق فتزوجها طلقت ثم إذا تزوجها ثانيا لا تطلق كذا أجاب أبو نصر الدبوسي كما في فتح القدير

                                                                                        ، وعلله البزازي في فتاويه بأن التأبيد ينفي التوقيت لا التوحيد فيتأبد عدم التزوج ، ولا يتكرر ، ومن مسائل أن ما في الواقعات الحسامية والمحيط لو كان له أربع نسوة فقال لواحدة منهن إن لم أبت عندك الليلة فالثلاث طوالق ثم قال للثانية مثل ذلك ثم قال للثالثة مثل ذلك ثم قال للرابعة مثل ذلك ثم بات عند الأولى وقع عليها الثلاث لأنه انحل عليها ثلاثة أيمان ، ويقع على كل واحدة منهن ممن لم يبت عندهن تطليقتان لأنه انحل على كل واحدة منها ثنتان ، ولو بات مع ثنتين وقع على كل واحدة منهما تطليقتان ، وعلى الأخريين على كل واحدة منهما تطليقة يخرج على هذا الأصل أنه لو بات مع الثلاث وقع على كل واحدة منهن تطليقة لأنه انحل على كل واحدة منهن واحدة ، وهي اليمين التي عقدت على التي لم يبت عندها ، ولا يقع على هذه التي لم يبت عندها شيء لأن الأيمان التي عقدت على الثلاث لم ينحل شيء منها على الرابعة ، وهي التي لم يبت عندها . ا هـ .

                                                                                        ومنها ما في الخانية إن دخلت الدار إن دخلت الدار إن [ ص: 16 ] دخلت الدار فأنت طالق فهذه على دخلة واحدة .

                                                                                        ولو قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت فهذا على دخلتين ، ولو قال إن قلت لك أنت طالق فأنت طالق ثم قال قد طلقتك تطلق ثنتين واحدة بالتطليق وواحدة باليمين . ا هـ .

                                                                                        والفرع الأخير يفيد أن قولهم إن التعليق يراعى فيه اللفظ ، ولا يقوم لفظ آخر مقامه يستثنى منه المرادف له فإن قوله قد طلقتك مرادف لقوله أنت طالق من جهة إفادة وقوع الطلاق ، ومنها ما في الصيرفية إن لم تمت فلانة غدا فأنت طالق فمضى الغد ، وهي حية يقع لإمكانه بخلاف إن تكلمت الموتى حيث لا يقع لعدمه ، ومنها ما فيها أيضا قالت لزوجها لك مع فلانة شغل ، ولك معها حديث فقال إن كنت أعرف أنه رجل أو امرأة فأنت كذا قال إن كان له معها حديث أو شغل وقع ، وإلا فلا لأن الاعتبار هنا للمعنى لا للحقيقة ، والمعنى ترك التعرض ، ومنها ما لو قال إن لم أكن اليوم في العالم أو في هذه الدنيا فحلال الله علي حرام يحبس حتى يمضي اليوم سواء حبسه القاضي أو الوالي أو في بيت لأن الحبس يسمى نفيا قال تعالى { أو ينفوا من الأرض } . ا هـ .

                                                                                        ومنها ما في الخانية أيضا لو قال أنت طالق إن دخلت الدار ثلاثا ينصرف الثلاث إلى الطلاق إلا أن ينوي الدخول ، ولو قال أنت طالق إن دخلت الدار عشرا فهي على الدخول عشر مرات لا إلى الطلاق . ا هـ .

                                                                                        ومنها ما فيها أيضا قال إن لم أجامعها ألف مرة فهي طالق قالوا هذا على المبالغة والكثرة دون العدد ، ولا تقدير في ذلك ، والسبعون كثير ا هـ .

                                                                                        ومنها ما فيها لو قال لامرأته إن تكوني امرأتي فأنت طالق ثلاثا فإن لم يطلقها واحدة بائنة متصلة بيمينه تطلق ثلاثا ، ولو قال إن أنت امرأتي فأنت طالق ثلاثا طلقت ثلاثا ا هـ .

                                                                                        ودل اقتصاره على استثناء كلما أن من لا تقيد التكرار فعلى هذا ما في الغاية لو قال لنسوة له من دخلت منكن الدار فهي طالق فدخلت واحدة منهن الدار مرارا طلقت بكل مرة تطليقة لأن الفعل ، وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به تعميم الفعل عرفا مرة بعد أخرى كقوله تعالى { ومن قتله منكم متعمدا } أفاد العموم ، واستدل عليه بما ذكر في السير الكبير إذا قال الإمام من قتل قتيلا فله سلبه فقتل واحد قتيلين فله سلبهما . ا هـ .

                                                                                        وهو مشكل لأن عموم الصيد لكون الواجب فيه مقدرا بقيمة المقتول ، وفي السلب بدلالة الحال ، وهو أن مراده التشجيع ، وكثرة القتل كذا في التبيين ، والحق أن ما في الغاية أحد القولين فقد نقل القولين في القنية في مسألة صعود السطح ، ودل أيضا على أن إذا لا تفيد التكرار ، وأما قوله تعالى { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } فإنما حرم القعود مع الواحد في كل مرة من العلة لا من الصيغة كمن فيما تقدم لما فيهما من ترتيب الحكم ، وهو الجزاء في الأول ، ومنع القعود على المشتق منه ، وهو القتل والخوض فيتكرر به كما في فتح القدير ، ودل أيضا على أن أيا لا تفيد التكرار ، وفي المحيط وجوامع الفقه لو قال أي امرأة أتزوجها فهو على امرأة واحدة بخلاف كل امرأة أتزوجها حيث يعم بعموم الصفة ا هـ .

                                                                                        و استشكله في التبيين ، وفتح القدير حيث لم يعم أي امرأة أتزوجها بعموم الصفة ، ولم يجيبا عنه .

                                                                                        وقد ظهر لي أنه لا إشكال فيه من حيث الحكم ، وهو منقول في الخلاصة والولوالجية أيضا ، وزاد في البزازية إلا أن ينوي جميع النساء لأن الصفة هنا ليست عامة لأن الفعل ، وهو أتزوج مسند إلى خاص ، وهو المتكلم فهو نظير ما صرح به الأصوليون في الفرق بين أي عبيدي ضربته لا يتناول إلا واحدا ، وبين أي عبيدي ضربك يعتق الكل إذا ضربوا لأنه في الأول أسند إلى خاص ، وفي الثاني إلى عام بخلاف كل امرأة أتزوجها [ ص: 17 ] فإن العموم إنما هو من كلمة كل لا من الوصف إذ الوصف خاص كما قلنا ، وإنما الإشكال في قوله حيث تعم بعموم الصفة لأنها لا عموم لها فيهما لا إن الإشكال لتسليم عمومها ، وأنه ينبغي أن يكون كذلك في أي كما فعلا فإن قلت هذا يقتضي أنه لو قال أي امرأة زوجت نفسها مني فهي طالق أن يتناول جميع النساء لأن الوصف هنا عام لأنه لم يستند إلى معين فهو كقوله أي عبيدي ضربك بل أولى لتنكير المضاف إليه قلت الحكم كذلك كما في الخلاصة من الفصل الرابع في اليمين في النكاح ، ويدل على ما قررناه ما ذكره الحاكم في الكافي لو قال لنسوة أيتكن أكلت من هذا الطعام شيئا فهي طالق فأكلن جميعا منه طلقن كلهن ، وكذلك لو قال أيتكن دخلت هذه الدار فدخلنها ، وكذلك لو قال أيتكن شاءت فهي طالق فشئن جميعا . ولو قال أيتكن بشرتني بكذا فبشرنه جميعا

                                                                                        طلقن ، وإن بشرته واحدة قبل الأخرى طلقت وحدها . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو قال لعبيده أيكم حمل هذه الخشبة فهو حر فحملوها جميعا إن كانت الخشبة بحيث يطيق حملها واحد لم يحنث لأن كلمة أي تتناول الواحد المنكر من الجملة فكان شرط الحنث حمل الواحد ، ولم يوجد بكماله ، وإن كانت بحيث لا يحملها الواحد عتقوا لأن في العرف يراد به حملهم على الشركة لما تعذر حملها على الواحد فصار كأنه قال أيكم حملها مع أصحابه ، ونظيره لو قال أيكم شرب ماء هذا الوادي فشربوا جميعا عتقوا لأن المراد منه شرب البعض عرفا لأن شرب الكل متعذر فصار كأنه قال أيكم شرب بعض هذا الماء فهو حر ، ولو قال أيكم شرب ماء هذا الكوز ، وكان ماؤه يمكن شربه للواحد بدفعة أو دفعتين فشربوا جميعا لم يعتق واحد منهم ، وإن حملها بعضهم يعتق لأن كلمة أي تتناول واحدا منكرا من الجملة لكنها صارت عامة بعموم الوصف ، وهو الحمل فتتناول كل واحد على الانفراد على سبيل البدل لا على العموم والشمول بخلاف قوله إن حملتم هذه الخشبة فأنتم أحرار فحملها بعضهم لم يعتق لأن اللفظ عام بصيغته فيتناول الكل لعمومه فما لم يوجد الحمل منهم لا يتحقق شرط الحنث ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن قولهم إنها تعم بعموم الوصف ليس على إطلاقه .

                                                                                        [ ص: 16 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 16 ] ( قوله ومنها ما لو قال إن لم أكن اليوم في العالم ) الظاهر أن لم زائدة من الناسخ ، والصواب حذفها فليراجع ثم راجعت الفتاوى الصيرفية المعزو إليها هذا الفرع فرأيته إن أكن بدون لم . ا هـ .

                                                                                        ومما أنشده الوزير ابن مقلة لما حبسه الراضي بالله سنة اثنين وعشرين وثلاثمائة قوله

                                                                                        خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الموتى نعد ولا الأحيا إذا جاءنا السجان يوما لحاجة
                                                                                        فرحنا وقلنا جاء هذا من الدنيا

                                                                                        ( قوله لأن الصفة هنا ) قال الرملي أي في مسألتي كل وأي تأمل ( قوله بخلاف كل امرأة أتزوجها ) قال الرملي كما أن كلمة كل للعموم فكذا كلمة أي فقد صرحوا قاطبة بأنها من صيغ العموم ، وممن صرح به ابن السراج ، وصاحب جمع الجوامع ، وقوله فإن العموم إنما هو من كلمة كل إلى قوله لأنه لا عموم لهما فيهما مخالف لصريح كلام محمد حيث قال كما نقله عنه البزدوي في أصوله لكنها متى وصفت بصفة عامة عمت بعمومها كسائر النكرات في موضع الإثبات ، وقد ظهر لي أن الوجه في الجواب العرف يدل عليه ما نقله عن كافي الحاكم فليتأمل ، والله تعالى هو الموفق ا هـ .

                                                                                        أقول : ما ذكره لا يرد على المؤلف لأنه نقل تصريح الأصوليين بالفرق بين أي عبيدي ضربته ، وأي عبيدي ضربك فيعلم من كلامهم [ ص: 17 ] أن أيا لا تكون للعموم إلا إذا وصفت بصفة عامة بخلاف كل فإنها للعموم وضعا ، والفرق أن أيا بحسب ما تضاف إليه فتكون للزمان والمكان ، ولمن يعقل ، وما لا يعقل تأمل ( قوله لأنها لا عموم لها فيهما ) أي لا عموم للصفة ، وهي أتزوجها فيهما أي في المثالين ، وهما أي امرأة أتزوجها ، وكل امرأة أتزوجها ( قوله وإن بشرته واحدة قبل الأخرى طلقت وحدها ) قال الرملي إنما كان كذلك لعدم تصور البشارة من غير السابقة لأنها اسم لخبر سار صدق ، وليس للمبشر به علم عرفا ( قوله وبه علم أن قولهم إنها تعم إلخ ) قال الرملي يعني لتخلفه في صورة حملهم الخشبة جميعا مع إطاقة الواحد لها ، وشربهم لماء الكوز جميعا مع إمكان شرب الواحد له ، وسببه العرف




                                                                                        الخدمات العلمية