( قوله : وقدرة ماء فضل عن حاجته ) أي قيدنا بالكافي ; لأن غيره وجوده كعدمه وقد قدمناه فلو وينقضه أيضا القدرة على استعمال الماء الكافي الفاضل عن حاجته إن كان غسل كل عضو ثلاثا أو مرتين انتقض تيممه ، وهو المختار أو مرة لا ينتقض ; لأنه في الأول وجد ماء يكفيه إذ لو اقتصر على المرة كفاه كذا في الخلاصة وقيدنا بالفاضل ; لأنه لو لم يكن فاضلا عنها فهو مشغول بها ، وهو كالمعدوم كما بيناه وفي قوله وقدرة ماء إشارتان الأولى إفادة أن الوجود المذكور في قوله تعالى { وجد المتيمم ماء فتوضأ به فنقص عن إحدى رجليه فلم تجدوا ماء } بمعنى القدرة بخلاف الوجود المذكور في الكفارات ، فإنه بمعنى الملك حتى لو أبيح له الماء لا يجوز له التيمم للقدرة ولو عرض على المعسر الحانث الرقبة يجوز له التكفير بغير الإعتاق الثانية أن التعبير بالقدرة أولى من التعبير برؤية الماء المشروطة بالقدرة على استعماله كما وقع في الهداية ; لأن القدرة أعم من أن تكون برؤية الماء أو بغيره ، فإن انتقض تيممه كما صرح به المريض إذا تيمم للمرض ثم زال مرضه قاضي خان في فتاويه ومن انتقض تيممه كما صرح به في المبتغى تيمم للبرد ثم زال البرد
فإذا تيمم للمرض أو للبرد مع وجود الماء ثم فقد الماء ثم زال المرض أو البرد ينتقض تيممه لقدرته على استعمال الماء ، وإن لم يكن الماء موجودا فالحاصل أن كل ما منع وجوده التيمم نقض وجوده التيمم وما لا فلا فلو قالوا وينقضه زوال ما أباح التيمم لكان أظهر في المراد وإسناد النقض إلى زوال ما أباح التيمم إسناد مجازي ; لأن الناقض حقيقة إنما هو الحدث السابق بخروج النجس وزوال المبيح شرط لعمل الحدث السابق عمله عنده واستدلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء ; لأن مقتضاه خروج ذلك التراب الذي تيمم به من الطهورية إذا وجد الماء ويستلزم انتفاء أثره ، وهو طهارة المتيمم لكن قال في فتح القدير : ويرد عليه أن قطع الاعتبار الشرعي طهورية التراب إنما هو عند الرؤية مقتصرا ، فإنما يظهر في المستقبل إذ لو استند ظهر عدم صحة الصلوات السابقة وما قيل إنه وصف يرجع إلى المحل فيستوي فيه الابتداء والبقاء لا يفيد دفعا ولا يمسه والأوجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فإذا وجده فليمسه بشرته وفي إطلاقه دلالة على نفي تخصيص الناقضية بالوجدان خارج الصلاة كما هو قول الأئمة الثلاثة ا هـ .
فالحاصل أن الحديث لا يفيد إلا انتهاء الطهورية بوجد الماء ولا يلزم من انتهاء الطهورية انتهاء الطهارة الحاصلة به كالماء تزول عنه الطهورية بالاستعمال وتبقى الطهارة [ ص: 161 ] الحاصلة به والجواب بالفرق بينهما ، وهو أن التراب طهوريته مؤقتة بشيء غير متصل به ، وهو وجود الماء فثبت به الطهارة المؤقتة الحاصلة على صفة المطهر فإذا زالت طهوريته زالت طهارته والماء لما كان مطهرا ولا تزول طهوريته بدون شيء يتصل به ثبت به الطهارة على التأبيد ; لأن طهوريته إذا لم يتصل بها شيء على التأبيد إليه أشار في الخبازية ولا يخفى أنه لا يلزم من توقيت الطهورية تأقيت الطهارة بل هو عين النزاع فالأوجه الاستدلال ببقية الحديث كما في فتح القدير تبعا لما في المستصفى والحديث المذكور مروي في المصابيح والتقييد بعشرة حجج لبيان طول المدة لا للتقييد به كما في قوله تعالى { إن تستغفر لهم سبعين مرة } ، فإنه لبيان الكثرة لا للتحديد كذا في المستصفى
وقال بعض الأفاضل قولهم إن الحدث السابق ناقض حقيقة لا يناسب قول أبي حنيفة ; لأن التيمم عندهما ليس بطهارة ضرورية ولا خلف عن الوضوء بل هو أحد نوعي الطهارة فكيف يصح أن يقال عمل الحدث السابق عمله عند القدرة فالأولى أن يقال لما كان عدم القدرة على الماء شرطا لمشروعية التيمم وحصول الطهارة فعند وجودها لم يبق مشروعا فانتفى ; لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط والمراد بالنقض انتفاؤه والنائم على صفة لا توجب النقض كالنائم ماشيا أو راكبا إذا مر على ماء كاف مقدور الاستعمال انتقض تيممه عند وأبي يوسف خلافا لهما أما النائم على صفة توجب النقض فلا يتأتى فيه الخلاف إذ التيمم انتقض بالنوم ; ولهذا صور المسألة في المجمع في الناعس لكن يتصور في النوم الناقض أيضا بأن كان متيمما عن جنابة كما لا يخفى قال في التوشيح : والمختار في الفتاوى عدم الانتقاض اتفاقا ; لأنه لو تيمم وبقربه ماء لا يعلم به جاز تيممه اتفاقا ا هـ . أبي حنيفة
وفي التجنيس جعل الاتفاق فيما إذا كان بجنبه بئر ، ولا يعلم بها ، وأثبت الخلاف فيما لو كان على شاطئ نهر لا يعلم به وصحح عدم الانتقاض وأنه قول . أبي حنيفة
واعلم أنهم جعلوا النائم كالمستيقظ في خمس وعشرين مسألة كما ذكره الولوالجي في آخر فتاواه في مسألة النائم المتيمم
وفي وفيمن الصائم إذا نام على قفاه وفمه مفتوح فوصل الماء إلى جوفه فسد صومها وفي جامعها زوجها ، وهي نائمة فعليها الكفارة وفي المحرمة إذا جومعت نائمة فعليه الجزاء وفي المحرم النائم إذا حلق رأسه وجب الجزاء وفي المحرم إذا انقلب على صيد وقتله بعرفة نائما ، فإنه مدرك للحج وفي المار ، فإنه يحرم لقدرته على ذكاته وفيمن الصيد سراية إليه بالسهم إذا وقع عند نائم فمات منها يضمن وفيمن انقلب على مال إنسان فأتلفه يحرم من الميراث على قول ، وهو الصحيح وفيمن وقع على مورثه فقتله لا يضمن وفي عدم صحة الخلوة ومعهما أجنبي نائم وفيمن رفع نائما فوضعه تحت جدار فسقط عليه فمات صحت الخلوة وفي نام في بيت فجاءته زوجته ومكثت عنده صحت الخلوة وفي امرأة نائمة دخل عليها زوجها ومكث ساعة ثبتت حرمة الرضاع وفيمن صغير ارتضع من ثدي نائمة فسدت صلاته وفيمن تكلم في صلاته ، وهو نائم تعتبر تلك القراءة في رواية وفيمن قرأ في صلاته ، وهو نائم حالة القيام تلزمه السجدة وفيمن تلا آية سجدة ، وهو نائم فسمعه رجل يجب عليه أن يسجد في قول وفيمن قرأها ، وهو نائم فلما استيقظ أخبر يلزم [ ص: 162 ] القارئ في قول وفيمن قرأ عند نائم آية السجدة فلما استيقظ أخبره الأصح حنثه وفيمن حلف لا يكلم فلانا فجاء الحالف وكلمه ، وهو نائم ولم يستيقظ ، فإنه يصير مراجعا وفي مس مطلقته النائمة يصير مراجعا عند نائم قبلته مطلقته الرجعية بشهوة خلافا أبي يوسف لمحمد
وفي ثبتت حرمة المصاهرة إذا علم بفعلها وفي امرأة أدخلت ذكره في فرجها ، وهو نائم ثبتت حرمة المصاهرة إذا صدقها على الشهوة وفي امرأة قبلت النائم بشهوة وفيمن الاحتلام في الصلاة يوجب الاستقبال وفي نام يوما أو أكثر تصير الصلاة دينا في ذمته يجوز في قول والأصح اشتراط السماع وقد علم مما قدمناه أن الإباحة كالملك في النقض فلو وجدوا مقدار ما يكفي أحدهم انتقض تيممهم بخلاف ما إذا كان مشتركا بينهم ، فإنه لا ينتقض إلا أن يكون بين الأب والابن ، فإن الأب أولى ; لأن له تملك مال الابن عند الحاجة كذا في فتاوى عقد النكاح بحضرة النائمين قاضي خان ولو لا ينتقض تيممهم أما عنده فلفسادها للشيوع ، وأما عند هما فللاشتراك فلو أذنوا لواحد لا يعتبر إذنهم ولا ينتقض تيممه لفسادها وعندهما يصح إذنهم فانتقض تيممه كذا في كثير من الكتب وفي السراج الوهاج الصحيح فساد التيمم إجماعا ; لأن هذا مقبوض بعقد فاسد فيكون مملوكا فينفذ تصرفهم فيه ا هـ . وهب لجماعة ماء يكفي أحدهم
ولا يخفى أنه ، وإن كان مملوكا لا يحل التصرف فيه فكان وجوده كعدمه ولو فسدت صلاته خاصة فإذا فرغوا وسألوه الماء ، فإن أعطاه للإمام توضأ واستقبلوا معه الصلاة ، وإن منع تمت صلاتهم وعلى من أعطاه الاستقبال ولو قال يا فلان خذ الماء وتوضأ فظن كل واحد أنه يدعوه فسدت صلاة الكل كذا في المحيط . كانوا في الصلاة فجاء رجل بكوز من ماء وقال هذا لفلان منهم
ثم اعلم أن المتيمم إذا رأى مع رجل ماء كافيا فلا يخلو إما أن يكون في الصلاة أو خارجها وفي كل منهما إما أن يغلب على ظنه الإعطاء أو عدمه أو يشك وفي كل منها إما إن سأله أو لا ، وفي كل منها إما إن أعطاه أو لا فهي أربعة وعشرون ، فإن كان في الصلاة ، وغلب على ظنه الإعطاء قطع وطلب الماء ، فإن أعطاه توضأ ، وإلا فتيممه باق فلو أتمها ثم سأله ، فإن أعطاه استأنف ، وإن أبى تمت ، وكذا إذا أبى ثم أعطى ، وإن غلب على ظنه عدم الإعطاء أو شك لا يقطع صلاته ، فإن قطع وسأل ، فإن أعطاه توضأ ، وإلا فتيممه باق ، وإن أتم ثم سأل ، فإن أعطاه بطلت ، وإن أبى تمت ، وإن كان خارج الصلاة ، فإن لم يسأل وتيمم وصلى جازت الصلاة على ما في الهداية ولا تجوز على ما في المبسوط ، فإن سأل بعدها ، فإن أعطاه أعاد ، وإلا فلا سواء ظن الإعطاء أو المنع أو الشك ، وإن سأل ، فإن أعطاه توضأ ، وإن منعه تيمم وصلى ، فإن أعطاه بعدها لا إعادة عليه وينتقض تيممه ولا يتأتى في هذا القسم الظن أو الشك
وهذا حاصل ما في الزيادات وغيرها ، وهذا الضبط من خواص هذا الكتاب وبه تبين أنه إذا كان في الصلاة وغلب على ظنه الإعطاء لا تبطل بل إذا أتمها وسأله ولم يعطه تمت صلاته لأنه ظهر أن ظنه كان خطأ كذا في شرح الوقاية فعلم منه أن ما في فتح القدير من بطلانها بمجرد غلبة ظن الإعطاء ليس بظاهر إلا أن قاضي خان في فتاويه ذكر البطلان في هذه الصورة بمجرد الظن عن ( قوله فهي تمنع التيمم وترفعه ) أي محمد ، وهذا تكرار محض ; لأنه لما عد الأعذار علم أنه لا يجوز مع القدرة ولما قال وقدرة ماء علم أنه ترفعه القدرة ولا يبقى إلا في موضع يجوز ابتداء فلا فائدة بذكره ثانيا ولا يليق بمثل هذا المختصر كذا في التبيين وقد يقال إنه ليس بتكرار محض ; لأنه إنما عد بعض الأعذار ولم يستوفها كما علم مما بيناه أولا فربما يتوهم حصر الأعذار في المعدود وقد ذكر ضابطا لها لتتم الأعذار فكان فيه فائدة كما لا يخفى . القدرة على الماء تمنع جواز التيمم ابتداء وترفعه بقاء