الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وبرؤية الدم لا يقع فإن استمر ثلاثا وقع من حين رأت ) يعني لا يقع برؤيته فيما إذا علق الطلاق بحيضها سواء كان بان أو بقي أو مع نحو أنت طالق في حيضك أو مع حيضك أو إن حضت لأنه لم يتحقق كونه حيضا حينئذ فإذا استمر حينئذ ثلاثة أيام بلياليها وقع الطلاق من حين رأت الدم لأنه بالامتداد تبين أنه حيض من الابتداء فيجب على المفتي أن يعينه فيقول طلقت من حين رأت الدم ، وليس هذا من باب الاستناد ، وإنما هو من باب التبيين ، ولذا قال من حين رأت ، وقال المصنف في شرح المجمع إنه تبين بالانتهاء أنه حيض من الابتداء .

                                                                                        وأظهر منه ما في المحيط لو قال لها عبده حر إن حضت فقالت رأيت الدم ، وصدقها الزوج لا يحكم بعتقه حتى يستمر ثلاثة أيام فيحكم بعتقه من حين رأت لأن الدم لا يكون حيضا حتى يستمر ثلاثة أيام ، والظاهر وإن كان فيه الاستمرار ، ولكن الظاهر يكفي للدفع فيدفع به العبد استخدام المولى عن نفسه ، ولا يكفي للاستحقاق فإذا استمر تبين أنه كان حيضا فيعتق من حين رأت الدم حتى لو جنى أو جني عليه كان أرشه أرش الأحرار لأنه يظهر عتقه ، ولا يستند بمنزلة قوله إن كان فلان في الدار فأنت حر فظهر ذلك في آخر النهار يظهر عتقه بخلاف قوله أنت حر قبل موتى بشهر فمات بعده بشهر ، وقد جنى العبد كان حكمه حكم العبيد عند أبي حنيفة لأن ثمة العتق يثبت مستندا ، والاستناد لا يظهر في حق الفائت ، والمتلاشي فإن قال الزوج انقطع الدم في الثلاثة ، وأنكرت المرأة والعبد فالقول لهما لأن الزوج أقر بوجود شرط العتق ظاهرا لأن رؤية الدم في وقته يكون حيضا ، ولهذا تؤمر بترك الصلاة والصوم ثم ادعى عارضا يخرج المرئي من أن يكون حيضا فلا يصدق [ ص: 31 ] فإن صدقته المرأة ، وكذبه العبد في الأيام الثلاثة فالقول لهما ، وإن كان بعدها فالقول للعبد . ا هـ .

                                                                                        وفي الكافي في مسألة إن حضت فعبدي حر ، وضرتك طالق إذا رأت الدم فقالت حضت وصدقها أنه قبل الاستمرار يمنع الزوج عن وطء المرأة واستخدام العبد في الثلاثة لاحتمال الاستمرار فلو صدقها الزوج ثم قالت كان الطهر قبل الدم عشرة أيام لم تصدق لأنه بعد إقرارها بالحيض رجوع بخلافه بعد إقرارها برؤية الدم ، ولو ادعى الزوج أن الدم كان قبله الطهر عشرة أيام ، وقالت بل عشرين فالقول لها ، ولو قال : وهي حائض إن طهرت فعبدي حر فقالت طهرت بعد ثلاثة أيام ، وكذبها الزوج لا يعتق ، وإن صدقها أو مضت العشرة عتق ، وإن قالت بعد العشرة عاودني الدم في العشرة ، وصدقها الزوج وكذبها العبد عتق ، وكذا لو قالت ذلك بعدما أقرت بالانقطاع ، وإن كان حيضها خمسة فقال لها إن حضت هذه المرة ستة فعبدي حر فقالت رأيت الدم في اليوم السادس إلى آخر اليوم ، وكذبها الزوج فالقول له لإنكاره شرط العتق بخلاف ما إذا علق عتقه بأصل الحيض فادعى الزوج الانقطاع في الثلاث ، وادعت الامتداد فالقول لها .

                                                                                        وإن صدقها الزوج بالدم في اليوم السادس توقف العتق فإن جاوز العشرة تبين أنه لم يكن حيضا ، ولم يعتق ، وإن لم يجاوز عتق فإن مضت فادعت الانقطاع فيها ، وادعى المجاوزة فالقول له ، ولا عتق ، ولو أخبرت في العشرة بالانقطاع ثم قالت عاودني الدم لا يقبل قولها ، وإن صدقها الزوج ، ولو كانت عادتها خمسة فطلقها في مرض موته فحاضت حيضتين ثم مات الزوج في الثالثة بعد خمسة فقالت الورثة طهرت على رأس الخمسة ، ولا ميراث لك ، وقالت لم ينقطع ، وأرى الدم في الحال فالقول لها لأن الأصل في كل ثابت دوامه فهي تتمسك بهذا الظاهر لدفع الحرمان ، وهو حجة للدفع ، وتمامه في الكافي ، ومن أحكام الوقوع من الابتداء أنها لو كانت غير مدخولة ، وتزوجت حين رأت الدم فإن النكاح صحيح ، ومن أحكامه أنها لا تحسب هذه الحيضة من العدة لأنها بعض حيضة لأنه حين كان الشرط رؤية الدم لزم أن يقع الطلاق بعد حيضها ، وفي الخانية رجل قال لامرأته قبل الدخول إذا حضت فأنت طالق فقالت حضت وتزوجت من ساعتها ثم ماتت قال محمد ميراثها للزوج الأول دون الثاني ، وقال لا يدري أكان ذلك حيضا أو لا ا هـ .

                                                                                        ومن أحكامه أيضا أن الطلاق بدعي ، ومنها أنه لو خالعها في الثلاث بطل الخلع لكونها مطلقة ذكرهما في الجوهرة ، وفي الثاني نظر لأن الخلع يلحق الطلاق الصريح كما قدمناه في آخر باب الكنايات ، وذكر المؤلف في المستصفى من باب المسح على الخفين الأحكام تثبت بطرق أربعة الاقتصار كما إذا أنشأ الطلاق أو العتاق ، وله نظائر جمة والانقلاب ، وهو انقلاب ما ليس بعلة علة كما إذا علق الطلاق أو العتاق بالشرط فعند وجود الشرط ينقلب ما ليس بعلة علة ، والاستناد ، وهو أن يثبت في الحال ثم يستند ، وهو دائر بين التبيين والاقتصار ، وذلك كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى وقت وجود السبب ، وكالنصاب فإنه يجب الزكاة عند تمام الحول مستندا إلى وقت وجوده ، وكالطهارة في المستحاضة والتيمم ينقض عند خروج الوقت ورؤية الماء مستندا إلى وقت الحدث ، ولذا قلنا لا يجوز المسح لهما والتبيين ، وهو أن يظهر في الحال أن الحكم كان ثابتا من قبل مثل أن يقول في اليوم إن كان زيد في الدار فأنت طالق ، وتبين في الغد وجوده فيها فيقع الطلاق في اليوم ، ويعتبر ابتداء العدة منه ، وكما إذا قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فرأت الدم لا يقضي بوقوع الطلاق ما لم يمتد ثلاثة أيام فإذا امتد ثلاثة أيام حكمنا بوقوع الطلاق من حين حاضت ، والفرق بين التبيين والاستناد أن التبيين يمكن أن يطلع عليه العباد ، وفي الاستناد لا يمكن ، وفي الحيض يمكن أن يطلع عليه بأن يشق بطنها فيعلم [ ص: 32 ] أنه من الرحم ، وكذا يشترط المحلية في الاستناد دون التبيين ، وكذا الاستناد يظهر أثره في القائم دون المتلاشي ، وأثر التبيين يظهر فيهما فلو قال أنت طالق قبل موت فلان بشهر لم تطلق حتى يموت فلان بعد اليمين بشهر فإن مات لتمام الشهر طلقت مستندا إلى أول الشهر فتعتبر العدة من أوله ، ولو وطئها في الشهر صار مراجعا لو كان الطلاق رجعيا ، وغرم العقر لو كان بائنا ، ويرد الزوج بدل الخلع إليها لو خالعها في خلاله ثم مات فلان ، ولو مات فلان بعد العدة بأن كانت بالوضع أو لم تجب العدة لكونه قبل الدخول لا يقع الطلاق لعدم المحل ، وبهذا تبين أنه فيها بطريق الاستناد لا بطريق التبيين ، وهو الصحيح ، ولو قال أنت طالق قبل قدوم فلان بشهر يقع مقتصرا على القدوم لا مستندا . ا هـ . .

                                                                                        [ ص: 31 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 31 ] ( قوله ثم قالت كان الطهر قبل الدم عشرة أيام ) أي فلا يكون هذا الدم حيضا لأن أقل الطهر الفاصل بين الحيضتين خمسة عشر يوما ، وقوله بخلافه بعد إقرارها برؤية الدم أي إذا قالت رأيت الدم ، ولم تقل حضت ثم قالت كان الطهر عشرة أيام فإنها تصدق لأن قولها رأيت الدم ليس إقرارا بالحيض فلم يكن ذلك رجوعا عن إقرارها ( قوله وفي الثاني نظر إلخ ) قال في النهر الظاهر أنه محمول على ما إذا لم تكن مدخولا بها ، وعليه فلا إشكال




                                                                                        الخدمات العلمية