الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والملك يشترط لآخر الشرطين ) لأن صحة الكلام بأهلية المتكلم إلا أن الملك يشترط حالة التعليق ليصير الجزاء غالب الوجود لاستصحاب الحال فتصح اليمين ، وعند تمام الشرط لينزل الجزاء لأنه لا ينزل إلا في الملك ، وفيما بين ذلك الحال حال بقاء اليمين فيستغنى عن قيام الملك إذ بقاؤه بمحله ، وهو الذمة فالمراد من اشتراطه لآخرهما بيان عدم اشتراطه لأولهما فلا ينافي اشتراطه وقت التعليق ، وأيضا علم الاشتراط وقت التعليق من قوله أول الباب فلو قال لأجنبية إن زرت فأنت طالق لم يصح لكن في القنية قبيل النفقات معزيا إلى الملتقط قال حلال الله علي حرام إن فعلت كذا ، وليس له امرأة فتزوج ثم فعل ذلك الفعل لا تطلق ، حج طلقت . ا هـ .

                                                                                        وينبغي الاعتماد على الأول لما ذكرنا ، وأراد من الشرطين أمرين يتعلق الطلاق بهما ، ولا يقع بأحدهما سواء كانا شرطين حقيقة بتعدد أداة الشرط أو لا أما الأول فبأن عطف شرطا على آخر ، وأخر الجزاء نحو إذا قدم فلان ، وإذا قدم فلان فأنت طالق فإنه لا يقع حتى يقدما لأنه عطف شرطا محضا على شرط لا حكم له ثم ذكر الجزاء فيتعلق بهما فصارا شرطا واحدا فلا يقع إلا بوجودهما فإن نوى الوقوع بأحدهما صحت نية تقديم الجزاء على أحدهما ، وفيه تغليظ أو بأن كرر أداة الشرط بغير عطف كقوله إن أكلت أو لبست فأنت طالق فإنها لا تطلق ما لم تلبس ثم تأكل فيقدم المؤخر .

                                                                                        وكذا لو قال كل امرأة أتزوجها إن كلمت فلانا فهي طالق يقدم المؤخر فيصير التقدير إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها طالق ، واستغنى عن الفاء بتقدير الجزاء فالكلام شرط الانعقاد ، والتزوج شرط الانحلال ، وأصله قوله تعالى { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } فالمعنى إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ، ووجه المسألة أنه لا يمكن أن يجعل الشرطان شرطا واحدا لنزول الجزاء لعدم العطف ، وإن روي عن محمد في غير رواية الأصول أنه رجع عن التقديم والتأخير ، وأقر كل شرط في موضعه ، وهو رأي إمام الحرمين من الشافعية لأن الأصل عدم التقدير إلا بدليل ، والكلام في موجب اللفظ ، ولا الشرط الثاني مع ما بعده هو الجزاء للأول لعدم الفاء الرابطة ، ونية التقديم والتأخير أحق من إضمار الحرف لأنه تصحيح للمنطوق من غير زيادة شيء آخر فكان قوله إن أكلت مقدما من تأخير لأنه في حيز الجواب المتأخر ، والتقدير إن لبست فإن أكلت فأنت طالق ، وهذا بناء على ما قدمناه من لزوم التنجيز في مثل إن دخلت الدار أنت طالق ، وعلى ما قدمناه عن أبي يوسف من لزوم إضمار الفاء يجب أن لا يعكس الترتيب .

                                                                                        وفي التجريد لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا لا بد من اعتبار الملك عند الشرط الأول فإن طلقها بعد الدخول بها ثم دخلت الدار ، وهي في العدة ثم كلمت فلانا ، وهي في العدة طلقت . ا هـ .

                                                                                        وهو على الظاهر من التقديم والتأخير فكان المتقدم شرط الانحلال فيعتبر الملك عنده ، وعلى هذا لو قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتيني فأنت طالق لا تطلق حتى تسأله أولا ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية الوعد ، وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن سألتيني إن وعدتك إن أعطيتك كذا في فتح القدير وهذا إذا لم يكن الشرط الثاني مترتبا على الأول عادة فإن كان كذلك كان كل شرط في موضعه نحو إن أكلت إن شربت فأنت كذا كان الأكل مقدما والشرب مؤخرا حتى إذا شرب ثم أكل لم يعتق [ ص: 35 ] وإن أكل ثم شرب عتق ، ولو قال إن شربت إن أكلت يؤخر الشرط الأول ، ولو قال إن دعوتني إن أجبتك يقر كل شرط في موضعه ، ولو قال إن أجبتك إن دعوتني تؤخر الإجابة ، ولو قال إن لبست طيلسانا إن أتيتني يقر كل في موضعه ، ولو قال إن أتيتني إن لبست طيلسانا يؤخر الإتيان ، ولو قال إن ركبت الدابة إن أتيتني يقر كل في موضعه بخلاف إن أتيتني إن ركبت الدابة لأنهما متى كانا مرتبين عرفا أضمرت كلمة ثم ، وإذا لم يكونا مرتبين عرفا لم يثبت العطف بينهما لا عرفا ولا ذكرا فمتى أقر كل شرط في موضعه لا يتصل الجزاء بأحد الشرطين ا هـ . كذا في المحيط .

                                                                                        وفي البزازية ، وفي الفارسية المقدم مقدم ، والمؤخر مؤخر ، وعليه الاعتماد ، وذكر القاضي في تفسيره أن قوله { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم } شرط ودليل جواب ، والجملة دليل جواب قوله تعالى { إن كان الله يريد أن يغويكم } تقدير الكلام إن كان الله يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي . ا هـ .

                                                                                        وجعل في فتح القدير من هذا القبيل قوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } قال فالمعنى إن أراد أن ينكح مؤمنة وهبت نفسها فقد أحللناها ا هـ .

                                                                                        وذكر القاضي أن قوله تعالى { إن أراد النبي } شرط للشرط الأول في استيجاب الحل فإن وهبتها نفسها منه لا توجب له حلا إلا بإرادته نكاحها فإنها جارية مجرى القبول ا هـ فلم تكن من هذا القبيل ، وفي المعراج أنها محتملة للأمرين فإن إرادة النبي متأخرة فإنها كالقبول ، ويحتمل تقدم إرادة النبي فإذا فهمت ذلك وهبت نفسها له ا هـ .

                                                                                        وذكر في المحيط أنها على ثلاثة أوجه أحدها إذا أخر الجزاء عن الشرطين ، والثاني إذا قدمه ، والثالث إذا وسطه أما الأول ، والثاني فعلى التقديم والتأخير ، وأما الثالث فيقر كل شرط في موضعه ، ولا يكون من المسائل المعترضة لأنه لا حاجة إلى التقديم والتأخير لأنه تخلل الجزاء بين الشرطين بحرف الوصل ، وهو الفاء فيكون الأول شرطا لانعقاد اليمين ، والثاني شرط الحنث . ا هـ .

                                                                                        وكذا في البدائع في مسألة توسط الجزاء فقال لو قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا يشترط قيام الملك عند وجود الشرط الأول ، وهو الدخول لأنه جعل الدخول شرط انعقاد اليمين كأنه قال عند الدخول إن كلمت فلانا فأنت طالق ، واليمين لا تنعقد إلا في الملك ، ومضافة إلى الملك فإن كانت في ملكه عند دخول الدار صحت اليمين المتعلقة بالكلام فإذا كلمت يقع ، وإن لم تكن في ملكه عند الدخول بأن طلقها ، وانقضت عدتها ثم دخلت لم يصح التعليق ، وإن كلمت ، وإن طلقها بعد الدخول ثم دخلت في العدة ثم كلمت فيها طلقت ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن الجزاء إذا كان متوسطا فلا بد من الملك عند الشرطين ، وأن كل شرط يقر في موضعه فلم تكن هذه المسألة داخلة تحت قوله والملك يشترط لآخر الشرطين إلا باعتبار أن الشرط الأول هو شرط الانعقاد ، وقدمنا أن الملك لا بد منه وقت التعليق فحينئذ ليس معلقا إلا بشرط واحد فجعله في فتح القدير من قسم تقديم المؤخر منهما من كلام التجريد ، وهم لما علمت أن كل شرط في موضعه .

                                                                                        وهذا كله إذا كان الشرط الثاني غير الأول فإن كان عينه فقال في البزازية إن دخلت هذه الدار إن دخلت هذه الدار فعبدي حر ، وهما واحد فالقياس عدم الحنث حتى تدخل دخلتين فيها ، وفي الاستحسان يحنث بدخول واحد ، ويجعل الباقي تكرارا ، وإعادة ، ولقائل أن يقول لو جعل الثاني تكرارا لزم ثبوت الحرية حالا على قول الإمام ، ويصير الثاني فاصلا كما في أنت حر ، وحر إن شاء الله ، ويجاب بأن يجعل الثاني تكرارا معنى لا لفظا لأن الثاني عطف على الأول ، ولا يعطف الشيء على نفسه ، والعبرة في الباب للفظ فإذا انتفى التكرار لفظا كان الثاني حشوا فصار فاصلا ، وفيما نحن فيه الثاني غير معطوف على الأول فأمكن جعل الثاني تكرارا فكان واحدا معنى فلا يفصل ، ونظيره حر حر إن شاء [ ص: 36 ] الله تعالى . ا هـ .

                                                                                        وقدمنا عن المحيط أنه لو قال إن تزوجتك ، وإن تزوجتك فأنت طالق لم يقع حتى يتزوجها مرتين بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسطه ا هـ فعلى هذا يفرق بين ما إذا كان بالواو ، وبدونه فيما إذا أخر الجزاء ، وكانا بمعنى واحد فليحفظ ، وذكر في الخانية هذه المسألة ثم قال ولو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق إذا دخلت هذه الدار لا تطلق ما لم تدخل مرتين ، ولا تطلق ما لم يتزوج مرتين ا هـ .

                                                                                        فعلى هذا إذا كانا بمعنى واحد بلا عطف فإن تأخر الجزاء عنهما فالشرط أحدهما .

                                                                                        وإن توسط فلا بد من الفعل مرتين ، وقيدنا بكون الأمرين تعلق الطلاق بهما لأنه لو قدم الجزاء ، وأخر الشرط ثم ذكر شرطا آخر بعطف فإن الطلاق فيه معلق بأحدهما نحو أنت طالق إذا قدم فلان ، وإذا قدم فلان أو ذكر بكلمة إن أو متى فأيهما قدم أولا يقع الطلاق ، ولا ينتظر قدوم الآخر ، ولو قدما معا لا يقع إلا واحدة ، ولا بد من الملك عند أيهما وجد ، وكذا لو وسط الجزاء مع العطف نحو إن قدم فلان فأنت طالق ، وإذا قدم فلان فأيهما سبق وقع ثم لا يقع عند الشرط الثاني شيء إلا أن ينوي أن يقع عند كل واحد تطليقة فتقع أخرى عند الثاني ، وأما الثاني أعني ما ليسا شرطين حقيقة ، وهو أن يكون فعلا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما نحو إن دخلت هذه الدار ، وهذه أو إن كلمت أبا عمرو ، وأبا يوسف فكذا فإنهما شرط واحد إلا أن ينوي الوقوع بأحدهما فاشترط للوقوع قيام الملك عند آخرهما ، وكذا إذا كان فعلا قائما باثنين من حيث هو قائم بهما نحو إذا جاء زيد وعمرو فكذا فإن الشرط مجيئهما فإذا عرف هذا فقصر الشارح كلام المصنف على القسم الثاني مما لا ينبغي ، واعتراض الكمال على الشارح في جعله مسألة الكلام من تعدد الشرط سهو لأنه إنما جعله من قبيل الشرط المشتمل على وصفين ، وعليه حمل عبارة المصنف لا من قبيل تعدد الشرط .

                                                                                        والحاصل أنه إذا كرر أداة الشرط من غير عطف فإن الوقوع يتوقف على وجودهما سواء قدم الجزاء عليهما أو أخره عنهما أو وسطه لكن إن قدمه أو أخره فالملك يشترط عند آخرهما ، وهو الملفوظ به أولا على التقديم والتأخير ، وإن وسطه فلا بد من الملك عندهما ، وإن كان بالعطف فإنه موقوف على أحدهما إن قدم الجزاء أو وسطه ، وأما إذا أخره فإنه موقوف عليهما ، وإن لم يكرر أداة الشرط فإنه لا بد من وجود الشيئين قدم الجزاء عليهما أو أخره عنهما هذا ما ظهر لي من كلامهم ، وفي الولوالجية إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق إن كلمت فلانا فالطلاق الأول ، والثاني يتعلق بالشرط الأول ، والثالث بالشرط الثاني حتى لو دخلت طلقت تطليقتين ، ولو كلمه طلقت واحدة لا أن يصير الشرط الأول شرط الانعقاد في حق الكل ، والثاني شرط الانحلال في حق الكل لأنا لو علقنا الجزاء الثاني بالدخول كان الجزاء مؤخرا عن الشرط ، ولو علقناه بالكلام كان الجزاء مقدما على الشرط ، والأصل في الشرط هو التقديم فمهما أمكن حفظه على الأصل لا يغير .

                                                                                        ولو قال امرأته طالق إن دخلت الدار ، وعبدي حر ، وعلى المشي إلى بيت الله تعالى إن كلمت فلانا فالطلاق على الدخول والعتق ، والمشي على الكلام ألحق الجزاء المتوسط بالشرط الأخير هنا بخلاف ما تقدم لأن ثمة الكلام متفق عليه لأنه عطف الاسم على الاسم فصار الوصل أصلا ، وإنما يقطع لضرورة ، ولا ضرورة في حق المتخلل أما هنا فالكلام منقطع لأنه عطف الاسم على الفعل فلا يلحق بالأول إلا لضرورة لأنه أمكن إلحاقه بالثاني انتهى ، وتمام تفريعات الطلاق المعلق بالتزوج وبالكلام مذكور في تتمة الفتاوى من فصل تعليق الطلاق بالملك ، وفي البزازية من الأيمان ، والطلاق المضاف إلى وقتين ينزل عند أولهما ، والمعلق بالفعلين عند آخرهما ، والمضاف إلى أحد [ ص: 37 ] الوقتين كقوله غدا أو بعد غد ينزل بعد غد ، ولو علق بأحد الفعلين ينزل عند أولهما ، والمعلق بفعل ووقت يقع بأيهما سبق انتهى ، وقدمناه في فصل إضافة الطلاق إلى الزمان ، وفي الخانية قال لها إن دخلت دار فلان ، وفلان يدخل في دارك فأنت طالق فدخلت المرأة دار فلان ، وفلان لم يدخل دارها حنث في يمينه لأنه يراد باليمين أحدهما دون الجمع انتهى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فلا ينافي اشتراطه وقت التعليق ) أي في صورة ما إذا لم يكن مضافا إلى الملك ( قوله ولا الشرط الثاني ) عطف على قوله لا يمكن أن يجعل الشرطان شرطا واحدا [ ص: 35 - 36 ] ( قوله : وقيدنا بكون الأمرين تعلق الطلاق بهما ) أي حيث قال في صدر المقولة ، وأراد من الشرطين أمرين يتعلق إلخ ( قوله واعتراض الكمال على الشارح إلخ ) قال في النهر دعواه أي المؤلف أن الشارح لم يجعله من تعدد الشرط كما فهمه في فتح القدير سهو ، وذلك أنه قال بعد ذكر كلام المصنف يعني إذا كان الشرط ذا وصفين إلخ ، وهو ظاهر في أن هذا من تعدد الشرطين ، وكان العذر للشارح أنه لا يصح أن يراد كل شرطين لما يرد عليه ما إذا ، وسط الجزاء فإنه حينئذ يشترط الملك لأولهما بخلاف كل شرط ذي وصفين فإن اشتراط الملك لآخره صحيح فتدبر . ا هـ .

                                                                                        ويدل عليه أن المؤلف ذكر أولا أن المراد بالشرطين أمران يتعلق الطلاق بهما ، ولا يقع بأحدهما سواء كانا شرطين حقيقة أو لا فقد أدخل بهذا التعميم مسألة الكلام في كلام المصنف فما في الشرح مبني عليه فقول المؤلف لا من قبيل تعدد الشرط فيه نظر لمخالفته لما مهده نفسه ، وأما اعتراض الكمال على الشارح فهو مبني على اعتبار حقيقة الشرط كما يظهر من مراجعة كلامه ( قوله لأنه عطف الاسم على الفعل ) فيه نظر فتأمل




                                                                                        الخدمات العلمية