الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فإن وطئ فيهما ليلا أو يوما ناسيا أو أفطر استأنف الصوم ) أي : وطء المظاهر منها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف الشرط عدم فساد الصوم فلو جامعها ليلا أو نهارا ناسيا لا يستأنف والصحيح قولهما ; لأن المأمور به صيام شهرين متتابعين لا مسيس فيهما فإذا جامعها في خلالهما لم يأت بالمأمور به وإذا أفطر في خلالهما انقطع التتابع أطلق في الليل فشمل العمد والنسيان كما صرح به في البدائع والتقييد بالعمد في أكثر الكتب اتفاقي لا للاحتراز عنه كما في بعض شروح المجمع فاحترز منه فإنه غلط وقد صرح في غاية البيان والعناية بأنه قيد اتفاقي وقيد بالنسيان في اليوم ; لأنه لو جامعها نهارا عمدا استأنف اتفاقا لوجود المسيس عندهما ولفساد الصوم عنده وإنما لم يعف عن النسيان في وطء المظاهر منها كما عفي عنه في الصوم ; لأنه في الصوم على خلاف القياس للحديث فلا يلحق به غيره .

                                                                                        ولو قال المصنف ، ولو جامعها فيهما مطلقا أو أفطر استأنف لكان أولى ومن التطويل أعرى قيدنا بوطء المظاهر منها ; لأنه لو وطئ غيرها فيهما فإن بطل صومه كأن كان نهارا عامدا دخل تحت قوله أو أفطر فيستأنف وإلا لا وهذا بالاتفاق وقيد بكفارة الظهار ; لأنه لو وطئ وطئا لا يفسد الصوم في كفارة القتل لم يستأنف كما في الجوهرة وأطلق في الإفطار فشمل ما إذا كان لعذر كسفر أو مرض أو لا كما في العناية

                                                                                        . ( قوله ولم يجز للعبد إلا الصوم ) أي : إلا صوم الشهرين المتتابعين ; لأن العبد لا يملك وإن ملك والإعتاق والإطعام شرطهما الملك فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجز وإن كان بأمره ; لأنه ليس بأهل للملك فلا يصير مالكا بتمليكه للحديث { لا يملك العبد شيئا } ولا يملكه مولاه ولا يثبت عتقه في ضمنه ; لأنه إنما يصح إن لو كان تبعا ، والإعتاق أصل الأهلية فلا يثبت اقتضاء كذا في الكافي وإذا تعين الصوم للكفارة وقد تعلق بها حق المرأة لم يكن للسيد أن يمنعه بخلاف صوم بقية الكفارات له أن يمنعه عن صومها لعدم تعلق [ ص: 116 ] حق عبد بها ، وفي فتح القدير من باب جنايات الإحرام ولا يجوز إطعام المولى عنه إلا في الإحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا عتق فعليه حجة وعمرة ا هـ .

                                                                                        ولم يعلل لاستثناء هذه المسألة فإن قلت : لم لم يكن الرق منصفا لصوم الكفارات مع أنه منصف نعمة وعقوبة قلت لما فيه من معنى العبادة وهي لم تتنصف بالرق كالصلاة وصوم رمضان وإن كان الغالب في بعضها معنى العقوبة احتياطا ثم رأيت تعليل مسألة دم الإحصار فقال في البدائع لو أحصر العبد بعد ما أحرم بإذن المولى ذكر القدوري في شرح مختصر الكرخي أنه لا يلزم المولى إنفاذ هدي ; لأنه لو لزمه يلزمه لحق العبد ولا يجب للعبد على مولاه حق فإذا أعتقه وجب عليه وذكر القاضي في شرح مختصر الطحاوي أن على المولى أن يذبح عنه هديا في الحرم فيحل ; لأن هذا الدم وجب لبلية ابتلي بها العبد بإذن المولى فصار بمنزلة النفقة والنفقة على المولى فكذا دم الإحصار ا هـ . .

                                                                                        [ ص: 115 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 115 ] ( قوله كما صرح به في البدائع ) وعزاه في الشرنبلالية أيضا إلى التحفة والاختيار ( قوله كما في بعض شروح المجمع ) هو شرح ابن ملك ، وفي القهستاني ما يؤيده فإنه قال : وكذا استأنف الصوم إن وطئها أي : المظاهر منها ليلا عمدا كما في المبسوط والنظم والهداية والكافي والقدوري والمضمرات والزاهدي والنتف وغيرها وبمجرد قول الإسبيجابي في شرح الطحاوي في الليل عمدا أو نسيانا لا يليق أن يحمل العمد في كلام الهداية والمصنف على أنه قيد اتفاقي كما فعله صاحب الكفاية ومن تابعه ومن تأييده عدم التفات صاحب النهاية لذلك ا هـ .

                                                                                        قلت وقد يقال إن ما في الإسبيجابي صريح فيقدم على المفهوم كما تقرر في محله وقد قال في الحواشي اليعقوبية الظاهر ما في العناية ; لأنه مقتضى دليل أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ولو قال المصنف ، ولو جامعها إلخ ) قال الرملي [ ص: 116 ] لو قال ذلك لفاته ما التزمه من أول الكتاب إلى هنا من بيان المسائل الخلافية ومسألة الوطء ليلا خلافية أبي يوسف ا هـ . ذكره المقدسي ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية