الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما كفارة الميت إذا مات وعليه كفارة وأوصى بإخراجها من ثلث ماله فإن كانت كفارة يمين خير الوصي بين الإطعام وبين الكسوة وبين التحرير ، وفي كفارة القتل والظهار والإفطار يتعين التحرير إن بلغت قيمته الثلث وإلا تعين الإطعام ولا دخل للصوم في الكل كذا في البدائع فإن قلت : هل لنا حر ليس له كفارة إلا بالصوم قلت المحجور عليه بالسفه على قولهما المفتى به لا يكفر إلا بالصوم حتى لو أعتق عنها صح العتق ولا يجزئ عنها ويلزمه الصوم كما في شرح المنظومة من الحجر

                                                                                        . ( قوله فإن لم يستطع الصوم أطعم ستين فقيرا كالفطرة أو قيمته ) أي : إن لم يقدر على الصوم لمرض لا يرجى برؤه أو كبر أراد بالإطعام الإعطاء تمليكا ; لأنه سيصرح بالإباحة ; ولذا قال في البدائع : إذا أراد التمليك أطعم كالفطرة وإذا أراد الإباحة أطعمهم غداء وعشاء وقيد بالفقير ; لأن الغني لا يجوز إطعامه في الكفارات تمليكا وإباحة ومن له مال وعليه دين لعبد فقير في هذا كما في البدائع وأشار بذكر الفقير إلى أنه المراد في الآية فالمسكين والفقير سواء فيها وأفاد بقوله كالفطرة أي كصدقة الفطر أنه لا يجوز إطعام أصله وفرعه وأحد الزوجين ومملوكه والهاشمي وأنه يجوز إطعام الذمي ; لأن مصرفها مصرفها وهو مصرف الزكاة إلا الذمي فإنه مصرف فيما عدا الزكاة بخلاف الحربي فإنه ليس بمصرف لشيء ، ولو كان مستأمنا .

                                                                                        ولو دفع بتحر فبان أنه ليس بمصرف أجزأه عندهما خلافا لأبي يوسف كما عرف في الزكاة كما في البدائع وأنه يملك نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو دقيق كل كأصله وكذا السويق ، واختلفوا هل يعتبر الكيل أو القيمة فيهما كما في صدقة الفطر وأنه لو دفع البعض من الحنطة والبعض من الشعير فإنه جائز إذا كان قدر الواجب كأن يدفع ربع صاع من بر ونصفا من شعير وإنما جاز التكميل بالآخر لاتحاد المقصود وهو الإطعام ولا يجوز التكميل بالقيمة كما لو أدى نصفا من تمر جيد يساوي صاعا من الوسط وأفاد بعطف القيمة أنه لا بد أن تكون [ ص: 117 ] من غير المنصوص عليه فلو دفع منصوص عليه عن منصوص آخر بطريق القيمة لم يجز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة شرعا فلو دفع نصف صاع تمر يبلغ قيمة نصف صاع بر لا يجوز فالواجب عليه أن يتم للذين أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه لهم فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم ولا يقال .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وإلا تعين الإطعام ) قال الرملي قدم في أول الفصل في بيان أنواع الكفارة أنه لا إطعام في كفارة القتل لكن يتعين تقييده بما دام القاتل حيا أو يحمل قوله وإلا تعين الإطعام أي : في الظهار والإفطار لا في القتل ; لأنه لا إطعام فيه وهو الظاهر ; إذ قولهم لا إطعام فيه كما نصوا عليه شامل للحالتين ما لم يوجد صريح النقل الفارق بين الحي والميت فيه تأمل ا هـ .

                                                                                        وانظر ما كتبناه في فصل العوارض من كتاب الصوم عند قول المؤلف تبعا للزيلعي والدرر ، وكذا كفارة اليمين والقتل إذا تبرع الوارث بالإطعام والكسوة يجوز ( قوله ومن له دين ) الموصول مبتدأ خبره قوله فقير وقوله وعليه دين لعبد أخرج به دين الحق تعالى فلا يمنع ( قوله ; لأن مصرفها مصرفها ) أي : مصرف الكفارة مصرف الفطرة وهو أي مصرف الفطرة مصرف الزكاة .

                                                                                        ( قوله إلا الذمي فإنه مصرف فيما عدا الزكاة ) قال الرملي ، وفي الحاوي وإن أطعم فقراء أهل الذمة جاز وقال أبو يوسف لا يجوز وبه نأخذ ا هـ .

                                                                                        ( قوله وإنه يملك ) معطوف على قوله إنه لا يجوز وهو مضارع المضاعف مبني للفاعل أي : وأفاد بقوله كالفطرة أن المكفر يملك الفقير نصف صاع إلخ ( قوله واختلفوا هل يعتبر الكيل أو القيمة فيهما ) قال في التتارخانية ، ولو أدى الدقيق أو السويق أجزأه واختلف المشايخ في طريق الجواز قال بعضهم : يعتبر فيه تمام الكيل وذلك نصف صاع في دقيق الحنطة وصاع في دقيق الشعير من شعيرها وإليه مال الكرخي والقدوري وقال بعضهم : يجوز باعتبار القيمة فلا يعتبر فيه تمام الكيل ا هـ . وبه علم أن قول المؤلف ودقيق كل كأصله مبني على قول الكرخي والقدوري ثم بعد ما جزم بذلك بين أن فيه خلافا بقوله واختلفوا تأمل ( قوله وأفاد بعطف القيمة أنه لا بد إلخ ) [ ص: 117 ] نظر في النهر في هذه الإفادة بأن القيمة أعم من قيمة المنصوص عليه أو غيره ا هـ .

                                                                                        قلت وكان حق التعبير أن يقال أعم من كونها من المنصوص عليه أو غيره ; إذ لا مدخل هنا لقيمة غير المنصوص إلا أن يقال الإضافة في قوله من قيمة المنصوص بيانية وحاصل التنظير أن قول أو قيمته أي : قيمة المنصوص المفهوم من قوله كالفطرة أعم من كونها من المنصوص أو من غيره فعطفها على المنصوص لا يقتضي أن تكون من غيره والجواب أنه لما قال كالفطرة أفاد أنه لو دفع من المنصوص لا بد أن يكون المقدار الشرعي كما صرح به بقوله وأفاد أنه يملك نصف صاع من بر إلخ فقوله بعده أو قيمته يجب كون المراد بها من غير المنصوص ; إذ لو كانت منه يكون قد دفع المنصوص وهو لا يكون إلا بالقدر المقدر شرعا فإذا دفع ذلك القدر لا يعتبر كونه بطريق القيمة فتعين أن يكون المراد بها كونها من غيره ولا سيما والأصل في العطف المغايرة فتدبر .




                                                                                        الخدمات العلمية