الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو قالت مضت عدتي وكذبها الزوج فالقول لها مع الحلف ) ; لأنها أمينة في ذلك وقد اتهمت بالكذب فتحلف كالمودع إذا ادعى الرد والهلاك وقد ذكرنا في القواعد الفقهية عشر مسائل لا يحلف فيها الأمين وقد ذكرنا فيها مسألة لا يقبل فيها قول الأمين في الدفع وترك المصنف قيدا لا بد منه وهو كون المدة تحتمل الانقضاء على الخلاف الذي قدمناه وهو شهران عنده وتسعة وثلاثون يوما عندهما ; لأنه إذا لم تحتمله المدة لا يقبل قولها أصلا ; لأن الأمين إنما يصدق فيما لا يخالفه الظاهر أما إذا خالفه فلا كالوصي إذا قال : أنفقت على اليتيم في يوم واحد ألف دينار كذا في البدائع والخلاف المذكور في الحرة أما الأمة فأقل مدة تصدق فيها أربعون يوما على رواية محمد وثلاثون يوما على رواية الحسن مع اتفاقهما في الحرة على الستين عن الإمام .

                                                                                        ومحل الخلاف أيضا فيما إذا لم يكن طلاقها معلقا بولادتها أما إذا طلقها عقيب الولادة فلا تصدق الحرة في رواية محمد في أقل من خمسة وثمانين يوما ويجعل النفاس خمسة وعشرين يوما وعلى رواية الحسن أقلها مائة يوم بزيادة أكثر النفاس وقال أبو يوسف لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما وقال محمد لا تصدق في أقل من أربعة وخمسين يوما [ ص: 160 ] وساعة وإن كانت أمة فعلى رواية محمد عن الإمام لا تصدق في أقل من خمسة وستين يوما بزيادة خمسة وعشرين على الأربعين وعلى رواية الحسن لا تصدق في أقل من خمسة وسبعين يوما بزيادة أربعين على خمسة وثلاثين وقال أبو يوسف : لا تصدق في أقل من سبعة وأربعين وقال محمد لا تصدق في أقل من ستة وثلاثين وساعة ، وتوجيه الروايات المذكورة في البدائع وأطلق في قولها مضت عدتي فشمل ذات الأقراء والشهور ، والخلاف المذكور في ذات الأقراء وأما المعتدة بالشهور فلا بد من مضي المقدر شرعا ، وفي الخلاصة المطلقة بالثلاث إذا جاءت بعد أربعة أشهر وقالت طلقني الثاني وانقضت عدتي أفتى النسفي أنه لا بد من مدة أخرى للنكاح والوطء وأفتى الإسبيجابي وأبو نصر أنها تصدق ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنه إذا كذبها الظاهر بالنسبة إلى المدة لا يقبل قولها عند عدم التفسير أما لو فسرت بأن قالت أسقطت سقطا مستبين الخلق أو بعضه قبل قولها ; لأن الظاهر لا يكذبها كذا في البدائع فعلم أن انقضاءها لا ينحصر في إخبارها بل يكون به وبالفعل بأن تزوجت بزوج آخر بعدما مضت مدة تنقضي في مثلها العدة حتى لو قالت بعده لم تنقض لم تصدق لا في حق الزوج الأول ولا في حق الثاني ; لأن الإقدام عليه دليل الإقرار كذا في البدائع ، وفي فتح القدير وعكس هذه المسألة إذا قال الزوج أخبرتني بأن عدتها قد انقضت ، فإن كانت في مدة لا تنقضي في مثلها لا يقبل قوله ولا قولها إلا أن تبين ما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين الخلق فحينئذ يقبل قولها ، ولو كان في مدة تحتمله فكذبته لم تسقط نفقتها وله أن يتزوج بأختها ; لأنه أمر ديني يقبل قوله فيه ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أنه يعمل بخبريهما بقدر الإمكان بخبره فيما هو حقه وحق الشرع وبخبرها في حقها من وجوب النفقة والسكنى ، ولو جاءت بولد لأكثر من ستة أشهر يثبت نسبه منه ; لأنه في النسب حقها أصلي كحق الولد ; لأنها تعير بولد ليس له أب معروف فلم يقبل قوله ولا ينفذ نكاح أختها ; لأنه لا يتصور استحقاق النسب إلا ببقاء الفراش فصار الزوج مكذبا في خبره شرعا بخلاف القضاء بالنفقة ; لأنه يتصور استحقاق النفقة لغير العدة فكأنه وجبت في حقها بسبب العدة ، وفي حقه بسبب آخر ، فإن تزوج أختها ومات فالميراث للأخرى هكذا ذكر محمد في النكاح وقيل إن قال هذا في الصحة ثم مات فالميراث للأخرى لا للمعتدة وإن قال في المرض فالميراث للمعتدة ، فإذا قضي بالميراث للمعتدة قيل يفسد نكاح أختها والأصح أنه لا يفسد ; لأنه يتصور استحقاق الميراث بغير الزوجية فنزل منزلة استحقاق النفقة كذا في المحيط .

                                                                                        وفي الخانية امرأة قالت في عدة الوفاة : لست بحامل ، ثم قالت من الغد : أنا حامل كان القول قولها وإن قالت بعد أربعة أشهر وعشرة أيام : لست بحامل ، ثم قالت : أنا حامل لا يقبل قولها إلا أن تأتي بولد لأقل من ستة أشهر من موت زوجها فيقبل قولها ويبطل إقرارها بانقضاء العدة . رجل خلع امرأته فأقرت وقته وقالت : أنا حائض غير حامل من زوجي ثم أقرت في الشهرين قبل أن تقر بانقضاء العدة وقالت : أنا حامل من زوجي فأنكر الزوج الحمل لا تصح دعواها ا هـ .

                                                                                        وفي القنية إذا قالت المعتدة : انقضت عدتي في يوم أو أقل تصدق أيضا وإن لم تقر بسقط لاحتماله ثم نقل خلافه عن بعض الكتب ا هـ .

                                                                                        فعلى الأول معنى قولهم لا تصدق في أقل من ستين يوما فيما إذا قالت انقضت بالحيض لا مطلقا وفيها أيضا ولدت ثم طلقها زوجها ومضى سبعة أشهر وتزوجت بآخر لا تصح إذا لم تحض فيها ثلاث حيض قيل له ، فإن لم تكن حاضت قبل الولادة قال الجواب كذلك ; لأن ولادتها كالحيض ; لأن من لا تحيض لا تحبل ا هـ .

                                                                                        فرع في الخلاصة قال جاءت امرأة إلى رجل وقالت طلقني زوجي وانقضت عدتي ووقع في قلبه أنها صادقة وهي عدلة أولا حل له أن يتزوجها وإن قالت [ ص: 161 ] وقع نكاح الأول فاسدا لم تحل له وإن كانت عدلة ، وفي البزازية قالت ولدت لم تقبل إلا ببينة ، ولو قالت أسقطت سقطا وقع مستبين الخلق قبل قولها وله أن يحلفها ا هـ .

                                                                                        وفي المسألة الأولى نظر فقد صرحوا في باب ثبوت النسب أن عدتها تنقضي بإقرارها بوضع الحمل وأن توقف الولادة على البينة إنما هو لأجل ثبوت النسب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وثلاثون يوما على رواية الحسن ) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها وخمسة وثلاثون وهي الموافقة لما يأتي ولما في البدائع [ ص: 160 ] ( قوله وإن لم تقر بسقط لاحتماله ) قال في النهر الظاهر أنه لا بد من بيانها صريحا كما مر ، وقال الرملي قوله وإن لم تقر إلخ تقدم تضعيفه في باب الرجعة فراجعه




                                                                                        الخدمات العلمية