الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ومعتدة الموت تخرج يوما وبعض الليل ) لتكتسب لأجل قيام المعيشة ; لأنه لا نفقة لها حتى لو كان عندها كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها أن تخرج لزيارة ولا لغيرها ليلا ولا نهارا .

                                                                                        والحاصل أن مدار الحل كون خروجها بسبب قيام شغل المعيشة فيتقدر بقدره فمتى انقضت حاجتها لا يحل لها بعد ذلك صرف الزمان خارج بيتها كذا في فتح القدير وأقول : لو صح هذا عمم أصحابنا الحكم فقالوا لا تخرج المعتدة عن طلاق أو موت إلا لضرورة ; لأن المطلقة تخرج للضرورة بحسبها ليلا كان أو نهارا والمعتدة عن موت كذلك فأين الفرق ؟ فالظاهر من كلامهم جواز خروج المعتدة عن وفاة نهارا ، ولو كانت قادرة على النفقة ولهذا استدل أصحابنا بحديث { فريعة بنت أبي سعيد الخدري رحمه الله تعالى أن زوجها لما قتل أتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في الانتقال إلى بني خدرة [ ص: 167 ] فقال لها : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } فدل على حكمين إباحة الخروج بالنهار وحرمة الانتقال حيث لم ينكر خروجها ومنعها من الانتقال وروى علقمة أن نسوة من همدان نعي إليهن أزواجهن فسألن ابن مسعود رضي الله عنه فقلن إنا نستوحش فأمرهن أن يجتمعن بالنهار ، فإذا كان بالليل فلترجع كل امرأة إلى بيتها كذا في البدائع ، وفي المحيط عزاء الثاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي الجوهرة يعني ببعض الليل مقدار ما تستكمل به حوائجها ، وفي الظهيرية والمتوفى عنها زوجها لا بأس بأن تتغيب عن بيتها أقل من نصف الليل قال شمس الأئمة الحلواني وهذه الرواية صحيحة ا هـ .

                                                                                        ولكن في الخانية والمتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار لحاجتها إلى نفقتها ولا تبيت إلا في بيت زوجها ا هـ .

                                                                                        فظاهره أنها لو لم تكن محتاجة إلى النفقة لا يباح لها الخروج نهارا كما فهمه المحقق .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وأقول : لو صح هذا إلخ ) قال في النهر فيه نظر ; إذ المتوفى عنها زوجها إنما أبيح لها الخروج لضرورة اكتساب النفقة ، فإذا قدرت عليها فلا ضرورة تلحقها بخلاف المطلقة فإن نفقتها عليه وبهذا اتضح الفرق وقد رجع رحمه الله تعالى في آخر كلامه إلى هذا ا هـ .

                                                                                        قلت وعبارة المجتبى شاهدة بذلك ونصها والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل ; لأنه لا نفقة لها فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش وقد يهجم عليها الليل ولا كذلك المطلقة ; لأن النفقة دارة عليها من مال الزوج ا هـ .

                                                                                        وهكذا قال في الهداية ويدل عليه أيضا قول الحاكم الشهيد في الكافي والمتوفى عنها زوجها تخرج بالنهار لحاجتها ولا تبيت بغير منزلها ما دامت في عدتها فقوله لحاجتها أوضح الفرق بينهما فإن المراد بها حاجة النفقة ; لأنها لا نفقة لها بخلاف المطلقة ، وأما الحاجة لغيرها فلا فرق بينهما فيها كما إذا أخرجت من المنزل أو انهدم ومما يدل على الفرق بينهما ما في الفتح وغيره من أن المطلقة لا يجوز التعريض لها بالخطبة ; لأنها لا يجوز لها الخروج من منزلها أصلا فلا يتمكن من التعريض ، وفي القهستاني عن المضمرات أن بناء التعريض على الخروج ا هـ .

                                                                                        ( قوله بنت أبي سعيد الخدري ) الذي في الفتح والمعراج أخته لا بنته [ ص: 167 ] ( قوله حيث لم ينكر خروجها ) أي : خروجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته وفيه أن هذا سؤال عن أمر ديني فهو خروج لحاجة ثم رأيت في العناية قال : وفي هذا الحديث دليل على حكمين على أنها يجب عليها أن تعتد في منزل الزوج وعلى أن الخروج ببعض النهار لقضاء حوائجها جائز فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها خروجها للاستفتاء ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية