الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والمعتدة إن جحدت ولادتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو حبل ظاهر أو إقرار به أو تصديق الورثة ) أي : ويثبت نسب ولد المعتدة إن جحدت ولادتها بأحد أمور أربعة فلا يثبت بشهادة امرأة واحدة عند أبي حنيفة خلافا لهما ; لأن الفراش قائم بقيام العدة وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد فيه فيتعين بشهادتها وله أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء فيشترط كمال الحجة وإنما اكتفي بظهور الحبل أو الاعتراف به ; لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعيين يثبت بشهادتها وإنما اكتفي بتصديق الورثة إذا كانت معتدة عن وفاة فصدقها الورثة في الولادة ولم يشهد أحد عليها في قولهم جميعا ; لأن الإرث خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم .

                                                                                        وأما في النسب فظاهر المختصر أنه يثبت في حق غيرهم أيضا ; لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم ولذا كان الأصح أنه لا يشترط في تصديقهم لفظ الشهادة في مجلس الحكم ولذا عبر في المختصر بلفظ التصديق دون الشهادة ; لأن ما ثبت تبعا لا تراعى فيه الشرائط وقيل يشترط ليتعدى إلى غير المصدق وقيد بأن يكون المصدق جمعا من الورثة ; لأن المصدق لو كان رجلا أو امرأة لم يشارك جميع الورثة ولو صدقها رجل وامرأتان منهم شارك المصدقين والمكذبين فكان ذلك كشهادة غيرهم إلا أنهم لم يعتبروا لفظ الشهادة والخصومة بين يدي القاضي ; لأنه يشبه الإقرار ; لأنه يشاركهم بإقرارهم فمن حيث إنه يشبه الشهادة اعتبر العدد ومن حيث إنه يشبه الإقرار ما اعتبرنا الخصومة وإتيان لفظ الشهادة توفيرا على الشبهين حظهما كذا في شرح الجامع الصغير لابن بندار وحاصله أنه يشترط أحد شرطي الشهادة في تصديقهم وهو العدد نظرا إلى أنه شهادة ولم يشترط لفظ الشهادة وينبغي أن لا تشترط العدالة أيضا وعلى هذا لو قال المصنف وتصديق ورثة بالتنكير لكان أولى ; لأن الألف واللام أبطلت معنى الجمعية كما في قوله لا أشتري العبيد ولا أتزوج [ ص: 175 ] النساء لكن ذكر في البدائع أن العدد إنما اشترطه من جعلها شهادة كما اشترط لفظها ومن جعل التصديق إقرارا فلم يشترط لفظها ولم يشترط العدد أيضا وعبارة فتاوى قاضي خان امرأة ولدت بعد موت زوجها ما بينها وبين سنتين إن صدقها الورثة في الولادة يثبت نسب الولد من الميت في حق من صدقها وهل يثبت النسب في حق غيرهم إن كان يتم نصاب الشهادة بهم يثبت واختلفوا في اشتراط لفظ الشهادة ا هـ .

                                                                                        وظاهره أن العدد لا بد منه ليتعدى في حق الكل عند الكل وأطلق في المعتدة فشمل المعتدة عن طلاق رجعي أو بائن والمعتدة عن وفاة كما صرح به في غاية البيان معزيا إلى فخر الإسلام وقيدها الإمام السرخسي بالطلاق البائن والحق التفصيل في المعتدة عن طلاق رجعي إن أتت به لأقل من سنتين فكالمعتدة عن طلاق بائن لانقضاء فراشها بالولادة وإن أتت به لأكثر من سنتين يثبت نسب ولدها بشهادة القابلة من غير زيادة شيء اتفاقا كما في المنكوحة ; لأن الفراش ليس بمنتقض في حقها ; لأنها تكون رجعة كما قدمناه وصرح في البدائع بأنه لا فرق بين الرجعي والبائن إلا أنه علل بما يخص الأول بقوله ; لأنها بعد انقضاء العدة أجنبية في الفصلين جميعا .

                                                                                        وقيد المصنف بقوله إن جحدت ولادتها ; لأنه لو اعترف بولادتها وأنكر تعيين الولد فإنه يثبت تعيينه بشهادة القابلة إجماعا ولا يثبت نسب الولد إلا بشهادتها إجماعا لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين وظاهر كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى شهادة القابلة مع ظهور الحبل أو اعتراف الزوج بالحبل وقد صرح به في البدائع فقال : وإن كان الزوج قد أقر بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فالقول قولها في الولادة وإن لم تشهد لها قابلة في قول أبي حنيفة وعندهما لا تثبت الولادة بدون شهادة القابلة .

                                                                                        وهكذا صرح في الغاية وأنكر على صاحب ملتقى البحار في اشتراطه شهادة القابلة لتعيين الولد عند أبي حنيفة ورده في التبيين بأنه سهو فإن شهادة القابلة لا بد منها لتعيين الولد إجماعا في جميع هذه الصور وإنما الخلاف في ثبوت نفس الولادة ، وأما نسب الولد فلا يثبت بالإجماع إلا بشهادة القابلة لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين وثمرة الاختلاف لا تظهر إلا في حق حكم آخر كالطلاق والعتاق بأن علقهما بولادتها حتى يقع عند أبي حنيفة بقولها ولدت ; لأنها أمينة لاعترافه بالحبل أو لظهوره فيقبل قولها وعندهما لا يقع حتى تشهد قابلة ا هـ .

                                                                                        وذكر ابن بندار أنه بعد الثبوت بقيت مؤتمنة فكان القول قولها إلا أن القابلة جعلت شرطا للعادة ; لأنها لا تلد إلا بالقابلة وإني أقول : إن القابلة شرط زوال التهمة كاليمين في رد الوديعة واليمين في دعوى انقضاء العدة ، فإذا لم تشهد قابلة بقيت متهمة فلا يقبل قولها فيه ا هـ .

                                                                                        كلامه وهو يصلح توفيقا لكلامهم فمن نفى اشتراط [ ص: 176 ] شهادة القابلة أفاد أنها ليست شرطا حقيقة لثبوت النسب ومن أثبته أراد به أنها شرط لزوال التهمة عن نفسها وهو كلام حسن يجب قبوله وأفاد بقوله شهادة رجلين قبول شهادة الرجال على الولادة من الأجنبية وأنهم لا يفسقون بالنظر إلى عورتها إما لكونه قد يتفق ذلك من غير قصد نظر ولا تعمد أو لضرورة كما في شهود الزنا ولا يخفى أنها إذا ولدت وجحد الزوج ولادتها وادعت أن حبلها كان ظاهرا وأنكر ظهوره فلا بد من إقامة البينة عليه إما رجلين أو رجل وامرأتين فظهور الحبل عند الإنكار إنما يكون بإقامة البينة ; لأن الحبل وقت المنازعة لم يكن موجودا حتى يكفي ظهوره ; لأنها بعد الولادة ولم أر من صرح به .

                                                                                        [ ص: 174 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 174 ] ( قوله وينبغي أن لا تشترط العدالة أيضا ) قال الشيخ علاء الدين في الدر المختار ونقل المصنف عن الزيلعي ما يفيد اشتراط العدالة ثم قال فقول شيخنا يعني صاحب البحر وينبغي أن لا تشترط العدالة مما لا ينبغي .

                                                                                        قلت وفيه أنه كيف يشترط العدالة في المقر اللهم إلا أن يقال لأجل السراية فتأمل وراجع . ا هـ .

                                                                                        كلام الدر أي : لأجل سراية ثبوت النسب إلى غير المقر ، وهذا الجواب ظاهر لا يحتاج إلى التأمل والمراجعة قاله بعض الفضلاء [ ص: 175 ] ( قوله فكالمعتدة عن طلاق بائن ) أي : فلا يثبت النسب إلا بأحد الأمور الأربعة المارة ولا تكفي شهادة القابلة .

                                                                                        ( قوله لاحتمال أن يكون هو غير هذا المعين ) قال في الجوهرة إذا كان هناك حبل ظاهر وأنكر الزوج الولادة فلا بد أن يشهد بولادتها القابلة لجواز أن تكون ولدت ولدا ميتا وأرادت إلزامه ولد غيره ا هـ .

                                                                                        ( قوله وهو يصلح توفيقا لكلامهم إلخ ) قال في النهر للبحث فيه مجال فتدبره ا هـ .

                                                                                        وقال المقدسي في شرحه وأقول : هذا التوفيق بعيد عن التحقيق ; لأن الاشتراط إنما يكون لترتيب الأحكام الظاهرة أما مجرد زوال التهمة فلا ثمرة له ا هـ .

                                                                                        أقول : والأظهر أنهما قولان متغايران والذي قاله في التبيين هو الذي يدل عليه كلام الهداية آخرا ، وكذا كلام الاختيار وصرح به في الجوهرة وقال المصنف في الكافي عند تقرير دليل الإمام بخلاف ما لو أقر الزوج بالحبل أو كان الحبل ظاهرا فإن النسب ثابت قبل الولادة والحاجة إلى تعيينه ; لأن الخصم يقول لعله هلك فخرج ميتا أو مات بعد الخروج فلم يكن بد من تعيينه والتعيين يثبت بشهادة القابلة ا هـ .

                                                                                        فقوله والتعيين يثبت بشهادة القابلة صريح في أن ظهوره أو الإقرار به لا يفيد تعيينه بدون شهادة القابلة وعلى هذا مشى المحقق ابن كمال والمحقق ابن الهمام ، وفي كافي الحاكم الشهيد وإن جحدت الورثة أن تكون هي ولدته لم يقبل على الولادة شهادة امرأة واحدة إذا لم يكن حبلا ظاهرا أو لم يكن الزوج أقر به في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد تقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت حرة مسلمة ويثبت النسب وله الميراث ، ولو كان الزوج أقر بالحبل ثم جاءت به لسنتين بعد موته وشهدت على ولادتها امرأة مسلمة حرة جازت شهادتها وكذلك لو كان حبلا ظاهرا قال أبو الفضل معنى قوله ثم جاءت به لسنتين بعد موته أنها جاءت بعد موته لسنتين من وقت إخباره رجل طلق ثلاثا أو طلاقا بائنا فجاءت بولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وجاءت بامرأة تشهد على الولادة والزوج منكر للولد والحبل لم يلزمه النسب حتى يشهد رجلان أو رجل وامرأتان في قول أبي حنيفة ويلزمه النسب في قولهما بشهادة المرأة وسواء كانت هذه المعتدة حرة مسلمة أو كتابية أو أمة في هذا الحكم ا هـ .

                                                                                        [ ص: 176 ] وفي فتاوى قاضي خان ، وكذا المبتوتة والمطلقة طلاقا رجعيا إذا ادعت الولادة عند أبي حنيفة لا تثبت الولادة بشهادة القابلة إلا إذا كان الحبل ظاهرا أو كان الزوج أقر بالحبل .

                                                                                        ( قوله وادعت أن حبلها كان ظاهرا ) لم يبين ما يكون به الحبل ظاهرا ، وفي الشرنبلالية وظهور الحبل أن تأتي به لأقل من ستة أشهر كما في السراج ، وقال الشيخ قاسم المراد بظهور الحبل أن تكون أمارات حملها بالغة مبلغا يوجب غلبة الظن بكونها حاملا لكل من شاهدها ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية