( قوله وهي أحق بعدها ما لم تطلب زيادة ) أي ما لم تطلب أجرة زائدة على أجرة الأجنبية للإرضاع ، فحينئذ لا تكون أحق وإنما جاز لها أخذ الأجرة بعد انقضاء عدتها ; لأن النكاح قد زال بالكلية وصارت كالأجنبية فإن قلت إن وجوب الإرضاع عليها هو المانع من أخذ الأجرة وهو بعينه موجود بعد انقضائها ، فليست كالأجنبية الأم أحق بإرضاع ولدها من الأجنبية بعد انقضاء العدة قلت إن الوجوب عليها مقيد بإيجاب رزقها على الأب بقوله تعالى { : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } . ففي حال الزوجية والعدة هو قائم برزقها وفيما بعد العدة لا يقوم بشيء فتقوم الأجرة مقامه كما في فتح القدير وإنما كانت أحق ; لأنها أشفق فكان نظرا للصبي في الدفع إليها وإن التمست زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للضرر عنه وإليه الإشارة بقوله تعالى { : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده } . أي بإلزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية وفي الذخيرة لو إن كان الصلح حال قيام النكاح أو في العدة عن طلاق رجعي لا يجوز وإن كان عن طلاق بائن واحدة أو ثلاثا جاز على إحدى الروايتين ; لأن الصلح على أن يعطيها شيئا لترضع ولدها استئجار لها ، وإذا جاز الصلح فهو كما لو استأجرها على عمل آخر من الأعمال على دراهم وصالحها عن تلك الدراهم على شيء بعينه جاز وإن صالح عنها على شيء بغير عينه لا يجوز إلا أن يدفع ذلك في المجلس حتى لا يكون بيع دين بدين وفي كل موضع جاز الاستئجار ووجبت النفقة لا تسقط بموت الزوج ; لأنها أجرة وليست بنفقة ا هـ . صالحت المرأة زوجها عن أجر الرضاع على شيء
وكذا ذكر في الولوالجية لا تسقط هذه الأجرة بموته ، بل تكون أسوة الغرماء ا هـ .
فالحاصل أنه أجرة فلذا لا تتوقف على القضاء وظاهر المتون أن الأم لو طلبت الأجرة أي أجرة المثل ، والأجنبية متبرعة بالإرضاع فالأم أولى ; لأنهم جعلوا الأم أحق في سائر الأحوال إلا في حالة طلب الزيادة على أجرة الأجنبية والمصرح به بخلافه كما في التبيين وغيره أن الأجنبية أولى لكن هي أولى في الإرضاع أما في الحضانة ففي الولوالجية وغيرها رجل طلق امرأته وبينهما صبي وللصبي عمة أرادت أن تربيه وتمسكه من غير أجر من غير أن تمنع الأم عنه ، والأم تأبى ذلك وتطالب الأب بالأجر ونفقة الولد فالأم أحق بالولد وإنما يبطل حق الأم إذا [ ص: 222 ] والصحيح أنه يقال للوالدة إما أن تمسكي الولد بغير أجر وإما أن تدفعيه إلى العمة ا هـ . تحكمت الأم في أجرة الإرضاع بأكثر من أجرة مثلها
ولم أر من صرح بأن الأجنبية كالعمة في أن الصغير يدفع إليها إذا كانت متبرعة والأم تريد الأجرة على الحضانة ولا تقاس على العمة ; لأنها حاضنة في الجملة ، وقد كثر السؤال عن هذه المسألة في زماننا وهو أن الأب يأتي بأجنبية متبرعة بالحضانة فهل يقال للأم كما يقال لو تبرعت العمة وظاهر المتون أن الأم تأخذ بأجرة المثل ولا تكون الأجنبية أولى بخلاف العمة على الصحيح إلا أن يوجد نقل صريح في أن الأجنبية كالعمة والظاهر أن العمة ليست قيدا ، بل كل حاضنة كذلك ، بل الخالة كذلك بالأولى ; لأنها من قرابة الأم ، ثم اعلم أن ظاهر الولوالجية أن أجرة الرضاع غير نفقة الولد وهو للمغايرة فإذا لا يكفي عن نفقة الولد ; لأن الولد لا يكفيه اللبن ، بل يحتاج معه إلى شيء آخر كما هو المشاهد خصوصا الكسوة فيقرر القاضي له نفقة غير أجرة الإرضاع وغير أجرة الحضانة فعلى هذا تجب على الأب ثلاثة أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد أما أجرة الرضاع فقد صرحوا بها هنا ، وأما أجرة الحضانة فصرح به قارئ الهداية في فتاواه ، وأما نفقة الولد فقد صرحوا بها في الإجارات في إجارة الظئر قال استأجر الأم للإرضاع الزيلعي فيها والطعام والثياب على الوالد وما ذكره في الدهن والريحان على الظئر فهو على عادة أهل محمد الكوفة ا هـ .
فالحاصل أن الأم ليس عليها إلا الإرضاع وإصلاح طعامه وغسل ثيابه لكن في الخانية وبعد الفطام يفرض القاضي نفقة الصغير على طاقة الأب ويدفع إلى الأم حتى تنفق على الأولاد ا هـ .
إلا أن يقال إن مراده النفقة الكاملة بخلافها في زمن الرضاع فإنها قليلة وفي المجتبى ، وإذا كان للصبي مال فمؤنة الرضاع ونفقته بعد الفطام في مال الصغير ومدة الرضاع ثلاثة أوقات أدنى وهو حول ونصف وأوسط وهو حولان ونصف حتى لو نقص عن الحولين لا يكون شططا ، ولو زاد لا يكون تعديا فلو استغنى الولد دون الحولين ففطمته في حول ونصف بالإجماع ولا تأثم ، ولو لم يستغن بحولين حل لها أن ترضعه بعدهما عند عامة المشايخ إلا عند خلف بن أيوب ، وأما الكلام في استحقاق الأجرة فمنهم من قال إنه على الخلاف حتى أن المبانة تستحق إلى الحولين ونصف عنده ، وعندهما إلى حولين فقط وأكثر المشايخ على أن [ ص: 223 ] مدة الرضاع في حق الأجرة حولان عند الكل حتى لا تستحق بعد الحولين إجماعا وتستحق في الحولين إجماعا ، وظاهر كلامهم أن وجوب أجرة الرضاع لا تتوقف على عقد إجارة مع الأم ، بل تستحقه بالإرضاع مطلقا في المدة المذكورة ، وقد قدمنا أنه ليس بفقه وفي الظهيرية ، وإذا أقرت المعتدة أنها قبضت نفقة أولادها الصغار لخمسة أشهر ، ثم قالت إنها قبضت عشرين درهما ، ونفقة خمسة أشهر مائة درهم لم تصدق على ذلك وإن قالت ضاعت النفقة فإنها ترجع على أبيهم بنفقتهم دون حصتها ا هـ .