( قوله : وينقضه ناقض الوضوء ) أي حقيقيا أو حكميا ; لأن المسح بعض الوضوء فما نقض الكل نقض البعض وعلل في كثير من الكتب بأنه بدل عن الغسل فينقضه ناقض أصله كالتيمم وقد يقال إنه ليس ببدل كما صرح به في السراج الوهاج واختاره بعض الأفاضل ; لأن البدل لا يجوز مع القدرة على الأصل والمسح يجوز مع القدرة على الأصل بل التحقيق أن التيمم بدل والمسح خلف ( قوله : ونزع خف ) أي وينقض المسح كل شيء نقض الوضوء ; لأن الحدث السابق سرى إلى القدمين لزوال المانع ولا يلزم عليه أنه لو مسح الرأس ثم حلق الشعر حيث لا يلزمه إعادة المسح ; لأن الشعر من الرأس خلقة فالمسح عليه مسح على الرأس كما لو مسح على الخف ثم حكه بخلاف ما نحن فيه كذا في النهاية ( قوله : ومضي المدة ) أي وينقضه أيضا نزع خف للأحاديث الدالة على التأقيت وينقضه أيضا مضي المدة
واعلم أن نزع الخف ومضي المدة غير ناقض في الحقيقة ، وإنما الناقض له الحدث السابق لكن الحدث يظهر عند وجودهما فأضيف النقض إليهما مجازا كما تقدم في التيمم ، فإن قيل لا حدث ليسري ; لأنه قد كان حل بالخف ثم زال بالمسح فلا يعود إلا بسببه من الخارج النجس ونحوه قلنا جاز أن يعتبر الشرع ارتفاع الحدث بمسح الخف مقيدا بمدة منعه ثم علمنا وقوع مثله في التيمم حيث اعتبر في ارتفاعه باستعماله الصعيد تقييده بمدة اعتباره عاملا أعني مدة عدم القدرة على الماء ويناسب ذلك لوصف البدلية ، وهو في المسح ثابت بل هو فيه من وجهين ، فإن المسح ، وإن كان بالماء لكنه يدل عن وظيفة الغسل والخف عن الرجل فوجب تقييد الارتفاع فيه بمدة اعتباره بدلا يفيد ما يفيده الأصل كما تقيد في التيمم بمدة كونه بدلا يفيد ما يفيده الأصل مع أن المقام مقام الاحتياط كذا في فتح القدير
( قوله : إن لم يخف ذهاب رجله من البرد ) أي ومفهوم أنه إذا خاف يجوز له المسح مطلقا من غير توقيت بمدة إلى أن يزول هذا الخوف وظاهره أنه لا ينتقض عند الخوف وتعقبه في فتح القدير بأن خوف البرد لا أثر له في منع السراية كما أن عدم الماء لا يمنعها فغاية الأمر أنه لا ينزع لكن لا يمسح بل يتيمم لخوف البرد وعن هذا نقل بعض المشايخ تأويل المسح المذكور بأنه مسح جبيرة لا كمسح الخف فعلى هذا يستوعب الخف على ما هو الأولى أو أكثره ، وهو غير المفهوم من اللفظ المؤول مع أنه إنما يتم إذا كان مسمى الجبيرة يصدق على ساتر ليس تحته [ ص: 187 ] محل وجع بل عضو صحيح غير أنه يخاف من كشفه حدوث المرض للبرد ويستلزم بطلان كلية مسألة التيمم لخوف البرد على عضو أو اسوداده ويقتضي أيضا على ظاهر مذهب ينقضه مضي المدة بشرط أن لا يخاف على رجله العطب بالنزع جواز تركه رأسا ، وهو خلاف ما يفيده إعطاؤهم حكم المسألة ا هـ . أبي حنيفة
وفي معراج الدراية ولو مضت ، وهو يخاف البرد على رجله بالنزع يستوعب بالمسح كالجبائر ا هـ فأفاد الاستيعاب وأنه ملحق بالجبائر لا جبيرة حقيقة
وأما كلية مسألة التيمم فمخصوصة بما إذا لم يكن عليه جبيرة أو ما هو ملحق بها ، وأما جواز تركه رأسا فالمفتى به عدمه في الجبيرة كما سيأتي فكذا في الملحق بها وفي فتاوى قاضي خان لو يمضي على الأصح في صلاته إذ لا فائدة في النزع ; لأنه للغسل ولا ماء خلافا لمن قال من المشايخ تفسد ا هـ . تمت المدة ، وهو في الصلاة ولا ماء
وفي التبيين القول بالفساد أشبه لسراية الحدث إلى الرجل ; لأن عدم الماء لا يمنع السراية ثم يتيمم له ويصلي كما لو ، فإنه يتيمم فكذا هذا ا هـ . بقي من أعضائه لمعة ولم يجد ماء يغسلها به
وتبعه المحقق في فتح القدير ( قوله : وبعدهما غسل رجليه فقط ) أي بعد النزع ومضي المدة غسل رجليه فقط وليس عليه إعادة بقية الوضوء إذا كان على وضوء ; لأن الحدث السابق هو الذي حل بقدمه وقد غسل بعده سائر الأعضاء وبقيت القدمان فقط فلا يجب عليه إلا غسلهما ولا معنى لغسل الأعضاء المغسولة ثانيا ; لأن الفائت الموالاة ، وهي ليست بشرط في الوضوء عندنا وسيأتي إن شاء الله تعالى أن بطلت صلاته على الصحيح الماسح على الخف إذا أحدث فانصرف ليتوضأ فانقضت مدة مسحه
( قوله : وخروج أكثر القدم نزع ) ، وهو الصحيح كذا في الهداية ، وهو قول وعنه بخروج نصفه وعن أبي يوسف إن كان الباقي قدر محل الفرض أعني ثلاثة أصابع اليد طولا لا ينتقض ، وإلا انتقض وعليه أكثر المشايخ كذا في الكافي والمعراج ، وهو الصحيح كذا في النصاب وقال محمد : إن خرج أكثر العقب يعني إذا أخرجه قاصدا إخراج الرجل بطل المسح حتى لو بدا له إعادتها فأعادها لا يجوز المسح وكذا لو كان أعرج يمشي على صدور قدميه وقد ارتفع عقبه عن موضع عقب الخف إلى الساق لا يمسح أما لو كان الخف واسعا يرتفع العقب برفع الرجل إلى الساق ويعود بوضعها ، فإنه يجوز له المسح كذا في فتح القدير وقيده في المحيط بأنه يبقى فيه مقدار ثلاثة أصابع وفي البدائع [ ص: 188 ] وقال بعض مشايخنا : يستمشي ، فإن أمكنه المشي المعتاد يبقى المسح ، وإلا ينتقض ، وهو موافق لقول أبو حنيفة ، وهو اعتبار أكثر القدم ولا بأس بالاعتماد عليه ; لأن القصد من لبس الخف هو المشي فإذا تعذر المشي عدم اللبس فيما قصد له ; ولأن للأكثر حكم الكل . ا هـ . أبي يوسف
وهذا تصريح بترجيح هذا القول ، وهو به جدير ، فإن الحكم إذا كان دائرا مع الأصل وجودا وعدما كان الاعتبار له وحينئذ يظهر أن ما قاله صحيح متجه ; لأن بقاء العقب أو أكثرها في الساق يتعذر معه المداومة على المشي المعتاد مقدار ما يقطع به المسافة بواسطة ما فيه من الدوس على نفس الساق أبو حنيفة
وقد صرح بهذا في فتح القدير وقد علم أن بنزع أحدهما يجب نزع الآخر لئلا يكون جماعا بين الأصل والخلف كذا في الكافي وغيره وهل ينتقض أيضا بغسل الرجل أو أكثرها فالصحيح أنه ينتقض بغسل الأكثر وذكر في السراج الوهاج أنه لا ينتقض المسح بغسل الرجل أصلا ، وهو الأظهر . ا هـ .
وهو موافق لما قدمناه من البحث فارجع إليه وإلى هنا صار نواقض المسح أربعة وزاد في السراج الوهاج خامسا ، وهو خروج الوقت في حق صاحب العذر وقد قدمناه .