الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن حرره عتق فقط ) أي إن حرر الحمل وحده عتق [ ص: 250 ] هو دون أمه ; لأنه لا وجه إلى إعتاقها مقصودا لعدم الإضافة إليها ولا إليه تبعا لما فيه من قلب الموضوع ، ثم إعتاق الحمل صحيح ولا يصح بيعه ولا هبته ; لأن التسليم نفسه شرط في الهبة والقدرة عليه في البيع ولم يوجد بالإضافة إلى الجنين وشيء من ذلك ليس شرطا في الإعتاق فافترقا وأفاد بقوله حرره أنه كان موجودا وقت التحرير ولن يتحقق وجوده إلا إذا ولدته لأقل من ستة أشهر وإن ولدته لستة أشهر فأكثر فإنه لا يعتق ولا يكون قوله ما في بطنك حر إقرارا بوجوده لعدم التيقن بوجوده وقته لجواز حدوثه إلا في مسألتين ، أحدهما ما إذا كانت الأمة معتدة عن طلاق أو وفاة فتلده لأقل من سنتين من وقت الفراق وإن كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الإعتاق فحينئذ يعتق ; لأنه كان موجودا حين أعتقه بدليل ثبوت نسبه .

                                                                                        ثانيهما إذا كان حملها توأمين فجاءت بأولهما لأقل من ستة أشهر ، ثم جاءت بالثاني لستة أشهر أو أكثر فإنه يعتق ; لأنه كان محكوما بوجوده حين أعتقه حتى ثبت نسبه وتفرع على التفصيل السابق مسألتان إحداهما لو قال المولى ما في بطنك حر ، ثم قال إن حملت فسالم حر فولدت بعده لستة أشهر فالقول له إن أقر أنها كانت حاملا يومئذ عتق الولد وإن أقر أنه حمل مستقبل عتق سالم ; لأنا تيقنا بعتق أحدهما وشككنا في الآخر ; لأنه لا يخلو إما أن يكون العلوق والحمل كان موجودا وقت الإعتاق أو كان حادثا بعده فرجع في البيان إليه وإن جاءت به لأكثر من سنتين يعتق سالم دون الولد ; لأنا تيقنا أنه لم يكن موجودا وقت الإعتاق وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر يعتق الولد دون سالم ; لأنا تيقنا أنه كان موجودا وقت الإعتاق .

                                                                                        ثانيهما لو قال ما في بطنك حر ، ثم ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا إن ضربها بعد العتق لأقل من ستة أشهر تجب دية الجنين الحر لأبيه إن كان له أب أي حر وإن لم يكن يكون لعصبة المولى ; لأن المولى قاتل فلا يستحق الميراث وإن ضرب لستة أشهر لا شيء عليه ; لأنه لم يعتق كذا في المحيط وينبغي أن يقال إن ولدته لأقل من ستة أشهر بعد العتق أو لستة أشهر ولا يذكر الضرب إذ لا دخل له وفي البدائع ، وكذا إذا قال إذا ولدت ما في بطنك فهو حر لا يعتق حتى تلده لأقل من ستة أشهر من يوم حلف للتيقن بوجوده قبل الحلف إلا أن ها هنا يعتق من حين حلف وفي إذا ولدت ما في بطنك من يوم تلد لاشتراطه الولادة ا هـ .

                                                                                        وأطلق المصنف في عتق الحمل فشمل ما إذا أعتقه على مال فإنه يصح ولا يجب المال إذ لا وجه إلى إلزام المال على الجنين لعدم الولاية عليه ولا إلى إلزامه الأم ; لأنه في حق العتق نفس على حدة واشتراط بدل العتق على غير المعتق لا يجوز على ما مر في الخلع كذا في الهداية لكن لو أعتقه على مال على أمة فإنه لا بد من قبولها العتق وإن لم يلزمها شيء لما في المحيط ، ولو قال أعتقت ما في بطنك على ألف عليك فقبلت فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر يعتق بلا شيء ; لأن العتق معلق بقبول الأمة الألف ، وقد قبلت الألف فعتق الولد وبطل المال . ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية لو قال لأمته ما في بطنك حر متى أدى إلي ألفا أو إذا أدى إلي ألفا فوضعت لأقل من ستة أشهر فهو حر متى أدى إليه ألف درهم وأطلق في تحرير الحمل فشمل ما إذا قال حملك حر أو ما في بطنك حر أو قال العلقة أو المضغة التي في بطنك حر فإنه يعتق ما في بطنها كذا في الخانية .

                                                                                        ولو قال أكبر ولد في بطنك فهو حر فولدت ولدين في بطن فأولهما خروجا أكبرهما وهو حر كذا في المحيط ، وكذا لو قال إن حملت بولد فهو حر وليس منه إن ولدت ولدا فهو حر ; لأنه لا يعتق إلا بعد الولادة حتى لو باع الأم أو مات المولى قبل الولادة بطلت اليمين كما في البدائع ولم يشترط المصنف ولادته حيا بعد عتقه ، وظاهر ما في المحيط أنه شرط قال : ولو أعتق أحد شريكي الأمة ما في بطنها فولدت توأما ميتا لا ضمان عليه ; لأن الإتلاف لم يثبت يقينا لاحتمال أن الجنين لم يكن حيا ولم تنفخ فيه [ ص: 251 ] الروح أصلا فلا يجب الضمان بالشك ، ولو ولدت توأما حيا يضمن ; لأن الظاهر أن الحياة كانت موجودة فيه وقت الإعتاق ، ولو أعتق أحد الشريكين الجنين فضرب أجنبي بطنها وألقت ميتا فعلى الضارب نصف عشر قيمته إن كان غلاما وعشر قيمتها إن كانت جارية عند أبي حنيفة ; لأن معتق البعض كالمكاتب عنده فالضرب صادفه وهو رقيق فيجب فيه ما يجب في جنين الأمة ، وعندهما يجب فيه ما في جنين الحرة ويضمن المعتق نصفه لشريكه ; لأن الشرع لما أوجب ضمانه على الضارب فقد حكم بكونه حيا قبل الضرب فيكون المعتق بالإعتاق متلفا نصيب شريكه فيضمن نصف قيمته ويرجع بذلك فيما أدى الضارب ; لأن المعتق ملك نصيب صاحبه بالضمان فإن الجنين مما يقبل النقل من ملك إلى ملك فإنه يملك بالوصية فصار نصيب صاحبه مكاتبا له فهذا مكاتب مات عن وفاء فيقضى منه سعايته وما بقي فميراث لورثته أو لمعتقه ; لأنه مات حرا ا هـ .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أن تدبير الحمل وحده صحيح بالأولى قالوا ولا يجوز بيع الأم إذا أعتق ما في بطنها ويجوز هبتها والفرق أن استثناء ما في بطنها عند بيعها لا يجوز قصدا فكذا حكما بخلاف الهبة لكن لا يحكم ببطلان البيع إلا بعد الولادة لأقل من ستة أشهر وفي المبسوط وبعدما دبر ما في البطن لو وهب الأم لا يجوز وهو الأصح ، والفرق أن بالتدبير لا يزول ملكه عما في البطن فإذا وهب الأم بعد التدبير فالموهوب متصل بما ليس بموهوب فيكون في معنى هبة المشاع فيما يحتمل القسمة ، أما بعد العتق ما في البطن غير مملوك ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو قال لأمته أنت حرة أو ما في بطنك عتقت إذا لم تكن حاملا ; لأن التخيير لم يصح ، ولو قال لأمته الحامل أنت حرة أو ما في بطنك حر فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا قد استبان خلقه قال يخير المولى فإن أوقع العتق على الأم عتق الجنين بعتقها وعلى الضارب غرة للمولى وإن مات المولى قبل البيان فضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا قد استبان خلقه قال في الجنين غرة حر ويعتق نصف الأمة وتسعى في نصف قيمتها ولا سعاية على الجنين ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية رجل أوصى بما في بطن جاريته لإنسان فمات الموصى فأعتق الورثة ما في بطن الجارية جاز إعتاقهم ويضمنون قيمة الولد يوم الولادة .

                                                                                        [ ص: 250 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 250 ] . ( قوله : وينبغي أن يقال إن ولدته إلخ ) لأنه قد يكون الضرب بعد العتق لأقل من ستة أشهر ويتأخر إلقاء الجنين إلى تمامها أو أكثر بحيث يعلم أن ذلك الإلقاء من الضرب تأمل .

                                                                                        ( قوله : وظاهر ما في المحيط أنه شرط إلخ ) قال في النهر للبحث فيه مجال [ ص: 251 ]

                                                                                        ( قوله : فأعتق الورثة ما في بطن الجارية ) كذا رأيته في الظهيرية وفي كافي الحاكم فأعتق الوارث الأمة فهو جائز وولاؤها وولاء ما في بطنها له وهو ضامن لقيمة ما في بطنها يوم تلد .




                                                                                        الخدمات العلمية