الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو علق عتقه بأدائه صار مأذونا ) أي بأداء المال كأن يقول : إن أديت إلي ألفا فأنت حر فيصح ويعتق عند الأداء من غير أن يصير مكاتبا ; لأنه صريح في تعليق العتق بالأداء ، وإن كان فيه معنى المعاوضة في الانتهاء وإنما صار مأذونا ; لأنه رغبه في الاكتساب لطلبه الأداء منه ، ومراده التجارة دون التكدي فكان إذنا له دلالة ، وذكر في فتح القدير أنه يخالف المكاتب في إحدى عشرة مسألة الأولى : ما إذامات العبد قبل الأداء وترك مالا فهو للمولى ولا يؤدي منه عنه ويعتق بخلاف الكتابة . الثانية : لو مات المولى ، وفي يد العبد كسب كان لورثة المولى ويباع العبد بخلاف الكتابة . الثالثة : لو كانت أمة فولدت ، ثم أدت فعتقت لم يعتق ولدها لأنه ليس لها حكم الكتابة وقت الولادة بخلاف الكتابة . الرابعة : لو قال العبد للمولى : حط عني مائة فحط عنه المولى وأدى تسعمائة لا يعتق بخلاف الكتابة زاد في البدائع أنه لو أدى مكان الدراهم دنانير لا يعتق ، وإن قبل لعدم الشرط . الخامسة : لو أبرأ المولى العبد عن الألف لم يعتق ولو أبرأ المكاتب عتق كذا ذكروها والظاهر أنه لا موقع لها إذ الفرق بعد تحقق الإبراء في الموضعين يكون ، والإبراء لا يتصور في هذه المسألة لأنه لا دين على العبد بخلاف الكتابة .

                                                                                        السادسة لو باع المولى العبد ، ثم اشتراه ، أو رد عليه بخيار عيب ففي وجوب قبول ما يأتي به خلاف : عند أبي يوسف نعم ، وعند محمد لا ، ولكن لو قبضه عتق بخلاف الكتابة في أنه لا خلاف في أنه يجب أن يقبله ويعد قابضا . السابعة أنه يقتصر على المجلس فلا يعتق ما لم يؤد في ذلك المجلس فلو اختلف بأن أعرض أو أخذ في عمل آخر فأدى لا يعتق بخلاف الكتابة هذا إذا كان المذكور من أدوات الشرط لفظة " إن " فإن كان لفظ " إذا " ، أو " متى " فلا يقتصر على المجلس . الثامنة : أنه يجوز للمولى بيع العبد بعد قوله ذلك قبل أن يؤدي بخلاف الكتابة . التاسعة : أن للسيد أن يأخذ ما يظفر به مما اكتسبه قبل أن يأتيه بما يؤديه بخلاف المكاتب . العاشرة : أنه إذا أدى وعتق وفضل عنده مال مما اكتسبه كان للسيد فيأخذه بخلاف المكاتب . الحادية عشرة : لو اكتسب العبد مالا قبل تعليق السيد فأداه بعده إليه عتق وإن كان السيد يرجع بمثله على ما سيذكر بخلاف الكتابة لا يعتق بأدائه ; لأنه ملك المولى إلا أن يكون كاتبه على نفسه وماله فإنه حينئذ يصير أحق به من سيده فإذا أدى منه عتق ا هـ .

                                                                                        وفي البدائع ذكر محمد في الزيادات إذا قال : إن أديت إلي ألفا في كيس أبيض فأنت حر فأداها في كيس أسود لا يعتق ، وفي الكتابة يعتق ا هـ .

                                                                                        وهي الثانية عشرة : ولو قال : إذا أديت ألفا في هذا الشهر فأنت حر فلم يؤدها في ذلك الشهر وأداها في غيره لم يعتق ، وفي الكتابة لا يبطل إلا بحكم الحاكم ، أو بتراضيهما كما في البدائع وهي الثالثة عشرة ، وفي المحيط لو أمر غيره بالأداء فأدى لا يعتق لأن الشرط أداؤه ولم يوجد فلا حاجة إلى أداء غيره لأنه قادر على أدائه بخلاف الكتابة ; لأنها معاوضة حقيقة فيها معنى التعليق فكان الأصل فيها المعاوضة فكان المقصود حصول البدل ا هـ .

                                                                                        وهي الرابعة عشرة ، وفي الذخيرة إذا قال : إن أديت إلي ألفا فأنت حر فاستقرض العبد من رجل ألفا فدفعها إلى مولاه عتق العبد ورجع غريم العبد على المولى فيأخذ منه الألف لأنه أحق بها من المولى من قبل أنه عبد مأذون له في التجارة ، وغرماء العبد المأذون أحق بماله حتى يستوفوا ديونهم ، ولو كان العبد استقرض من رجل ألفي درهم وقيمته ألفا درهم فدفع أحد الألفين إلى مولاه وعتق بها وأكل [ ص: 280 ] الألف الأخرى فإن للمقرض أن يأخذ من المولى الألف التي دفعها العبد إليه ، ويضمن المولى أيضا للغريم الألف درهم ; لأن المولى منع العبد بعتقه من أن يباع بما عليه من الدين ، وإن شاء المقرض اتبع العبد بجميع دينه أيضا ا هـ .

                                                                                        قيد بالتعليق لأنه لو لم يأت في الجواب بالفاء لا يتعلق بل يتنجز ، سواء كان الجواب بالواو كقوله إن أديت إلي ألفا وأنت حر أو لا كقوله إن أديت إلي ألفا أنت حر لكونه ابتداء لا جوابا لعدم الرابط ، وفي الذخيرة قال لعبده أنت حر وأد إلي ألف درهم فهو حر ولا شيء عليه ولو قال أد إلي ألفا وأنت حر لم يعتق حتى يؤدي ولو قال فأنت حر عتق للحال لأن جواب الأمر بالواو لا بالفاء فهي للتعليل أي أد إلي ألفا ; لأنك حر كقوله أبشر فقد أتاك الغوث ، وتمامه في الأصول من بحث الواو وقد قدمنا في بحث عتق الحمل من الظهيرية أنه لو علق عتق الحمل بأدائه ألفا فإنه يتوقف العتق على أدائه فإذا أدى بعد الولادة عتق إذا ولدته لأقل من ستة أشهر وقيد بأداء العبد ; لأنه لو علق عتقه بأداء أجنبي لا يصير مأذونا له كما إذا قال : إذا أديت إلي ألفا فعبدي هذا حر فجاء الأجنبي بألف ووضعها بين يديه لا يجبر المولى على القبول ولا يعتق العبد ولو حلف المولى أنه لم يقبض من فلان ألفا لا يحنث كذا في الخانية .

                                                                                        [ ص: 278 - 279 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 278 - 279 ] ( قوله : ولا يؤدي منه عنه ويعتق ) كذا في الفتح ، والظاهر أنه يقرأ " ويعتق " بالنصب بأن مضمرة بعد الواو وفي جواب النفي تأمل . ( قوله : والظاهر أنه لا موقع لها إلخ ) هذا من كلام الفتح قال بعض الفضلاء ويمكن أن يجاب بأنه يكفي في الفرق عتق المكاتب إذا قال له مولاه : أبرأتك عن بدل الكتابة لصحة الإبراء عنه ; لأنه دين وعدم عتق المعلق عتقه على الأداء إذا أبرأه مولاه لعدم صحة الإبراء ( قوله : السادسة : لو باع إلخ ) أورد عليه بعض الفضلاء نظير ما أورد على الخامسة فإن المكاتب لا يتحقق بيعه ( قوله : عند أبي يوسف نعم ) قال في الفتح وهو عندي أوجه . ( قوله : وفي المحيط لو أمر غيره إلخ ) سيذكر المؤلف بعد ورقة عن البدائع ما يخالفه مع التوفيق بينهما ( قوله : وفي الذخيرة إذا قال إلخ ) ينبغي أن يقول بعده وهي الخامسة عشرة إذ لو كان مكاتبا لا يرجع المقرض على المولى بشيء ; لأن المكاتب حر يدا [ ص: 280 ] ( قوله : سواء كان الجواب بالواو إلخ ) قال السيد أبو السعود يشكل بما ذكره قاضي خان أول باب التعليق من كتاب الطلاق لو قال لعبده أد إلي ألفا وأنت حر كان تعليقا ا هـ . وهذا الكلام منشؤه الغفلة عما يذكره المؤلف بعد أربعة أسطر .

                                                                                        ( قوله : ولو حلف المولى أنه لم يقبض من فلان ألفا لا يحنث ) ; لأن القاضي لم يحكم بقبضه فلا تعد هذه التخلية قبضا بخلاف المسألة الآتية عقب هذا .




                                                                                        الخدمات العلمية