( قوله : واليمين بالله تعالى والرحمن والرحيم وجلاله وكبريائه وأقسم وأحلف وأشهد ، وإن لم يقل بالله ولعمر الله وايم الله وعهد الله وميثاقه وعلي نذر ونذر الله ، وإن فعل كذا فهو كافر ) بيان لألفاظ اليمين المنعقدة فقوله : بالله والرحمن والرحيم بيان للحلف باسم من أسمائه تعالى ; لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى فصلح ذكره حاملا أو مانعا ، وفي المجتبى لو قال والله بغيرها كعادة الشطار فيمين قلت : فعل هذا ما يستعمله الأتراك بالله بغير هاء فيمين أيضا ا هـ .
بلفظه وأفاد بعطف الرحمن على الله أن المراد بالله اللفظ وقيد به احترازا عن بسم الله فإنه ليس بيمين إلا أن ينويه ، وفي المنتقى رواية ابن رستم عن أنه يمين مطلقا فليتأمل عند الفتوى ولو محمد كذا في الخلاصة ، وفي فتح القدير قال وبسم الله يكون يمينا المختار أنه ليس بيمين لعدم التعارف وعلى هذا بالواو إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون واسم الله ا هـ . قال بسم الله لأفعلن
والظاهر أن بسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة فكان الحلف [ ص: 306 ] بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله ا هـ .
والعرف لا اعتبار به في الأسماء كما قدمناه وذكر الولوالجي إن أراد المبتدئ أن يحلف وأراد المجيب الحلف يكون كل منهما حالفا لأن قوله نعم جواب والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال فيصير كأنه قال : نعم والله لأفعلن ، وإن أراد المبتدئ الاستحلاف وأراد المجيب الوعد ليس على كل واحد منهما شيء ; لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله ، وإن أراد المبتدئ الاستحلاف وأراد المجيب الحلف فالمجيب الحالف والمبتدئ لا ; لأن كل واحد منهما نوى ما يحتمله ، وإن لم ينو واحد منهما شيئا ففي قوله الله : الحالف هو المجيب ، وفي قوله والله : الحالف هو المبتدئ ا هـ . : رجل قال لآخر : الله لا تفعلن كذا ، أو قال : والله لتفعلن كذا وقال الآخر : نعم
وأفاد بإطلاقه في بل هو يمين تعارفوه أولا وهو الظاهر من مذهب أصحابنا وهو الصحيح كما في الذخيرة وغيرها إذ لا اعتبار بالعرف عند قيام دلالة النص كذا في المحيط وبه اندفع ما في الولوالجية من أنه لو اليمين بالله تعالى أنه لا يتوقف على النية ولا على العرف إن أراد به السورة لا يكون يمينا لأنه يصير كأنه قال والقرآن ، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا ا هـ . قال : والرحمن لا أفعل كذا
فإن هذا التفصيل في الرحمن قول كما في الذخيرة . بشر المريسي
والمذهب أنه يمين من غير نية ومثل الحلف بالله كما في فتح القدير وأفاد بعطف الرحيم على الرحمن أنه لا فرق في أسمائه بين أن تكون خاصة ، أو مشتركة كالحكيم والعليم والقدير والعزيز فالصحيح أنه لا يتوقف على النية خلافا لبعض المشايخ فيما كان مشتركا ; لأنه لما كان مستعملا لله تعالى ولغيره لا تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية ورجحه في غاية البيان وهو خلاف المذهب ; لأن هذه الأسماء ، وإن كانت تطلق على الخلق لكن تعين الخالق مرادا بدلالة القسم إذ القسم بغير الله لا يجوز فكان الظاهر أنه أراد به اسم الله حملا لكلامه على الصحة إلا أن ينوي به غير الله فلا يكون يمينا ; لأنه نوى ما يحتمله كلامه فيصدق في أمر بينه وبين الله تعالى كذا في البدائع ، وفي الذخيرة والولوالجية لو الحلف بالذي لا إله إلا هو ورب السموات والأرض ورب العالمين ومالك يوم الدين والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء فهو يمين وهو متعارف أهل قال : والطالب والغالب لا أفعل كذا بغداد ا هـ .
وهذا لا يدل على أن كونه يمينا موقوف على التعارف ، وإنما بعدما حكم بكونها يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها وبذلك اندفع ما في فتح القدير من أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى { والله غالب على أمره } وأما كونه بناء على القول المفصل في الأسماء ا هـ .
وأفاد بقوله وجلاله وكبريائه أن الحلف يكون بصفة من صفاته تعالى ; لأن معنى اليمين وهو القوة حاصل لأنه يعتقد تعظيم الله تعالى وصفاته ولم يقيد المصنف الحلف بالصفات بالعرف ولا بد منه قال في المحيط : وأما فقد اختلفت عبارات مشايخنا في ذلك قال عامة مشايخنا : من حلف بصفة من صفات الله تعالى صفة ذات ، أو صفة فعل ينظر إن تعارف الناس الحلف به يكون يمينا ، وإلا فلا لأن صفات الله في الحرمة كذاته تعالى فإنها ليست بأغيار الله بل الحلف بصفات الله تعالى لا هو ولا غيره لأنها ليست بحادثة في ذاته خلافا لما تقوله صفات الله تعالى الكرامية - هداهم الله - : إن لله تعالى صفات حادثة وذاته محل الحوادث وخلافا لما تقوله المعتزلة لعنهم الله إنه ليس لله صفات وعند أهل السنة كثرهم الله صفة ذاته كونه سميعا بصيرا حيا عليما قديرا وهو بجميع صفاته قديم ، والقديم لا يجوز أن يكون محل الحوادث وقال مشايخ العراق : إن حلف بصفة من صفات الذات يكون يمينا إلا العلم لما تبين ، وإن حلف بصفة من صفات الفعل لا يكون يمينا والفاصل بينهما [ ص: 307 ] أن كل صفة يوصف بها وبضدها كالرحمة والرأفة والسخط والغضب فهي من صفات الفعل ، وكل صفة يوصف بها ولا يوصف بضدها كالقدرة والعزة والعظمة فهي من صفات الذات فألحقوا صفات الذات بالاسم ولم يلحقوا صفات الفعل بالاسم وعلى هذا تخرج المسائل ا هـ .
وظاهره أن الكرامية مؤمنون والمعتزلة كافرون لدعائه للأولين بالهداية وعلى المعتزلة باللعن ، وفي فتح القدير : المراد بالصفة اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة بخلاف نحو العظيم وفي التبيين : والصحيح عدم الفرق ; لأن صفات الله كلها صفات ذات وكلها قديمة فلا يستقيم الفرق ، والأيمان مبنية على العرف فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ا هـ .
وفي المسايرة للمحقق ابن الهمام : اختلف مشايخ الحنفية والأشاعرة في والمراد صفات تدل على تأثير لها أسماء غير اسم القدرة يجمعها اسم التكوين فإن كان ذلك الأثر مخلوقا فالاسم الخالق والصفة الخلق ، أو رزقا فالاسم الرازق والصفة الترزيق ، أو حياة فهو المحيي ، أو موتا فهو المميت فادعى متأخرو الحنفية من عهد صفات الأفعال أبي منصور أنها صفات قديمة زائدة على الصفات المتقدمة وليس في كلام والمتقدمين تصريح بذلك سوى ما أخذوه من قوله كان تعالى خالقا قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وذكروا له أوجها من الاستدلال أبي حنيفة ، والأشاعرة يقولون ليست صفة التكوين على فصولها سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بتعلق خاص فالتخليق هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق والترزيق تعلقها بإيصال الرزق إلى آخر ما ذكره فيها .
وأما كونه حالفا بقوله أقسم ، أو أحلف ، أو أشهد ، وإن لم يقل بالله فلأن هذه الألفاظ مستعملة في الحلف وهذه الصيغة للحال حقيقة وتستعمل للاستقبال بقرينة فجعل حالفا للحال قال الله تعالى { والشهادة يمين قالوا نشهد إنك لرسول الله } ثم قال { اتخذوا أيمانهم جنة } والحلف بالله هو المعهود المشروع وبغيره محظور فيصرف إليه وأشار إلى أنه لو فإنه يمين بالأولى وأطلق في كونه يمينا بلفظ المضارع فأفاد أنه لا يتوقف على النية كما في غاية البيان وذكر في الهداية خلافا فيه وصحح في التبيين أنه يكون يمينا بلا نية وأراد قال : حلفت ، أو أقسمت ، أو شهدت بالله ، أو لم يقل بالله المصنف بهذه الألفاظ أن كلا منها يصلح أن يكون قسما فإن ذكر المقسم عليه انعقدت اليمين فيحنث إذا نقضها فتجب عليه الكفارة ، وإلا فلا وقد ذكر هذه الألفاظ كلها في الأصل ، ثم قال بعدها فهذه كلها أيمان فإذا حلف بشيء منها ليفعلن كذا وكذا فحنث وجبت عليه الكفارة ا هـ . محمد
وفي المجتبى أشهد ليس بيمين ما لم يعلقه بالشرط ، وقوله " علي نذر " يمين ، وإن سكت وفي المنتقى وجامع ما يشبه خلاف مسألة النذر قلت : فعلم بهذا أن هذه الألفاظ لا تكون يمينا ما لم يعلق بشيء ا هـ . الكرخي
فظهر بهذا أن ما في النهاية من أن تنعقد يمينا سواء ذكر المقسم عليه ، أو لا مستدلا بما ذكر في الذخيرة أن قوله علي يمين موجب للكفارة فهو سهو كما في غاية البيان وتوهم وخبط كما في فتح القدير ، بل لا بد من ذكر المقسم عليه . قوله أقسم ، أو أشهد ، أو علي يمين
وإنما ترك ذكره في بعض المواضع للعلم به وهو مراد صاحب الذخيرة وتحقيقه أن الكفارة إنما تجب لستر الذنب في نقض اليمين المنعقدة فعلى أي شيء انعقدت اليمين حتى يتصور نقض اليمين فتجب الكفارة وأيضا قوله : علي يمين فيه احتمال ; لأنه يصح عليه أن يكون يمين الغموس أو اليمين المنعقدة ، والكفارة لا تثبت بالاحتمال ; لأنها دائرة بين العبادة والعقوبة ، والعقوبات تندرئ بالشبهات وذلك أنه ليس في الغموس كفارة وكذا في المنعقدة عند قيام البر فكيف تتصور الكفارة وأيضا لو وجبت الكفارة بمجرد قوله علي يمين يلزم تقديم المسبب على السبب ، وهو فاسد لأن سبب الكفارة الحنث ولم يوجد لعدم انعقاد اليمين على شيء إلى آخر ما في غاية البيان [ ص: 308 ] إلا أنه في فتح القدير قال : والحق أن قوله علي يمين إذا لم يزد عليه على وجه الإنشاء لا الإخبار يوجب الكفارة بناء على أنه التزام الكفارة بهذه العبارة ابتداء كما يأتي في إذا لم يزد عليه فإنه مثله من صيغ النذر ولو لم يكن كذلك لغا بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء ا هـ . قوله علي نذر
وفي المجتبى أشهد بفتح الهمزة والهاء ، وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ ، ثم قال : قال : علي يمين - يريد به الإيجاب - لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشيء ا هـ . وبه ندفع ما في فتح القدير .
وقيد بقوله أشهد لأنه لو فليس بيمين ; لأن الناس لم يتعارفوا الحلف بهذا بخلاف قوله أشهد ، أو أشهد بالله لأن ذلك يمينا عرفا كذا في المحيط : وأعزم ك أشهد كما في البدائع ومعناه أوجب فكان إخبارا عن الإيجاب في الحال وهذا معنى اليمين وكذا لو قال اللهم إني عبدك أشهدك وأشهد ملائكتك أني لا أدخل دار فلان كان حالفا وكذا آليت لا أفعل كذا ; لأن الألية هي اليمين ا هـ . قال : عزمت لا أفعل كذا
وأما كونه حالفا بقوله لعمر الله فلأن عمر الله بقاؤه فكان صفة له ; لأنه من صفة الذات ; لأنه يوصف به لا بغيره فكأنه قال وبقاء الله كقدرته وكبريائه ولقوله تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } هو بالضم والفتح إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم ، وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف والخبر قسمي ، أو يميني كذا في المغرب ولا تلحق المفتوحة الواو في الخط بخلاف عمرو العلم فإنها ألحقت للتفرقة بينه وبين عمر ، وقيد بكون اللام في أوله ; لأنه لو لم تدخله اللام فإن القسم فيه محذوف ويكون منصوبا نصب المصادر فتقول : عمر الله ما فعلت كما في الله لأفعلن ، وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء وينبغي أن لا ينعقد يمينا لأنه حلف بفعل المخاطب وهو إقراره واعتقاده كما في فتح القدير .
وأما ايم الله فمعناه أيمن الله ، وهو جمع يمين على قول الأكثر فخفف بالحذف حتى صار ايم الله ثم خففت أيضا فقيل : م الله لأفعلن كذا فتكون ميما واحدة وبهذا نفى أن يكون جمعا ; لأن الجمع لا يبقى على حرف واحد ويقال : من الله بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما ، وهمزة أيمن بالقطع ، وإنما وصلت في الوصل تخفيفا لكثرة الاستعمال ومذهب سيبويه أنها همزة وصل اجتلبت ليمكن بها النطق كهمزة ابن وامرئ من الأسماء الساكنة الأوائل ، وإنما كان يمينا لحديث سيبويه { البخاري } كما في فتح القدير وأشار وايم الله إن كان لخليقا بالإمارة المصنف إلى أنه لو فهو يمين صرح به في المجتبى ، وأما كونه حالفا بعهد الله وميثاقه فلأن العهد في الأصل هي المواعدة التي تكون بين اثنين لوثوق أحدهما على الآخر وهو الميثاق وقد استعمل في اليمين لقوله تعالى { قال : يمين الله لا أفعلن كذا وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } الآية فقد جعل العهد في القرآن يمينا كما ترى والميثاق في معناه وكذا ولذا يسمى الذمي معاهدا وأطلقه فشمل ما إذا لم ينو لغلبة الاستعمال للعهد والميثاق في معنى اليمين فينصرفان إليه إلا إذا قصد غير اليمين فيدين ، وفي الذخيرة لو الحلف بالذمة لزمه كما قال . قال : إن فعلت كذا فعلي يمين إن شاء فلان ففعل ذلك الفعل وشاء فلان
وأما كونه حالفا بقوله : علي نذر ونذر الله فيشترط أن يذكر المحلوف عليه لكونها يمينا منعقدة نحو أن يقول : علي نذر الله لأفعلن كذا ، أو لا أفعل كذا حتى إذا لم يف بما حلف عليه لزمته كفارة [ ص: 309 ] اليمين وأما إذا لم يسم شيئا بأن فإنه لا يكون يمينا ; لأن اليمين إنما تتحقق لمحلوف عليه ولكن تلزمه الكفارة فيكون هذا التزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كذا في فتح القدير وهذا كله إذا لم ينو بهذا النذر المطلق شيئا من القرب كحج ، أو صوم فإن كان نوى بقوله " علي نذر إن فعلت كذا " قربة مقصودة يصح النذر بها ففعل لزمته تلك القربة لما ذكره قال : علي نذر الله الحاكم بقوله فإن حلف بالنذر فإن نوى شيئا من حج أو عمرة فعليه ما نوى ، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين ا هـ .
فيحمل الحديث { } على ما إذا لم تكن له نية وقيد بلفظ النذر احترازا عن صيغة النذر كأن يقول : لله علي كذا صلاة ركعتين ، أو صوم يومين مطلقا عن الشرط ، أو معلقا به كما سيأتي الكلام عليه قريبا وقد خلط من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كفارة يمين الزيلعي مسألة لفظ النذر بصيغة النذر وبينهما فرق تطلع عليه إن شاء الله في الولوالجية وغيرها لو أنها ليست بيمين إلا أن ينوي ; لأن الصيغة للنذر مع احتمال معنى اليمين ا هـ . قال : لله علي أن لا أكلم فلانا
وأما مسألة الحلف بالتعليق بالكفر فلأنه لما جعل الشرط علما على الكفر فقد اعتقده واجب الامتناع وقد أمكن القول بوجوبه لغيره بجعله يمينا كما نقول في تحريم الحلال ولا فرق بين أن يعلقه بالكفر ، أو بالتهود ، أو التنصر أو قال هو بريء من الإسلام أو من القرآن ، أو القبلة ، أو صوم رمضان ، أو أنا بريء مما في المصحف ، أو أعبد من دون الله أو أعبد الصليب كما في المجتبى والمحيط ، أو يعقد الزنا على نفسه كما يعقد النصارى كما في الظهيرية ولو فهو يمين واحدة ولو قال : أنا بريء من كل آية في المصحف فهو يمين ولو رفع كتابا فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم فقال أنا بريء مما فيه إن فعلت كذا فليس بيمين بخلاف قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من حجتي التي حججت ومن الصلاة التي صليت ; لأنه في الأول تبرأ عن الفعل الذي فعل لا عن الحجة المشروعة وفي الثاني تبرأ عن القرآن الذي تعلمه والقرآن قرآن ، وإن تعلمه فيكون التبري عنه كفرا . قوله أنا بريء من القرآن الذي تعلمته
ولو فإذا أراد البراءة عن فرضه فهو يمين كما إذا قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من الإيمان ، وإن أراد البراءة عن أجرها لا يكون يمينا ; لأنه شيء غيب ، وإن لم يكن له نية لا يكون يمينا في الحكم كذا في المحيط ، وفي المجتبى لو قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من شهر رمضان فليس بيمين ، وفي الولوالجية : لو قال صلاتي وصيامي لهذا الكافر إن فعلت كذا فعليه كفارة يمين ; لأنه بمنزلة إن فعلت كذا فأنا نصراني ولو قال : إن فعلت كذا فاشهدوا علي بالنصرانية فعليه كفارة واحدة ; لأنها يمين واحدة ولو قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من الكتب الأربعة فعليه أربع كفارات ; لأنها أربعة أيمان ولو قال : أنا بريء من التوراة وبريء من الإنجيل وبريء من الزبور وبريء من الفرقان فعليه كفارة واحدة إن حنث ; لأنها يمين واحدة ولو قال : أنا بريء من الله ورسوله فعليه كفارتان إن حنث ; لأنهما يمينان ا هـ . قال : أنا بريء من الله وبريء من رسوله
ثم قال : ولو فعليه أربع كفارات ; لأنها أربعة أيمان ا هـ . قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ورسوله ، والله ورسوله بريئان منه ففعل
وينبغي أن يكونا يمينين ; الأولى أنا بريء من الله ورسوله كما تقدم ، والثانية والله ورسوله بريئان منه لأن لفظ البراءة مذكور مرتين إلا أن يقال : إنها في الثانية مذكورة مرتين بسبب التثنية فيكون عليه ثلاث كفارات ، وأما الأربع فلم يظهر لي وجهها ، ثم رأيت بعد ذلك المسألة في الظهيرية مصورة بتكرار لفظ البراءة بقوله إن فعل كذا فهو بريء من الله وبريء من رسوله والله ورسوله بريئان منه فتعين أن يكون ما في الولوالجية كذلك والحذف من الكاتب ثم قال في الظهيرية .
والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تعددت الكفارة ، وإذا اتحدت اتحدت وصحح في المجتبى والذخيرة أنهما يمينان قال : [ ص: 310 ] ولو لزمته كفارة واحدة ا هـ . قال : إن فعلت كذا فأنا بريء من الله ألف مرة ففعل
وفي الظهيرية أيضا ولو يكون يمينا ولو قال : إن فعلت كذا فلا إله في السماء قالوا يكون يمينا لأن البراءة من المؤمنين تكون لإنكار الإيمان ا هـ . قال : إن فعلت كذا فهو بريء من المؤمنين
وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان عن الله أنه لا يكون يمينا لأنه حينئذ ليس بكفر بل هو الإيمان ، وفي الذخيرة قال هو يمين ولا يكفر وفيها لو الأصح أنه ليس بيمين وعلله في الظهيرية بأن الشفاعة ، وإن كانت حقا لكن من أنكرها صار مبتدعا لا كافرا ا هـ . قال إن فعلت كذا فأنا بريء من الشفاعة
وفيها أيضا سئل نجم الدين عمن ماذا يجب عليه قال : كفارة اليمين ا هـ . قال : إن كلمت فلانا فهو شريك الكفار فيما قالوا على الله تعالى مما لا يليق به فكلمه
وأشار المصنف إلى أنه إذا فعل المحلوف عليه لا يكون كافرا ; لأنه صار يمينا وقيد بكونه علقه على فعل في المستقبل ; لأنه لو قال ذلك لشيء قد فعله في الماضي كأن قال : إن كنت فعلت كذا فهو كافر وهو عالم أنه قد فعل فهو يمين الغموس لا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار وهل يكفر حتى تكون التوبة اللازمة عليه التوبة من الكفر وتجديد الإسلام قيل لا وقيل نعم لأنه تنجيز معنى ; لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر والصحيح أنه إن كان عالما أنه يمين إما منعقدة ، أو غموس لا يكفر بالماضي ، وإن كان جاهلا وعنده أنه يكفر بالحلف في الغموس أو بمباشرة الشرط في المستقبل يكفر فيهما ; لأنه لما أقدم عليه وعنده أنه يكفر فقد رضي بالكفر كذا في كثير من الكتب ، وفي المجتبى والذخيرة والفتوى على أنه إن اعتقد الكفر به يكفر وإلا فلا في المستقبل والماضي جميعا ، وفي فيه اختلاف المشايخ ، وعامتهم على أنه يكفر ، ثم رقم في المجتبى رقما آخر لو قولهم يعلم الله أنه فعل كذا ولم يفعل كذا وهو يعلم خلافه فقيل : لا يكفر وهو رواية عن قال : الله يعلم أني ما فعلت كذا وهو يعلم أنه كاذب ; لأنه قصد ترويج الكذب دون الكفر . . أبي يوسف
[ ص: 306 ]