( قوله : ومن نذر نذرا مطلقا ، أو معلقا بشرط ووجد وفى به ) أي وفى بالمنذور لقوله عليه السلام { من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى } وهو بإطلاقه يشمل المنجز والمعلق ولأن المعلق بالشرط كالمنجز عنده أطلقه فشمل ما إذا علقه بشرط يريد كونه أو لا وعن أبي حنيفة أنه رجع عنه فقال إن فعلت كذا فعلي حجة ، أو صوم سنة أو صدقة ما أملكه أجزأه عن ذلك كفارة يمين وهو قول محمد ويخرج عن العهدة بالوفاء بما سمى أيضا إذا كان شرطا لا يريد كونه ; لأن فيه معنى اليمين وهو المنع وهو بظاهره نذر فيتخير ويميل إلى أي الجهتين شاء بخلاف ما إذا كان شرطا يريد كونه كقوله إن شفى الله مريضي لانعدام معنى اليمين فيه قال في الهداية وهذا التفصيل هو الصحيح وبه كان يفتي إسماعيل الزاهد كما في الظهيرية وقال الولوالجي : مشايخ بلخ وبخارى يفتون بهذا وهو اختيار شمس الأئمة - ولكثرة البلوى في هذا الزمان - وظاهر الرواية كما في المختصر للحديث المتقدم ، ووجه الصحيح حديث مسلم { كفارة النذر كفارة اليمين } وهو يقتضي السقوط بالكفارة مطلقا فتعارضا فيحمل مقتضى الإيفاء بعينه على المنجز ، أو المعلق بشرط يريد كونه وحديث مسلم على المعلق بشرط لا يريد كونه لأنه إذا علقه بشرط لا يريده يعلم منه أنه لم يرد كونه المنذور حيث جعله مانعا من فعل ذلك الشرط ، مثل دخول الدار وكلام زيد ; لأن تعليقه حينئذ لمنع نفسه عنه بخلاف الشرط الذي يريد كونه إذا وجد الشرط فإنه في معنى المنجز ابتداء فيندرج في حكمه وهو وجوب الإيفاء ، ثم اعلم أن هذا التفصيل ، وإن كان قول المحقق فليس له أصل في الرواية ; لأن المذكور في ظاهر الرواية لزوم الوفاء بالمنذور عينا منجزا كان أو معلقا ، وفي رواية النوادر هو مخير فيهما بين الوفاء وبين كفارة [ ص: 321 ] اليمين قال في الخلاصة وبه يفتى فتحصل أن الفتوى على التخيير مطلقا ولذا اعترض في العناية على تصحيح الهداية ا هـ .
وأراد بقوله وفى أنه يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف التزمه لما قدمناه أنه لو عين درهما ، أو فقيرا أو مكانا للتصديق ، أو للصلاة فإن التعيين ليس بلازم وقدمنا تفاريع النذر في الصلاة ، وفي آخر الصوم ، وأن شرائطه أربعة : أن لا يكون معصية لذاته فخرج النذر بصوم يوم النحر لصحة النذر به لأنه لغيره ، وأن يكون من جنسه واجب ، وأن يكون ذلك الواجب عبادة مقصودة ، وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها وبه عرف أن إطلاق المصنف في محل التقييد في الخلاصة لو التزم بالنذر أكثر مما يملكه لزمه ما يملكه هو المختار كما إذا قال : إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة ففعل وهو لا يملك إلا مائة لا يلزمه إلا المائة ; لأنه فيما لم يملك لم يوجد في الملك ولا مضافا إلى سببه فلم يصح كقوله مالي في المساكين صدقة ولا مال له لا يصح فكذا هذا كذا في الولوالجية .
وفي الخلاصة أيضا لو قال : لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر بخلاف قوله لأهدين ولو نوى اليمين كان يمينا ا هـ .
فعلى هذا لا بد أن يزاد شرط خامس : وهو أن لا يكون ما التزمه ملكا للغير إلا أن يقال إن النذر به معصية لكن ليس معصية لذاته ، وإنما هو لحق الغير ، وفي الخلاصة لو قال : لله علي إطعام المساكين فهو على عشرة عند أبي حنيفة ، لله علي إطعام مسكين يلزمه نصف صاع من حنطة استحسانا ولو قال : إن فعلت كذا فألف درهم من مالي صدقة لكل مسكين درهم واحد فحنث وتصدق بالكل على مسكين واحد جاز ولو قال : لله علي أن أعتق هذه الرقبة وهو يملكها فعليه أن يفي بذلك ولو لم يف يأثم ولكن لا يجبره القاضي ، وفي مجموع النوازل : لو قال : وهو مريض إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة ، أو علي شاة أذبحها فبرئ لا يلزمه شيء ولو قال : علي شاة أذبحها وأتصدق بلحمها لزمه ولو قال : لله علي أن أذبح . [ ص: 322 ] جزورا وأتصدق بلحمه فذبح مكانه سبع شياه جاز ا هـ .
وهو يدل على أن مرادهم بالواجب الفرض من قولهم وأن يكون من جنسه واجب ; لأن الأضحية واجبة وهو الذبح لا التصدق مع أنه صريح بأنه لا يصح النذر بالذبح من غير تصريح بالتصدق بلحمه وقدمنا في باب الاعتكاف ما يجب فيه التتابع من المنذور وكذا في أول كتاب الصوم وفي الولوالجية لو قال : لله علي أن أتصدق بمائة درهم فأخذ إنسان فمه فلم يتم الكلام وهو يريد أن يقول : إن فعلت كذا فالاحتياط أن يتصدق فرق بين هذا وبين اليمين بالطلاق فإن ثمة إذا وصل الشرط بعدما رفع يده عن فمه لا يقع الطلاق ، والفرق أن الطلاق محظور فيكلف لعدمه ما أمكن وقد أمكن بجعل هذا الانقطاع غير فاصل كما لو حصل الانقطاع بالعطاس ، أما الصدقة عبادة فلا يكلف لعدمها ولو قال : إن دخلت الدار فلله علي أن أتصدق مثلا فدخل لا يلزمه شيء ; لأن المثل بمنزلة التشبيه وليس في التشبيه إيجاب فلا يجب إلا أن يريد به الإيجاب ولو قال : إن فعلت كذا فلله علي أن أكفن الميت ، أو أن أضحي لا يكون يمينا ; لأن تكفين الميت ليس بقربة مقصودة ، وأما التضحية فلأن التضحية واجبة عليه ولو قال : لله علي ثلاثون حجة كان عليه بقدر عمره ا هـ .
وأشار بقوله وفى به إلى أنه معين مسمى فلو لم يكن مسمى كقوله إن فعلت كذا فعلي نذر فإن نوى قربة من القرب التي يصح النذر بها نحو الحج والعمرة فعليه ما نوى ; لأنه يحتمله لفظه فجعل ما نوى كالمنطوق به ، وإن لم يكن له نية فعليه كفارة اليمين وكذا إن قال : إن كلمت أبي فعلي نذر أو إن صليت الظهر فإن نوى معينا لزمه ، وإلا كفر ، وفي الولوالجية : وإذا حلف بالنذر وهو ينوي صياما ولم ينو عددا معلوما فعليه صيام ثلاثة أيام إذا حنث ; لأن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى من الصيام ، وأدنى ذلك ثلاثة أيام ، وفي كفارة اليمين وإن نوى صدقة ولم ينو عددا فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع لما ذكرنا ا هـ .
وفي القنية : نذر أن يتصدق بدينار على الأغنياء ينبغي أن لا يصح قلت : وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل ; لأنهم محل الزكاة ولو قال : إن قدم غائبي فلله علي أن أضيف هؤلاء الأقوام وهم أغنياء لا يصح ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح ولو قال : لله علي أن أصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في كل يوم كذا يلزمه وقيل : لا يلزمه ولو قال : إن ذهبت هذه العلة عني فلله علي كذا فذهبت ، ثم عادت إلى ذلك الموضع لا يلزمه شيء ا هـ .


