الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو أرادت الخروج فقال إن خرجت أو ضرب العبد فقال إن ضربت تقيد به كاجلس فتغد عندي فقال إن تغديت ) بيان ليمين الفور مأخوذ من فور القدر إذا غلت واستعير للسرعة ثم سميت بها الحال التي لا ريث فيها فقيل جاء فلان من فوره أي من ساعته وسميت هذه اليمين به باعتبار فوران الغضب انفرد أبو حنيفة بإظهارها ، وكانت اليمين في عرفهم قسمين مؤبدة ، وهي أن يحلف مطلقا ومؤقتة ، وهي أن يحلف أن لا يفعل كذا اليوم أو هذا الشهر فأخرج أبو حنيفة يمين الفور قال في المحيط ، ولم يسبقه أحد في تسميتها ، ولا في حكمها ، ولا خالفه أحد فيه بعد ذلك فإن الناس كلهم عيال أبي حنيفة في هذا . ا هـ .

                                                                                        بل الناس عيال أبي حنيفة في الفقه كله ، وهي يمين مؤبدة لفظا موقتة معنى تتقيد بالحال أو تكون بناء على أمر حالي فمن الثاني امرأة تهيأت للخروج فحلف لا تخرج فإذا جلست ساعة ثم خرجت لا يحنث ; لأن قصده أن يمنعها من الخروج الذي تهيأت له فكأنه قال إن خرجت أي الساعة ، ومنه من أراد أن يضرب عبده فحلف عليه لا يضربه فإذا تركه ساعة بحيث يذهب فور ذلك ثم ضربه لا يحنث لذلك بعينه ، ومن الأول اجلس فتغد عندي فيقول إن تغديت فعبدي حر تقيد بالحال فإذا تغدى في يومه في منزله لا يحنث ; لأنه يمين وقع جوابا تضمن إعادة ما في السؤال والمسئول الغد الحالي فينصرف الحلف إلى الغداء الحالي لتقع المطابقة .

                                                                                        وهذا كله عند عدم نية الحالف ، وقيد بكونه قال إن تغديت ، ولم يزد عليه ; لأنه لو زاد بأن قال إن تغديت اليوم أو معك فعبدي حر فتغدى في بيته أو معه في وقت آخر فإنه يحنث ; لأنه زاد على حرف الجواب فيكون مبتدأ ، ولا يقال إن موسى عليه السلام زاد في الجواب حين سئل عن العصا ، ولم يكن مبتدأ ; لأنا نقول لما سئل بما ، وهي تقع على ذات ما لا يعقل ، والصفات فاشتبه عليه الحال فأجاب بهما حتى يكون مجيبا عن أيهما كان ، وأشار المصنف إلى أنه لو قال لامرأته عند خروجها من المنزل إن رجعت إلى منزلي فأنت طالق ثلاثا ثم جلست فلم تخرج زمانا ثم خرجت ورجعت والرجل يقول نويت الفور فالظاهر أنه يصدق ; لأنه لو قال إن خرجت ، ولا نية له ينصرف إلى هذه الخرجة فكذا إذا قال إن رجعت ونوى الرجوع بعد هذه الخرجة كان أولى أن ينصرف إلى الرجوع عن هذه الخرجة كذا في المحيط ثم اعلم أن التقييد تارة يثبت صريحا وتارة يثبت دلالة والدلالة نوعان دلالة لفظية ودلالة حالية فدلالة اللفظ نحو ما إذا حلف لا يدخل على فلان تقيد بحال حياة المحلوف عليه والدلالة الحالية كما في الكتاب .

                                                                                        وفي المحيط أصله أن الحالف متى أعقب الفعل فعلا بحرف العطف ، وهو الفاء والواو فإن كان الفعل الثاني في العادة يفعل على فور الأول ، ولم يفعل حنث ، وإن لم يكن يفعل على فور الأول لا يحنث ما لم يمت ، وإن ذكر الفعل الثاني بحرف الشرط أو التراخي ، وهو حرف ثم فهو على الأبد ; لأن المشروط لا يتحقق إلا بعد وجود الشرط ، وكلمة ثم على التراخي فلو قال إن ضربتني فلم أضربك أو لقيتك فلم أسلم عليك ، وإن كلمتني فلم أجبك فهو على الفور باعتبار العادة ، وكذا لو قال إن استعرت دابتك فلم تعرني أو دخلت الدار فلم أقعد ، وإن ذكر بحرف الواو بأن قال إن كلمتك [ ص: 343 ] ولم تكلمني فهذا يحتمل قبل وبعد فتعتبر نيته ، ولو قال إن ركبت دابتي فلم أعطك دابتي فهو على الفور ، ولو قال إن أتيتني فلم آتك أو إن زرتني فلم أزرك فهو على الأبد إلى آخر ما ذكره ثم قال لو قال لامرأته إن لم تقومي الساعة وتجيئي إلى دار والدي فأنت طالق ثلاثا فقامت الساعة ، ولبست الثياب وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت هي أيضا ، وأتت دار والده بعدما أتاها الزوج لا يحنث ; لأن رجوع المرأة وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور ألا ترى أنه لو أخذها البول فبالت قبل لبس الثياب ثم لبست الثياب لم يحنث ألا ترى أن الرجل إذا قال لامرأته إن لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق ، وهما في التشاجر فطال بينهما كان على الفور حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث فإن خافت فوت الصلاة فصلت قال نصر بن يحيى حنث الرجل ; لأن الصلاة عمل آخر فينقطع به فور الأول ، وعلى قياس الحسن بن زياد لا يحنث ، وعليه الفتوى ، ولو اشتغلت بالوضوء للصلاة المكتوبة أو اشتغلت بالصلاة المكتوبة لا يحنث ; لأنه عذر شرعا فصار مستثنى من يمينه شرعا ، وعرفا ، ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو شربت حنث ; لأن هذا ليس بعذر شرعا . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية قال لها في الخصومة الحلال علي حرام إن لم تخرجي ، وقال ما أردت به الخروج للحال ثم خرجت بعد ساعات يحنث إن كانت الخصومة في الخروج ، وإلا فلا ، وفي الجامع لو قال لها إن لم أضربك فأنت طالق فهي على أربعة أقسام فإن كان فيه دلالة الفور بأن قصد ضربها فمنع انصرف إلى الفور ، وإن نوى الفور بدون الدلالة يصدق أيضا ; لأن فيه تغليظا ، وإن نوى الأبد أو لم تكن له نية انصرف إلى الأبد ، وإن نوى اليوم أو الغد لم تقبل نيته ، ولو قال لها إن أخذت من مالي شيئا ، ولم تخبريني فكذا فأخذت ، ولم تخبره في الحال ، ولا قبله ، وإنما أخبرته بعد أيام لا يحنث إن رأيت سارقا فلم أخبرك فهو على الفور ، وإن قال : ولم أخبرك ، وإن لم أخبرك فعلى التراخي ، ولا بد من الشرطين . ا هـ ما في القنية .

                                                                                        [ ص: 340 - 342 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 340 - 342 ] ( قوله : ولا خالفه أحد فيه بعد ذلك ) ينافي هذا الإطلاق ما في فتح القدير حيث قال : وقال زفر يحنث ، وهو قول الشافعي لأنه عقد يمينه على كل غد أو خروج وضرب فاعتبر الإطلاق اللفظي ( قوله : فمن الثاني امرأة تهيأت للخروج إلخ ) قال في الشرنبلالية في الفتح ما يشير إلى عدم اشتراط تغير تلك الهيئة الحاصلة مع إرادة الخروج حيث قال امرأة تهيأت إلى آخر هذه العبارة المذكورة هنا أي فإنه ذكر التهيؤ ، ولم يشترط للبر سوى الجلوس ساعة ، ولم يشترط تغير الهيئة التي قصدت الخروج بها فيقتضي أنها لو جلست ساعة على تلك الهيئة ثم خرجت عليها أيضا لم يحنث ، وهو ظاهر ، ولكن ربما يخالفه ما سيأتي قريبا عن المحيط من قوله ; لأن رجوع المرأة [ ص: 343 ] وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور إلا أن يفرق بين المسألتين فإن الحلف هنا على عدم الخروج ، وهناك على الخروج فكما فرق بينهما في الجلوس حيث قطع الفور في هذه ، ولم يقطعه في تلك كذلك يفرق بينهما في عدم اشتراط تغير الهيئة هنا ، وفي اشتراط بقائها على هيئة الخروج هناك فليتأمل . ، ( قوله : أو اشتغلت بالصلاة المكتوبة ) أطلقها عن التقييد بخوف الفوت كما في الخانية لكن تقدم قريبا التقييد به




                                                                                        الخدمات العلمية