( قوله : إن لبست أو أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصدق أصلا ) أي لا قضاء ، ولا ديانة ; لأن النية إنما تصح في الملفوظ ، والثوب والطعام والماء غير مذكور تنصيصا والمقتضى بالفتح لا عموم له فلغت نية التخصيص فيه كما في الهداية وغيرها فحنث بأي شيء أكل أو شرب أو لبس وتعقبهم في فتح القدير بأن التحقيق أن المفعول في لا آكل ، ولا ألبس ليس من باب المقتضى ; لأن المقتضى ما يقدر لتصحيح المنطوق ، وذلك بأن يكون الكلام مما يحكم بكذبه على ظاهره مثل رفع الخطأ والنسيان أو بعدم صحته شرعا مثل أعتق عبدك عني ، وليس قول القائل لا آكل يحكم بكذب قائله بمجرده ، ولا متضمنا حكما يصح شرعا نعم المفعول أعني المأكول من ضروريات وجود فعل الأكل ، ومثله ليس من باب المقتضى ، وإلا كان كل كلام كذلك إذ لا بد أن يستدعي معناه زمانا أو مكانا فكان لا يفرق بين قولنا الخطأ والنسيان مرفوعان وبين قام زيد وجلس عمرو فإنما هو من باب حذف المفعول اقتصارا أو تناسيا ، وطائفة من المشايخ ، وإن فرقوا بين المقتضى والمحذوف وجعلوا المحذوف يقبل العموم قلنا لك أن تقول إن عمومه لا يقبل التخصيص ، وقد صرح من المحققين جمع بأن من العمومات ما لا يقبل التخصيص مثل المعاني إذا قلنا بأن العموم من عوارض المعاني كما هو من عوارض الألفاظ وغير ذلك فكذلك هذا المحذوف إذ ليس في حكم المنطوق لتناسيه ، وعدم الالتفات إليه إذ ليس الغرض إلا الإخبار بمجرد الفعل على ما عرف أن الفعل المتعدي قد ينزل منزلة اللازم لما قلنا ، والاتفاق على عدم صحة التخصيص في باب المتعلقات من الزمان والمكان حتى لو لا تصح نيته بالاتفاق . ا هـ . نوى لا يأكل في مكان دون آخر أو زمان
وفي البدائع لا يصدق قضاء ، ولا ديانة ، وفي فتح القدير حلف لا يركب ونوى الخيل لا يصدق أصلا ، وكذا لا يسكن دار فلان ، وعنى بأجر ، ولم يسبق قبل ذلك كلام بأن استأجرها منه أو استعارها فأبى فحلف ينوي السكن بالإجارة والإعارة لا يصح أصلا ، وكذلك لو حلف لا يغتسل أو لا ينكح ، وعنى من جنابة أو امرأة دون امرأة لا يصح ; لأنه نية تخصيص الصفة ، ولو نوى حبشية أو عربية صحت ديانة ; لأنه تخصيص في الجنس ، وفي البدائع لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية كانت نيته باطلة وحنث إن كلمه ، ولو حلف لا يكلم هذا القائم ، وعنى به ما دام قائما دين لورود التخصيص على الملفوظ . حلف لا يكلم هذا الرجل ، وعنى به ما دام قائما لكنه لم يتكلم بالقيام
وكذلك إذا فبأي شيء ضربه فقد خرج من يمينه والنية باطلة ، ولو قال والله لأضربن فلانا خمسين ، وهو ينوي بسوط بعينه كان أبوها يعمل كذا ، وكذا [ ص: 355 ] فهو باطل . ا هـ . قال والله لا أتزوج امرأة ، وعنى امرأة
وخرج عن هذا الأصل فعل الخروج والمساكنة فإذا قال إن خرجت فعبدي حر ونوى السفر مثلا يصدق ديانة فلا يحنث بالخروج إلى غيره تخصيصا لنفس الخروج بخلاف ما إذا نوى الخروج إلى مكان خاص كبغداد حيث لا يصح ; لأن المكان غير مذكور ، وكذا لو يصح قالوا ; لأن الخروج في نفسه متنوع إلى سفر وغيره حتى اختلفت أحكامها ، وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة ، وهي المساكنة في بيت واحد ، وإلى مطلقة ، وهي ما تكون في دار ، وفيه بحث مذكور في فتح القدير . حلف لا يساكن فلانا ونوى المساكنة في بيت واحد
( قوله : ولو زاد ثوبا أو طعاما أو شرابا دين ) أي قبل منه نية التخصيص ديانة لا قضاء ; لأنه نكرة في الشرط فتعم كالنكرة في النفي لكنه خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي ، وفي البدائع قال يصدق فيما بينه وبين الله تعالى بخلاف ما إذا قال والله لا أتزوج امرأة على وجه الأرض ينوي امرأة بعينها فإن نيته باطلة ; لأنه تخصيص الصفة فأشبه الكوفية والبصرية . ا هـ . قال لا أشتري جارية ونوى متولدة
قيد المصنف رحمه الله بكونه نوى البعض دون البعض ; لأنه لو نوى الكل صدق قضاء وديانة ، ولا يحنث أصلا لما في المحيط لو يصدق في القضاء ، وفي البدائع لو حلف لا يأكل طعاما أو لا يشرب شرابا ، وعنى جميع الأطعمة أو جميع مياه العالم فيمينه على بعض الجنس ، وإن أراد به الجنس صدق ; لأنه نوى ما هو حقيقة كلامه ، وفي الكشف الكبير إذا قال والله لا أشرب ماء أو الماء أو لا آكل طعاما أو الطعام أنه يقع على الأدنى ; لأنه هو المتيقن ، وهو الكل لولا غيره فيكون فيه معنى الجنسية أيضا ، وإن نوى الكل صحت نيته فيما بينه وبين الله تعالى حتى لا يحنث أصلا ; لأنه نوى محتمل كلامه ; لأنه فرد من حيث إنه اسم جنس لكنه عدد من وجه فلم يتناوله الفرد إلا بالنية كذا في شرح الجامع قال والله لا آكل الطعام أو لا أشرب الماء أو لا أتزوج النساء لفخر الإسلام ، وهذا يشير إلى أنه لا يصدق قضاء إن كان اليمين بطلاق أو نحوه ; لأنه خلاف الظاهر إذ الإنسان إنما يمنع نفسه باليمين عما يقدر عليه وشرب كل المياه ليس في وسعه ، وفيه تخفيف عليه أيضا .
وقال شمس الأئمة قالوا : وإطلاق الجواب دليل على أنه يصدق قضاء وديانة إن كان اليمين بطلاق ونحوه ; لأنه نوى حقيقة كلامه ، وعن أبي القاسم الصفار أنه لا يصدق قضاء ; لأنه نوى حقيقة لا تثبت إلا بالنية فصار كأنه نوى المجاز . ا هـ .
ثم اعلم أن الفرق بين الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق ، وأما في الحلف بالله تعالى فلا يظهر ; لأن الكفارة حق الله ليس للعبد فيها حق حتى يرفع الحالف إلى القاضي ، وفي الواقعات إذا فاليمين على ما نوى ، وإن كان ظالما فاليمين على نية من استحلفه وبه أخذ استحلف الرجل بالله ، وهو مظلوم أبو حنيفة ، وفي اليمين بالطلاق اليمين على نية الحالف [ ص: 356 ] وفي الولوالجية من الطلاق نية تخصيص العام لا تصح ، وعند ومحمد الخصاف تصح حتى إن من لا تصح نيته في ظاهر المذهب ، وقال حلف ، وقال كل امرأة أتزوجها فهي طالق ثم قال نويت به من بلدة كذا الخصاف تصح ، وكذا من لا تصح نيته في ظاهر المذهب ، وقال غصب دراهم إنسان ووقت ما حلفه الخصم عاما نوى خاصا الخصاف تصح لكن هذا في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى نية تخصيص العام صحيحة بالإجماع مذكور في الكتب من مواضع منها الباب الخامس من أيمان الجامع الكبير ، وما قاله الخصاف مخلص لمن حلفه ظالم والفتوى على ظاهر المذهب فمتى وقع في يد الظلمة ، وأخذ بقول الخصاف لا بأس به . ا هـ .
[ ص: 354 - 355 ]