( قوله ) : ( حنث ) ; لأنه في المسألة الأولى كلمه وقد وصل إلى سمعه ، وقد شرط لا يكلمه فناداه ، وهو نائم فأيقظه أو إلا بإذنه فأذن له ، ولم يعلم المصنف أن يوقظه ، وهي رواية المبسوط ، وعليه مشايخنا ، وهو المختار ; لأنه إذا لم ينتبه كان كما إذا ناداه من بعيد ، وهو بحيث لا يسمع صوته لا يحنث ، ولم يشترطه كما إذا ناداه ، وهو بحيث يسمع لكنه لم يفهم لتغافله ، وهي من المسائل التي جعل النائم فيها كالمستيقظ ، وهي خمس وعشرون ذكرناها في باب التيمم وصحح القدوري الإمام السرخسي الحنث ، وإن لم يوقظه لما ذكره في السير الكبير إذا نادى المسلم أهل الحرب بالأمان من موضع يسمعون صوته إلا أنهم لا يسمعون لشغلهم بالحرب فهو أمان . ا هـ . محمد
وقد فرق بأن الأمان يحتاط في إثباته ، وقيد بكونه نائما ; لأنه لو كان مستيقظا حنث إن كان بحيث يسمع صوته إن أصغى إليه أذنه ، وإن لم يسمع لعارض أمر كان مشغولا به أو كان أصم ، وإن كان لا يسمع صوته لو أصغى إليه أذنه لشدة البعد لا يحنث كذا في الذخيرة ، وفيها لا يحنث [ ص: 361 ] حتى يكلمه بكلام مستأنف بعد اليمين منقطع عنها لا متصل بها فلو قال موصولا إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي أو اخرجي أو قومي أو شتمها أو زجر متصلا لا يحنث ; لأن هذا من تمام الكلام الأول فلا يكون مرادا باليمين إلا أن يريد به كلاما مستأنفا ، وفي المنتقى لو قال فاذهبي أو واذهبي لا تطلق ، ولو قال اذهبي طلقت ; لأنه منقطع عن اليمين ، وفي نوادر عن ابن سماعة لا أكلمك يوما أو غدا حنث ; لأنه كلمه اليوم بقوله أو غدا . ا هـ . محمد
وتعقبه في فتح القدير بأنه لا شك في عدم صحته ; لأنه كلام واحد فإنه إذا أراد أن يحلف على أحد الأمرين لا يقال إلا كذلك ، وعن هذا إذا لا يحنث وانحلت يمينه لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء ، ولو قال لها إن ابتدأتك بكلام ، وقالت له هي كذلك لا يحنث إذا كلمها ; لأنه لم يبتدئها ، ولا يحنث بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها ، ولو قال لآخر إذا ابتدأتك بكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل على الآخر معا حنث إلا أن لا يقصده فيصدق ديانة لا قضاء . حلف لا يكلمه فسلم على قوم هو فيهم
أما لو قال السلام عليكم إلا على واحد صدق قضاء عندنا ، ولو سلم من الصلاة فإن كان إماما قيل إن كان المحلوف عليه عن يمينه لا يحنث ، وإن كان عن يساره حنث ; لأن الأولى واقعة في الصلاة فلا يحنث بها بخلاف الثانية ، وقيل لا يحنث بهما ; لأنهما في الصلاة من وجه ، وكذا عن أنه لا يحنث بهما ، وهو الصحيح ، ولو دق عليه الباب فقال من حنث ، ولو ناداه المحلوف عليه فقال لبيك أو لبى حنث ، ولو كلمه الحالف بكلام لم يفهمه المحلوف عليه ففيه روايتان ، ولو أراد أن يأمر بشيء فقال : وقد مر المحلوف عليه يا حائط اسمع افعل كيت ، وكيت فسمعه المحلوف عليه ، وفهمه لا يحنث لما روي أن محمد حلف لا يكلم عبد الرحمن بن عوف عثمان فكان إذا مر به يقول يا حائط اصنع كذا كذا ويا حائط كان كذا ، ولو لا تطلق ; لأنها ما شكت إليه ; لأنها لم تخاطبه ، ولو قال إن شكوت بين يدي أخيك قال في الكتاب هذا أشد يريد به أنه يخاف عليه أن يحنث والظاهر أنه لا يحنث ; لأنه يراد في العرف بالشكاية بين يديه الشكاية إليه كذا في الواقعات . قال لامرأته إن شكوت مني إلى أخيك فأنت طالق فجاء أخوها ، وعندها صبي لا يعقل فقالت المرأة إن زوجي فعل بي كذا ، وكذا وخاطبت الصبي بذلك حتى سمع أخوها
ولو حنث ، ولو جاءه كافر يريد الإسلام فبين صفة الإسلام مسمعا له ، ولا يوجه إليه لم يحنث ، وفي المحيط لو سبح الحالف للمحلوف عليه للسهو أو فتح عليه القراءة ، وهو مقتد لم يحنث وخارج الصلاة يحنث ، ولو كتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا لا يحنث ; لأنه لا يسمى كلاما عرفا خلافا حلف لا يتكلم فناول امرأته شيئا فقال ها لمالك واستدلالهم بقوله تعالى { وأحمد وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا } إلى قوله { أو يرسل رسولا } أجيب عنه بأن مبنى الأيمان على العرف .
واعلم أن الكلام لا يكون إلا باللسان فلا يكون بالإشارة ، ولا بالكتابة ، والإخبار والإقرار والبشارة تكون بالكتابة لا بالإشارة والإيماء ، والإظهار والإفشاء والإعلام يكون بالإشارة أيضا فإن نوى في ذلك كله أي في الإظهار والإفشاء والإعلام والإخبار كونه [ ص: 362 ] بالكلام والكتابة دون الإشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى ، ولو حلف لا يحدثه لا يحنث إلا أن يشافهه ، وكذا لا يكلمه يقتصر على المشافهة ، ولو قال لا أبشره فكتب إليه حنث ، وفي قوله إن أخبرتني أن فلانا قدم ونحوه يحنث بالصدق والكذب ، ولو قال بقدومه ونحوه فعلى الصدق خاصة ، وكذا إن أعلمتني ، وكذا البشارة ، ومثله إن كتبت إلي أن فلانا قدم فكتب قبل قدومه فوصل إليه الكتاب حنث سواء وصل إليه قبل قدومه أو بعده بخلاف إن كتبت إلي بقدومه لا يحنث حتى يكتب بقدومه الواقع وذكر هشام عن سألني محمد عمن هارون الرشيد هل يحنث فقلت : نعم يا أمير المؤمنين إذا كان مثلك قال حلف لا يكتب إلى فلان فأمر من يكتب إليه بإيماء أو إشارة السرخسي ، وهذا صحيح ; لأن السلطان لا يكتب بنفسه ، وإنما يأمر به ، ومن عادتهم الأمر بالإيماء والإشارة ، ولو لا يحنث عند حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه حتى فهمه ويحنث عند أبي يوسف ; لأن المقصود الوقوف على ما فيه لا عين التلفظ به ، ولو حلف لا يكلم فلانا ، وفلانا لم يحنث بكلام أحدهما إلا أن ينوي كلا منهما فيحنث بكلام أحدهما ، وعليه الفتوى ، وإن ذكر خلافه في بعض المواضع كذا في فتح القدير . محمد
ولو حنث ، ولو قال لا أذكرك شيئا فهو على المواجهة ، ولا يحنث بالكتابة ، ولو قال لا أظهر سرك ، ولا أفشي أبدا فإن صرح إلى رجل واحد وذكره فقد أفشى سره ، وكذلك يحنث بالكتابة والرسالة إلى إنسان كذا في المحيط ، وفي الواقعات قال لا أبلغك شيئا فكتب إليه لا يحنث ما لم يتكلم ; لأن الكذب تكلم بكلام هو كذب ابن بين زيد ، وعمرو حلف أن لا يكذب فسأله إنسان عن أمر فحرك رأسه بالكذب حنثا ; لأن كل واحد كلم ابن من سمى إن كلمت امرأة فعبدي حر فكلم صبية لم يحنث ، ولو قال إن تزوجت امرأة فتزوج صبية حنث ; لأن الصبا مانع من هجران الكلام فلا تراد الصبية في اليمين المعقودة على الكلام عادة ، ولا كذلك التزوج . ا هـ . حلف رجل لا يكلم ابن زيد وحلف الآخر لا يكلم ابن عمرو فكلما هذا الابن
وفي الظهيرية حنث ، ولو كان معها غيرها لا يحنث ، ولو قال ليت شعري من وضع هذا لا يحنث ; لأنه استفهم نفسه ، ولو قرأ الحالف كتابا على المحلوف عليه والمحلوف عليه يكتب إن قصد الحالف إملاء المحلوف عليه قالوا يخاف عليه الحنث . ا هـ . حلف لا يكلم امرأته فدخل داره ، وليس فيها غيرها فقال من وضع هذا
وفي السراجية عن محمد بن الحسن أنه سأل حال صغره فيمن أبا حنيفة فقال قال لآخر والله لا أكلمك ثلاث مرات ثم ماذا فتبسم أبو حنيفة محمد رحمه الله ، وقال انظر حسنا يا شيخ فنكس ثم رفع رأسه فقال حنث مرتين فقال له أبو حنيفة محمد أحسنت فقال لا أدري أي الكلمتين أوجع لي قوله : انظر حسنا أو أحسنت . ا هـ . أبو حنيفة
وأما المسألة الثانية وهي ما إذا الإذن مشتق من الأذان الذي هو الإعلام أو من الوقوع في الأذن ، وكل ذلك لا يتحقق إلا بالسماع ، وقال حلف لا يكلمه إلا بإذنه فأذن له ، ولم يعلم بالإذن حتى كلمه فلان لا يحنث ; لأن الإذن هو الإطلاق ، وأنه يتم بالإذن كالرضا قلنا الرضا من أعمال القلب ، ولا كذلك الإذن على ما مر ، ولا يخالفه ما في التتمة والفتاوى الصغرى إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم لا يصح الإذن حتى إذا علم يصير مأذونا ; لأن الإذن يثبت موقوفا على العلم فليس له قبل العلم حكم الإذن ، ولذا قال في الشامل إذا أذن لعبده فلم يعلم به أحد من الناس فتصرف العبد ثم علم بإذنه لم يجز تصرفه . أبو يوسف