الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : لا يأكل طعام زيد أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته إن أشار وزال ملكه ، وفعل لم [ ص: 366 ] يحنث كالمتجدد ، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال وحنث بالمتجدد ، وفي الصديق والزوجة حنث في المشار بعد الزوال ، وفي غير المشار لا وحنث بالمتجدد ) بيان لمسائل الأصل فيها أنه إذا حلف على هجران محل مضاف إلى فلان كلا يكلم عبد فلان أو زوجته أو صديقه أو لا يدخل داره أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب فرسه أو لا يأكل طعامه أو من طعامه فلا شك أن هذه الإضافة في الكل معرفة لعين ما عقد اليمين على هجره سواء كانت إضافة ملك كعبده وداره ودابته أو إضافة نسبة أخرى غير الملك كزوجته وصديقه فالإضافة مطلقا تفيد النسبة والنسبة أعم من كونها نسبة ملك أو غيره فلا يصح جعل إضافة النسبة تقابل إضافة الملك كما في الهداية وغيرها ; لأنه لا تقابل بين الأعم والأخص إلا أن يكون مخصوص عرف اصطلاحي ، وإذا كانت هذه الإضافة مطلقا للتعريف فبعد ذلك إما أن يقرن به لفظ الإشارة كقوله لا أكلم عبده هذا أو لا فعلى تقدير عدم الإشارة الظاهر أن الداعي في اليمين كراهته في المضاف إليه ، وإلا لعرفه باسمه العلم ثم أعقبه بالإضافة إن عرض اشتراك مثل لا أكلم راشدا عبد فلان ليزيل الاشتراك العارض في اسم راشد فلما اقتصر على الإضافة ، ولم يذكر اسمه ، ولا أشار إليه كان الظاهر أنه لمعنى في المضاف إليه ، وإن احتمل أن يهجر بغضا لذاته أيضا كالزوجة والصديق فلا يصار إليه بالاحتمال وحينئذ فاليمين منعقدة على هجر المضاف حال قيام الإضافة وقت الفعل بأن كان موجودا وقت اليمين ودامت الإضافة إلى وقت الفعل أو انقطعت ثم وجدت بأن باع وطلق ثم استرد أو لم يكن وقت اليمين فاشتري عبدا فكلمه حنث .

                                                                                        وكذا لو لم تكن له زوجة فاستحدث زوجة والحاصل أنه إذا أضاف ، ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الإضافة ويحنث في المتجدد بعد اليمين في الكل لوجودها ، وإذا أضاف ، وأشار فإنه لا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد بالمعاداة ، وإلا حنث ، ولم يذكر المصنف العبد للاختلاف فالمذهب أنه كالدار ; لأنه لا يقصد بالمعاداة وروى ابن سماعة أنه كالصديق ووجه الظاهر أن العبد ساقط الاعتبار عند الأحرار فإنه يباع في الأسواق كالحمار فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه ، وفي بعض الشروح لا أتزوج بنت فلان لا يحنث بالبنت التي تولد بعد اليمين بالإجماع ، وهو مشكل فإنها إضافة نسبية فينبغي أن تنعقد على الموجود حال التزوج فلا جرم أن في التفاريق عن أبي يوسف إن تزوجت بنت فلان أو أمته على الموجود والحادث كذا في فتح القدير ، وأطلق المصنف في زوال الملك في المسألة الأولى فشمل ما إذا زالت الملك من المحلوف عليه إلى الحالف كما إذا حلف لا يأكل طعامك هذا فأهداه له فأكله لم يحنث في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد يحنث ، وكذلك في بقية المسائل لا فرق في الزوال بين أن يكون إلى الحالف أو لا كذا في الذخيرة ، ولو حلف لا يأكل من غلة أرضه فأكل من ثمن الغلة حنث ; لأنه في العرف يسمى آكلا غلة أرضه ، وإن نوى أكل نفس ما يخرج منها صدق ديانة ، وقضاء ; لأنه نوى الحقيقة كذا في الذخيرة أيضا .

                                                                                        ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فالكسب ما صار له بفعله كأخذ المباحات أو بقبوله في العقود فأما الميراث فليس بكسبه ; لأن الملك يثبت فيه بغير صنعه فلا يضاف إلى كسبه فإذا حلف لا يأكل من كسب فلان فورث المحلوف عليه شيئا ، وأكل الحالف لا يحنث ، ولو اشترى الحالف من المحلوف عليه مما اكتسبه المحلوف عليه ، وأكله لم يحنث ; لأن شرط الحنث أكل مكسوب فلان ، وهذا أكل مكسوب نفسه فلو وهبه له أو تصدق به عليه ، وأكله حنث ، ولو مات المحلوف عليه وترك مالا اكتسبه وورثه رجل فأكله الحالف حنث ; لأن الثابت للوارث عين الثابت للمورث ، وكذلك لو ورثه الحالف ، وأكله حنث ; لأنه كسب فلان الميت قال في الواقعات بخلاف قوله [ ص: 367 ] مال فلان الميت وبخلاف ما لو انتقل إلى غيره بغير الميراث بشراء أو وصية حيث لا يحنث ; لأنه صار كسبا للثاني .

                                                                                        ولو حلف لا يأكل من ميراث فلان فمات المحلوف عليه ثم مات وارثه وورثه غيره فأكله الحالف لم يحنث ; لأن بالإرث الثاني ينتسخ حكم الأول ، ولو حلف لا يأكل من ميراث أبيه شيئا فاشترى بما ورث طعاما ، وأكله حنث ، ولو اشترى بالميراث شيئا واشترى بذلك الطعام طعاما ، وأكله لم يحنث ، ولو حلف لا يأكل من ملك فلان أو مما ملكه فلان فخرج شيء من ملكه إلى ملك غيره ، وأكله الحالف لا يحنث ، وكذلك لو حلف لا يأكل طعام فلان ، ولو حلف لا يأكل مما يشتري فلان فاشترى لنفسه أو لغيره ، وأكله الحالف يحنث ، ولو باعه المحلوف عليه ثم أكل الحالف لا يحنث ; لأن الشراء الثاني فسخ للأول ، ولو حلف لا يأكل من مال فلان فغصب منه حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه ، وأكله يحنث هكذا ذكر في موضع من المنتقى وذكر في موضع آخر منه لا يحنث ، ولو قال لا آكل من طعام فلان فغصبه منه ، وأكله حنث ، ولو حلف لا يأكل مما زرع فلان فباع فلان زرعه ، وأكله الحالف يحنث ; لأن الزراعة لا يفسخها الشراء ، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان ، وفلان بائع الطعام فاشترى منه ، وأكل حنث الكل من الذخيرة والفرع الأخير ، وارد على قول المصنف ، وإن لم يشر لا يحنث بعد الزوال فيقيد كلام المصنف بأن لا يكون فلان بائع الطعام ، وعلله في الواقعات بأنه يراد به طعامه باسم ما كان مجازا عرف ذلك بحكم دلالة الحال ، وكذا هذا في قوله لا ألبس من ثياب فلان ، وهو نظير قوله لا آكل من مال أبوي بعد موتهما . ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة أيضا لو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بينه وبين غيره يحنث لإطلاق الطعام على القليل والكثير بخلاف الدار والثوب ، ولو حلف لا يأكل من خبز فلان فأكل من خبز بينه وبين غيره يحنث بخلاف ما إذا حلف لا آكل من رغيف فلان فأكل من رغيف بينه وبين آخر لا يحنث ; لأن اسم الخبز يطلق على القليل والكثير ، ولا كذلك اسم الرغيف ، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من طعام مشترك بين الحالف وبين فلان لا يحنث ; لأن ما أكل الحالف هو من حصته ، ولو حلف لا يزرع أرض فلان فزرع أرضا بينه وبين غيره حنث ; لأن كل جزء من الأرض يسمى أرضا ، ولا كذلك الثوب والدار فإن كل جزء من الدار لا يسمى دارا ، وكذلك كل جزء من الثوب لا يسمى ثوبا . ا هـ .

                                                                                        وفي الواقعات حلف لا يأكل لحما يشتريه فلان فاشترى سخلة وذبحها فأكله الحالف لا يحنث ; لأن فلانا ما اشتراه بعدما صار لحما ، ولو حلف لا يأكل من طعام فلان فأكل من خله بطعام نفسه أو بزيته أو بملحه حنث ; لأنه أكل من طعامه ، ولو حلف لا يأكل من مال ابنه ، وكان بينه وبين ابنه حب من خل فأكل منه يحنث ; لأنه أكل من مال الابن . ا هـ .

                                                                                        ويحتاج حينئذ إلى الفرق بين الطعام والمال كما لا يخفى ، وفي الواقعات أيضا قال إن أكلت من مال ختني شيئا فامرأتي طالق فدفع إليه عجين ختنه فجعل في عجين آخر وخبزه فأكل لا يحنث ; لأن العجين قد ذهب . وكذا لو حلف لا يشرب من شرابه ، ولا يأكل من لحمه فأخذ ماء ، وملحا للمحلوف عليه وجعلهما في عجين لا يحنث إذا أكل من ذلك الخبز ; لأن ذلك قد تلاشى ، ولو حلف لا يأكل من كسب فلان فأكل كسرة مطروحة في بيت المحلوف عليه فإن كانت الكسرة بحال لا يعطى مثلها الفقير لا يحنث ، وإن كان بحال يعطى مثلها الفقير يحنث . ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن ما في المختصر إنما هو عند عدم النية ، وأما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى ; لأنه محتمل كلامه ، وفي الذخيرة حلف لا يأكل من طحن فلان أو من خبزه فهذا على الماضي والمستقبل ، وكذلك قوله : مما خبز فلان مما اشترى فلان على الماضي والمستقبل . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف أو لا يركب دابته ) قال الرملي في النسخ التي لدينا متونا وشروحا بعد هذا ، ولا يكلم عبده والذي يظهر أن النسخة التي شرح عليها ليس فيها ذلك فلذا قال فيما يأتي ، ولم يذكر المصنف العبد فتأمل . [ ص: 366 ] ( قوله : وإلا حنث ) ظاهره يحنث في المتجدد أيضا مع أن الزيلعي عند قول المصنف وحنث بالمتجدد أي حنث بالمتجدد من العبدين والزوجة في هذه الصورة ، وهي ما إذا حلف لا يكلم صديق فلان أو زوجته ، ولم يشر إليه . ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن قوله وحنث بالمتجدد راجع إلى صورة عدم الإشارة ، وأنه لو أشار لا يحنث بالمتجدد كما في مسألة ما إذا كان المضاف لا يقصد بالمعاداة .




                                                                                        الخدمات العلمية