( قوله : والطواف ) أي بالبيت وكذا الجنابة لما في الصحيحين { ويمنع الحيض الطواف رضي الله عنها لما حاضت لعائشة بسرف اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي } فكان طوافها حراما ولو فعلته كانت عاصية معاقبة وتتحلل به من إحرامها بطواف الزيارة وعليها بدنة كطواف الجنب كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى ، وعلل للمنع صاحب الهداية بأن الطواف في المسجد وكان الأولى عدم الاقتصار على هذا التعليل فإن حرمة الطواف جنبا ليس منظورا فيه إلى دخول المسجد بالذات بل لأن الطهارة واجبة في الطواف فلو لم يكن ثمة مسجد حرم عليها الطواف ، كذا في فتح القدير وغيره . أنه عليه الصلاة والسلام قال
وقد يقال : إن حرمة الطواف عليها إنما هي لأجل كونه في المسجد ، وأما إذا لم يكن الطواف في المسجد بل خارجه فإنه مكروه كراهة تحريم لما عرف من أن الطهارة له واجبة على الصحيح فتركها يوجب كراهة التحريم ولا يوجب التحريم إلا ترك الفرض ولو حاضت بعدما دخلت وجب عليها أن لا تطوف وحرم مكثها كما صرحوا به . ( قوله : وقربان ما تحت الإزار ) أي ، أما حرمة ويمنع الحيض قربان زوجها ما تحت إزارها فمجمع عليها لقوله تعالى { وطئها عليه ولا تقربوهن حتى يطهرن } ووطؤها في الفرج عالما بالحرمة عامدا مختارا كبيرة لا جاهلا ولا ناسيا ولا مكرها فليس عليه إلا التوبة والاستغفار وهل يجب التعزير أم لا ، ويستحب أن يتصدق بدينار أو نصفه وقيل بدينار إن كان أول الحيض ونصفه أن وطئ في آخره كأن قائله رأى أن لا معنى للتخيير بين القليل والكثير في النوع الواحد ومصرفه مصرف الزكاة كما في السراج الوهاج وقيل : إن كان الدم أسود يتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فبنصف دينار ، ويدل له ما رواه أبو داود وصححه { والحاكم } وفي السراج الوهاج وإذا أخبرته بالحيض قال بعضهم : إن كانت فاسقة لا يقبل قولها ، وإن كانت عفيفة يقبل قولها وترك وطأها . وقال بعضهم : إن كان صدقها ممكنا بأن كانت في أوان حيضها قبلت ولو كانت فاسقة كما في العدة وهذا القول أحوط وأقرب إلى الورع . ا هـ . إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار
فعلم من هذا أنها إذا كانت فاسقة ولم يغلب على ظنه صدقها بأن كانت في غير أوان حيضها لا يقبل قولها اتفاقا كما قالوا في إخبار الفاسق أنه يشترط لوجوب العمل به أن يغلب على الظن صدقه ، وبهذا علم أن ما في فتح القدير من أن الحرمة تثبت بإخبارها وإن كذبها ليس على إطلاقه بل إذا كانت عفيفة أو غلب على الظن صدقها بخلاف من علق به طلاقها فأخبرته به فإنه يقع الطلاق عليه وإن كذبها مطلقا لتقصيره في تعليقه بما لا يعرف إلا من جهتها وهذا إذا وطئها غير مستحل ، فإن كان مستحلا له فقد جزم صاحب المبسوط والاختيار وفتح القدير وغيرهم بكفره وذكره القاضي الإسبيجابي بصيغة وقيل وصحح أنه لا يكفر صاحب الخلاصة ويوافقه ما نقله أيضا من الفصل الثاني في ألفاظ الكفر من اعتقد الحرام حلالا أو على القلب يكفر إذا كان حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل مقطوع به ، أما إذا كان حراما لغيره بدليل مقطوع به أو حراما لعينه بأخبار الآحاد لا يكفر إذا اعتقده حلالا ا هـ .
فعلى هذا لا يفتى بتكفير مستحله لما في الخلاصة أن المسألة إذا كان فيها وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه . ا هـ .
وأما فمذهب الاستمتاع بها بغير الجماع أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي يحرم عليه ما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الإزار ، كذا في فتح القدير وفي المحيط وفتاوى ومالك الولوالجي وتفسير الإزار على قولهما قال [ ص: 208 ] بعضهم الإزار المعروف ويستمتع بما فوق السرة ولا يستمتع بما تحتها وقال بعضهم هو الاستتار فإذا استترت حل له الاستمتاع . ا هـ . والظاهر ما اقتصر عليه في فتح القدير .
وقال محمد بن الحسن لا يحرم ما سوى الفرج واختاره من المالكية وأحمد ومن الشافعية أصبغ النووي لما أخرج الجماعة إلا { البخاري اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت ; فسألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى { ويسألونك عن المحيض } فقال النبي صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح } وفي رواية { أن إلا الجماع } .
وللجماعة ما عن { عبد الله بن سعد } رواه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال لك ما فوق الإزار أبو داود وسكت عليه فهو حجة وإذن فالترجيح له ; لأنه مانع وذلك مبيح ولخبر { } ، وأما ترجيح من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه السروجي قول بأن دليله منطوق ودليلنا مفهوم والمنطوق أقوى فكان مقدما فغير صحيح ، أما الأول فلأنه لا يلزم أن يكون دليلنا مفهوما بل يحتمل أن يكون منطوقا فإن السائل سأل عن جميع ما يحل له من امرأته الحائض فقوله لك ما فوق الإزار معناه جميع ما يحل لك ما فوق الإزار ليطابق الجواب السؤال ، وأما ثانيا فلأنه لو سلم أنه مفهوم كان هذا المفهوم أقوى من المنطوق ; لأنه يدل على المفهوم بطريق اللزوم لوجوب مطابقة جوابه عليه السلام لسؤال السائل ولو كان هذا المفهوم غير مراد لم يطابق فكان ثبوته واجبا من اللفظ على وجه لا يقبل تخصيصا ولا تبديلا لهذا العارض والمنطوق من حيث هو منطوق يقبل ذلك فلم يصح الترجيح في خصوص المادة بالمنطوقية ولا المرجوحية بالمفهومية ، وقد كان فعله صلى الله عليه وسلم على ذلك { محمد } متفق عليه . فكان لا يباشر إحداهن وهي حائض حتى يأمرها أن تأتزر
وأما قوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإن كان نهيا عن الجماع عينا فلا يمتنع أن نثبت حرمة أخرى في محل آخر بالسنة ، وإياك أن تظن أن هذه من الزيادة على النص بخبر الواحد ; لأنها تقيد مطلق النص فتكون معارضة له في بعض متناولاته وما أثبتته السنة فيما نحن فيه شرع ما لم يتعرض له النص القرآني فلم يكن من باب الزيادة ، وإن كان نهيا عما هو أعم من الجماع من أفراد المنهي عنه لتناوله حرمة الاستمتاع بها أعني من الجماع وغيره من الاستمتاعات ، ثم يظهر تخصيص بعضها بالحديث المفيد لحل ما سوى ما بين السرة والركبة فيبقى ما بينهما داخلا في عموم النهي عن قربانه ، وإن لم يحتج إلى هذا الاعتبار في ثبوت المطلوب لما بينا ، كذا في فتح القدير مع بعض اختصار .
واعلم أنه كما يحرم عليه الاستمتاع بما بين السرة والركبة يحرم عليها التمكين منه ولم أر لهم صريحا حكم مباشرتها له ولقائل أن يمنعه ; لأنه لما حرم تمكينها من استمتاعه بها حرم فعلها بالأولى ولقائل أن يجوزه ; لأن حرمته عليه لكونها حائضا وهو مفقود في حقه فحل لها الاستمتاع به ولأن غاية مسها لذكره أنه استمتاع بكفها وهو جائز قطعا .
( تنبيهات )
وقع في بعض العبارات لفظ الاستمتاع وهو يشمل النظر واللمس بشهوة ووقع في عبارة كثير لفظ المباشرة والقربان ومقتضاها تحريم اللمس بلا شهوة فبينهما عموم وخصوص من وجه والذي يظهر أن التحريم منوط بالمباشرة ولو بلا شهوة بخلاف النظر ولو بشهوة وليس هو أعظم من تقبيلها [ ص: 209 ] في وجهها بشهوة كما لا يخفى ، وقد علم من عباراتهم أن يجوز الاستمتاع بالسرة وما فوقها وبالركبة وما تحتها والمحرم الاستمتاع بما بينهما وهي أحسن من عبارة بعضهم يستمتع بما فوق السرة وما تحت الركبة كما لا يخفى فيجوز له الاستمتاع فيما عدا ما ذكر بوطء وغيره ولو بلا حائل وكذا بما بينهما بحائل بغير الوطء ولو تلطخ دما ، ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من عجين أو ماء أو غيرهما إلا إذا توضأت بقصد القربة كما هو المستحب على ما قدمناه فإنه يصير مستعملا وفي فتاوى الولوالجي ولا ينبغي أن يعزل عن فراشها ; لأن ذلك يشبه فعل اليهود وفي التجنيس وغيره لا تدع الصلاة ; لأن هذا ليس بحيض ويستحب أن تغتسل عند انقطاع الدم ، وإن أمسك زوجها عن الإتيان كان أحب إلي لمكان الصورة وهو الدم من الفرج . ا هـ . وقد قدمناه عن الخلاصة . امرأة تحيض من دبرها