الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومن سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه أو ملكه بعد القضاء أو ادعى أنه ملكه أو نقصت قيمته عن النصاب لم يقطع ) بيان لأربع مسائل لا قطع فيها الأولى : لو سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه فلا قطع ; لأن الخصومة شرط لظهور السرقة ; لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع المنازعة ، وقد انقطعت الخصومة قيد بالرد بما قبل الخصومة أي قبل المرافعة إلى القاضي ; لأنه لو ورد بعد المرافعة إلى القاضي قطع لانتهاء الخصومة لحصول مقصودها فتبقى تقديرا كذا في الهداية وهو شامل لما إذا رده بعد القضاء بالقطع وما إذا رده بعدما شهد الشهود ولم يقض القاضي استحسانا ; لأن السرقة قد ظهرت عند القاضي بما هو حجة بناء على خصومة معتبرة كذا في التبيين فالمراد بالخصومة الدعوى ، والشهادة أو الإقرار فلو ادعى ولم يثبت ثم رده ينبغي أن لا قطع لعدم ظهورها عند القاضي فهي رباعية .

                                                                                        لأن الرد إما أن يكون بعد الترافع إلى القاضي قبل الدعوى أو بعدها قبل الثبوت أو بعدهما قبل القضاء أو بعد الثلاثة فلا قطع في الأوليين ويقطع في الأخريين وأطلق في الرد فشمل الرد حقيقة ، والرد حكما كما إذا رده إلى أصوله ، وإن علا كوالده وجده ووالدته وجدته سواء كانوا في عيال المالك أو لا ; لأن لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله ، فإنه يقطع ; لأنه شبهة الشبهة وهي غير معتبرة ومن الرد الحكمي إليه الرد إلى فرعه وكل ذي رحم محرم منه بشرط أن يكون في عياله وإلا فليس برد ومنه الرد إلى مكاتبه وعبده ومنه الرد إلى مولاه لو كان مكاتبا ; لأن ماله له رقبة ومنه إذا سرق من العيال ورد إلى من يعولهم ; لأن يده عليهم فوق أيديهم في ماله . الثانية : لو ملكه بعد القضاء بالقطع فلأن الإمضاء من القضاء في هذا الباب لوقوع الاستغناء عنه بالاستيفاء إذ القضاء للإظهار ، والقطع حق الله تعالى وهو ظاهر عنده ، وإذا كان كذلك يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء وصار كما إذا ملكها منه قبل القضاء أطلقه فشمل البيع ، والهبة لكن بشرط القبض فيها ليحصل الملك كما في الهداية . الثالثة : لو ادعى السارق أن المسروق ملكه بعدما ثبتت السرقة عليه بالبينة أو بالإقرار فلا قطع سواء أقام بينة أو لم يقم ; لأن الشبهة دارئة للحد فتتحقق بمجرد الدعوى بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار . الرابعة : إذا سرق [ ص: 70 ] شيئا قيمته نصاب ثم نقصت قيمته بعد القضاء لم يقطع ; لأن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا أطلقه فشمل ما إذا تغير السعر في بلد أو بلدين حتى إذا سرق ما قيمته نصاب في بلد وأخذ في بلد آخر القيمة فيه أنقص لم يقطع كما في شرح الطحاوي وقيد بنقصان القيمة ; لأن العين لو نقصت ، فإنه يقطع ; لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا كما إذا استهلكه كله أما نقصان السعر فغير مضمون فافترقا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : لكن بشرط القبض فيها إلخ ) أي إذا كان رد المسروق إلى المالك [ ص: 70 ] وإلا فهو في يده وقال في الشرنبلالية لقائل أن يقول لا يشترط القبض ; لأن الهبة تقطع الخصومة ; لأنه ما كان يهب ليخاصم فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال يحتمل عوده إليها والكلام فيما يمنع القطع ; لأنه إذا لم يخاصم لا يقطع ، وإن لم يهب لاشتراط حضوره عند القطع كما مر تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية