الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل وقدم ذوو القربى الفقراء منهم عليهم ولا حق لأغنيائهم ) لأن الخلفاء الأربعة الراشدين رضي الله عنهم أجمعين قسموه على ثلاثة أسهم على نحو ما قلنا وكفى بهم قدوة وقال عليه السلام { يا معشر بني هاشم إن الله تعالى كره لكم غسالة الناس وأوساخهم وعوضكم منها بخمس الخمس } والعوض إنما يثبت في حق من يثبت في حقه المعوض وهم الفقراء والنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم للنصرة ألا ترى أنه عليه السلام علل فقال إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه لأن المراد من النصر قرب النصرة لا قرب القرابة واليتيم صغير لا أب له فيدخل فقراء اليتامى من ذوي القربى في سهم اليتامى المذكورين دون أغنيائهم ، والمسكين منهم في سهم المساكين وفقراء أبناء السبيل . فإن قيل فلا فائدة حينئذ في ذكر اسم اليتيم حيث كان استحقاقه بالفقر والمسكنة لا باليتم أجيب بأن فائدته دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا لأن استحقاقها بالجهاد واليتيم صغير فلا يستحقها ومثله ما ذكر في التأويلات للشيخ أبي منصور لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر فلا فائدة في ذكرهم في القرآن أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تقتضي إلى أن الفقير منهم لا يستحق لأنه من قبيل الصدقة ولا تحل لهم وفي الحاوي القدسي وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ ا هـ .

                                                                                        فهذا يقتضي أن الفتوى على الصرف إلى الأقرباء الأغنياء فليحفظ وفي التحفة هذه الثلاثة مصارف الخمس عندنا لا على سبيل الاستحقاق حتى لو صرف إلى صنف واحد منهم جاز كما في الصدقات كذا في فتح القدير وأطلق في ذوي القربى وهو مقيد ببني هاشم وبني المطلب دون غيرهم لأنه عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس مع أن قرابتهم واحدة لأن عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم وأولاد هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس ( قوله وذكره تعالى للتبرك ) أي للتبرك باسمه تعالى في افتتاح الكلام بقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } لأن جميع الأشياء له إذ هو الغني على الإطلاق لأن السلف رضي الله عنهم فسروه بما ذكر و به اندفع ما ذكره أبو العالية بأن سهم الله تعالى ثابت يصرف إلى بناء بيت الكعبة إن كانت قريبة وإلا فإلى مسجد كل بلدة ثبت فيها الخمس ( قوله وسهم النبي عليه السلام سقط بموته كالصفي ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحقه برسالته ولا رسول بعده والصفي شيء كان النبي عليه السلام يصطفيه لنفسه من الغنيمة مثل درع أو سيف أو جارية وقال الشافعي رضي الله عنه يصرف سهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الخليفة والحجة عليه ما قدمناه .

                                                                                        ( قوله وإن دخل جمع ذوو منعة دارهم بلا إذن خمس ما أخذوا وإلا لا ) أي وإن لم يكونوا ذوي منعة لا يخمس لأن الغنيمة هو [ ص: 99 ] المأخوذ قهرا وغلبة لا اختلاسا وسرقة والخمس وظيفتها والقهر موجود في الأول والاختلاس في الثاني ولا يضر كونه بغير إذن الإمام لأنه يجب عليه أن ينصرهم إذ لو خذلهم كان فيه وهن بالمسلمين بخلاف الواحدة والاثنين لا يجب عليه نصرتهم والتقييد بغير إذن الإمام ليس احترازيا لأنه لو كان بإذن الإمام ولهم منعة فإنه يخمس بالأولى ولو لم يكن له منعة كواحد أو اثنين دخل بإذن الإمام ففيه روايتان والمشهور أنه يخمس لأنه لما أذن لهم الإمام فقد التزم نصرتهم بالإمداد فصار كالمنعة فالحاصل أن الداخل بإذن الإمام يخمس ما أخذه مطلقا وبغير إذنه فإن كان ذا منعة خمس وإلا لا وفي المحيط لو قال الإمام ما أصبتم فهو لكم لا خمس فيه فإن كانوا لا منعة لهم جاز وإن كان لهم منعة لا يجوز لأن الخمس في الأول واجب بقول الإمام فله أن يبطله بقوله بخلافه في الثاني ولذا لو دخلوا بغير إذنه خمس ما أخذوه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فهذا يقتضي أن الفتوى على الصرف إلى الأقرباء الأغنياء ) قال في النهر فيه نظر بل هو ترجيح لإعطائهم وغاية الأمر أنه سكت عن اشتراط الفقر فيهم للعلم به ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء وأنت إذا تأملت كلام الحاوي رأيته شاهدا لما في البحر وهذه عبارته وأما الخمس فيقسم ثلاثة أسهم سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ويقدمون ولا يدفع لأغنيائهم شيء وعن أبي يوسف إلخ إذ لو كان كما قاله في النهر لكانت رواية أبي يوسف عين ما قبلها .

                                                                                        ( قوله والحجة عليه ما قدمناه ) أي من أن الخلفاء [ ص: 99 ] الراشدين إنما اقتسموا الخمس على ثلاثة فلو كان كما ذكر لقسموه على أربعة ورفعوا سهمه لأنفسهم كذا في الفتح ( قوله أي بعدما دفع الخمس ) كذا في النسخ والذي في الفتح بدون ما وهو أظهر ( قوله لأن التحريض مندوبة إليه كذا وقع في الهداية ) قال في الفتح واعلم أن التحريض واجب للنص المذكور لكنه لا ينحصر في التنفيل ليكون التنفيل واجبا بل يكون بغيره أيضا من الموعظة الحسنة والترغيب فيما عند الله تعالى فإذا كان التنفيل أحد خصال التحريض كان التنفيل واجبا مخيرا ثم إذا كان هو أدعى الخصال إلى المقصود يكون إسقاط الواجب به دون غيره مما يسقط به أولى وهو المندوب فصار المندوب اختيار الإسقاط به دون غيره لا هو في نفسه بل هو واجب مخير وأما ما قيل في التنفيل ترجيح البعض وتوهين آخرين وتوهين المسلم حرام فليس بشيء والإحرام التنفيل لاستلزامه محرما ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية