الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن فقأ عينيه وأخذ أرشه ) وصلية أي للمالك أن يأخذه بالثمن من التاجر وإن كانت عينه فقئت وأخذ التاجر أرشها يعني لا يحط شيئا من الثمن ولا يأخذ المالك الأرش أما الأول فلأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن بخلاف الشفعة لأن الصفقة لما تحولت إلى الشفيع صار المشتري في يد المشتري بمنزلة المشتري شراء فاسدا والأوصاف تضمن فيه كما في الغصب أما هنا الملك صحيح فافترقا ، وأما الثاني فلأن الملك فيه صحيح فلو أخذه أخذه بمثله وهو لا يفيد وظاهر ما في فتح القدير أن الفاقئ غير التاجر فإنه قال ولو أنه فقأ عينه عند الغازي المقسوم له فأخذ قيمته وسلمه للفاقئ فللمالك الأول أخذه من الفاقئ بقيمته أعمى عند أبي حنيفة وقالا بقيمته سليما وهي التي أعطاها الفاقئ للمولى والفرق [ ص: 105 ] لأبي حنيفة أن فوات الطرف هنا بفعل الذي ملكه باختياره فكان بمنزلة ما لو اشتراه سليما ثم قطع طرفه باختياره فكان راضيا بتنقيصه بخلاف مسألة الكتاب لأن الفاقئ غيره بغير رضاه ا هـ .

                                                                                        وصرح في المحيط بأن المشتري إذا فقأ عينها فالحكم كذلك وعن محمد أنه تسقط حصته من الثمن وهذا بمنزلة الشفعة إذا هدم المشتري البناء سقط عن الشفيع حصة البناء فكذا هذا ا هـ .

                                                                                        فعلى رواية محمد لا فرق بين مسألة الكتاب والشفعة إذ الوصف لا يقابله شيء إلا إذا صار مقصودا بالإتلاف وهو موافق لما ذكروه في البيوع لكن ظاهر الهداية الفرق بين مسألة الكتاب والشفعة وهو الحق ولا فرق في الفاقئ بين أن يكون التاجر أو غيره ولهذا قال الشارح الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في ملك صحيح بعد القبض وإن كانت مقصودة بالإتلاف بخلاف المشفوع لأن شراءه من غير رضا الشفيع مكروه وملكه ينتقض من غير رضاه فأشبه البيع الفاسد ا هـ .

                                                                                        ولو أخرجه المشتري من العدو عن ملكه بعوض يأخذه المالك القديم بذلك العوض إن كان مالا وإن كان غير مال كالصلح عن دم أو هبة أخذه بقيمته ولا ينتقض تصرفه بخلاف الشفيع لأن حقه قبل حق المشتري فينتقض تصرف المشتري لأجله والتقييد بالعين اتفاقي لأن اليد لو قطعت فالحكم كذلك ولو ولدت الجارية عند المشتري فأعتق المشتري أحدهما أخذ الباقي منهما بجميع الثمن لأن الفداء لا يتوزع ما بقي شيء من الأصل أو ما تولد منه وعن محمد إن أعتق الأم أخذ الولد بحصته من الثمن وليس الولد كالأرش كذا في المحيط وفي المغرب فقأ العين غارها بأن شق حدقتها والقلع أن ينزع حدقتها بعروقها والأرش دية الجراحات والجمع أروش ا هـ .

                                                                                        ( قوله فإن تكرر الأسر والشراء أخذ الأول من الثاني بثمنه ثم القديم بالثمنين ) يعني لو أسر العبد مرتين واشتراه في المرة الأولى رجل وفي الثانية رجل آخر كان حق الأخذ من المشتري الثاني للمشتري الأول بما اشترى لأن الأسر ورد على ملكه وأفاد أنه ليس للمالك القديم أن يأخذه من المشتري الثاني ولو كان المشتري الأول غائبا أو كان حاضرا إلا أنه أبى عن أخذه لأن الأسر ما ورد على ملكه فإذا أخذه المشتري الأول من الثاني بثمنه فقد قام عليه بالثمنين فكان للمالك القديم أن يأخذ بالثمنين إن شاء من المشتري الأول لأنه قام عليه بهما وأفاد بتعبيره بالأخذ المفيد للتخليص أن المشتري الأول لو اشتراه من الثاني ليس للقديم أخذه لأن حق الأخذ ثبت للمالك القديم في ضمن عود ملك المشتري الأول ولم يعد ملكه القديم وإنما ملكه بالشراء الجديد منه وقيد بتكرر الشراء لأن المشتري الأول ولو كان وهبه له أخذه مولاه من الموهوب له بقيمته كما لو وهب الكافر لمسلم وقيد بتكرر الأسر لأنه لو لم يتكرر كما إذا باع المشتري من العدو والعبد من غيره أخذه المالك القديم من الثاني بالثمن الذي اشتراه به إن مثليا فبمثله وإن قيميا بأن كان اشتراه مقايضة فبقيمته لأن المشتري الثاني قائم مقام المشتري الأول وليس للقديم أن ينقض العقد الثاني فيأخذه من المشتري الأول بالثمن للمولى إلا رواية ابن سماعة عن محمد وظاهر الرواية الأولى والوجه في المبسوط ( قوله ولا يملكون حرنا ومدبرنا وأم ولدنا ومكاتبنا ونملك عليهم جميع ذلك ) يعني بالغلبة لأن السبب إنما يفيد الملك في محله والمحل المال المباح والحر معصوم بنفسه وكذا من سواه لأنه ثبتت الحرية فيه ومن وجه بخلاف رقابهم لأن الشرع أسقط عصمتهم جزاء على جنايتهم وجعلهم أرقاء ولا جناية من هؤلاء ويتفرع على عدم ملكهم هؤلاء أنهم لو أسروا أم ولد لمسلم أو مكاتبا أو مدبرا ثم ظهر على دراهم أخذه مالكه بعد القسمة بغير شيء وعوض الإمام من وقع في قسمة من بيت المال قيمته ولو اشترى ذلك تاجر منهم أخذه منه بغير ثمن ولا عوض .

                                                                                        ( قوله وإن [ ص: 106 ] ند إليهم جمل فأخذوه وملكوه ) لتحقق الاستيلاء إذ لا يد للعجماء لتظهر عند الخروج من دارنا والتقييد بالجمل اتفاقي وإنما المقصود الدابة كما عبر بها في المحيط وفي المغرب ند البعير نفر ندودا من باب ضرب ( قوله وإن أبق إليهم قن لا ) أي لا يملكونه بالأخذ عند أبي حنيفة وقالا يملكونه لأن العصمة لحق المالك لقيام يده وقد زالت ولهذا لو أخذوه من دار الإسلام ملكوه وله أنه ظهرت يده على نفسه بالخروج من دارنا لأن سقوط اعتباره لتحقق يد المولى عليه تمكينا له من الانتفاع وقد زالت يد المولى فظهرت يده على نفسه وصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للملك بخلاف المتردد في دار الإسلام لأن يد المولى باقية لقيام يد أهل الدار فمنع ظهور يده وإذا لم يثبت الملك لهم عنده يأخذه المالك القديم بغير شيء موهوبا كان أو مشترى أو مغنوما قبل القسمة وبعد القسمة يؤدي عوضه من بيت المال لأنه لا يمكن إعادة القسمة لتفرق الغانمين وتعذر اجتماعهم وليس له على المالك جعل الآبق لأنه عامل لنفسه إذ في زعمه أنه ملكه أطلق في المالك للقن فشمل المسلم والذمي وأطلق القن وهو مقيد بكونه مسلما لأنه لو ارتد فأبق إليهم فأخذوه ملكوه اتفاقا ولو كان كافرا من الأصل فهو ذمي تبع لمولاه وفي العبد الذمي إذا أبق قولان ذكره مجد الأئمة كذا في فتح القدير وفي شرح الوقاية الخلاف فيما إذا أخذوه قهرا وقيدوه وأما إذا لم يكن قهرا فلا يملكونه اتفاقا ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية