( باب العشر والخراج والجزية ) .
وذكر العشر تتميم للوظائف المالية وقدمه لما فيه من معنى العبادة والعشر بضم العين واحد العشرة والخراج اسم لما يخرج من غسلة الأرض أو الغلام ثم سمي ما يأخذه السلطان خراجا يقال فلان أدى خراج أرضه ( قوله أرض العرب وما أسلم أهله أو فتح عنوة وقسم بين الغانمين عشرية ) أما أرض العرب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين لم يأخذوا الخراج من أرض العرب وتعقبه في البناية بأنه ليس له أصل في كتب الحديث ولم يجب عنه وجوابه أن العدم لا يحتاج إلى أصل لأنه لو أخذ منهم الخراج لنقل ولما لم ينقل دل على عدمه ولأنه بمنزلة الفيء فلا يثبت في أراضيهم كما لا يثبت في رقابهم [ ص: 113 ] وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها على الكفر كما في سواد بيان لما يؤخذ من الذمي بعد بيان ما يصير به ذميا العراق ومشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وذكر في المغرب معزيا إلى كتاب العشر والخراج في الأمالي حدود أرض العرب ما وراء حدود أرض أبو يوسف الكوفة إلى أقصى صخر باليمن وعن من محمد عدن أبين إلى الشام وما والاها .
وفي شرح القدوري قال هي أرض الكرخي الحجاز وتهامة واليمن ومكة والطائف والبرية يعني البادية قال وقال أرض العرب من محمد العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بهمزة وهذه العبارات مما لم أجده في كتب اللغة وقد ظهر أن من روى إلى أقصى حجر بالسكون وفسره بالجانب فقد حرف لوقوع صخر موقعه وكأنهما ذكرا ذلك تأكيدا للتحديد وإلا فهو عنه مندوحة ا هـ .
ما في المغرب وجزيرة العرب بمعنى أرضها ومحلتها وفي البناية العذيب بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة وبالباء الموحدة ماء لتميم والحجر بفتحتين بمعنى الصخرة ومهرة بفتح الهاء والسكون اسم رجل وقيل اسم قبيلة ينسب إليها الإبل المهرية وسمي ذلك المقام به فيكون بمهرة بدلا من قوله باليمن ا هـ .
وأما إذا أسلم أهلها أو فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين فلأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على المسلم والعشر أليق به لما فيه من معنى العبادة وكذا هو أحق حيث يتعلق بنفس الخارج والعنوة بالفتح القهر كذا في المغرب ( قوله والسواد وما فتح عنوة وأقر أهله عليه أو فتح صلحا خراجية ) أما السواد فالمراد به سواد العراق فلأن رضي الله عنه وضع عليه الخراج بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وهو أشهر من أن يتنقل فيه أثر معين وفي البناية المراد بالسواد القرى وبه صرح عمر التمرتاشي وسمي السواد لخضرة أشجاره وزروعه وقال الإترازي المراد من السواد المذكور سواد الكوفة وهو سواد العراق وحده من العذيب إلى عقبة حلوان عرضا ومن العلث إلى عبادان طولا وأما سواد البصرة فالأهواز وفارس ا هـ .
وتقدم ضبط العذيب وحلوان بضم الحاء اسم بلد والعلث بفتح العين المهملة وسكون اللام بالثاء المثلثة قرية موقوفة على العلوية على شرقي دجلة وهو أول العراق وعبادان بتشديد الباء الموحدة حصن صغير على شط البحر وفي المثل ما وراء عبادان قرية .
وفي شرح الوجيز طول سواد العراق مائة وستون فرسخا وعرضه ثمانون فرسخا ومساحته ستة وثلاثون ألف ألف جريب كذا في البناية وأما ما أقر أهلها عليها سواء فتحت قهرا أو صلحا فلأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به ويلحق بما أقر أهله عليه ما نقل إليها غير أهلها من الكفار فإنها خراجية كما ذكره الإسبيجابي وأطلق المصنف فيما أقر أهله عليه تبعا وقيده في الجامع الصغير على ما في الهداية بأن يصل إليها ماء الأنهار لتكون خراجية وما لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر لأن العشر يتعلق بالأراضي النامية ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج ا هـ . للقدوري
وهو مشكل لأنا نقطع بأن الأرض التي أقر أهلها عليها لو كانت تسقى بعين أو بماء السماء لم تكن الإخراجية لأن أهلها كفار والكفارة ولو انتقلت إليهم أرض عشرية ومعلوم أن العشرية قد تسقى بعين أو بماء السماء لا تبقى على العشرية بل تصير خراجية في قول أبي حنيفة خلافا وأبي يوسف فكيف بدأ الكافر بتوظيف العشر ثم كونها عشرية عند لمحمد إذا انتقلت إليه كذلك أما في الابتداء فهو أيضا يمنعه والعبارة التي نقلها عن الجامع في غاية البيان ليست كما في الهداية وقد أطال المحقق في فتح القدير في تقريره ثم قال . محمد
والحاصل أن التي فتحت عنوة وإن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ولو سقيت بماء المطر وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر وإن سقيت بماء الأنهار وإذا كان كذلك فالتفصيل في الأرض المحياة التي لم تقسم ولم يقر أهلها عليها بأن أحياها مسلم فإن وصل إليها ماء الأنهار فهي خراجية أو ماء عين ونحوه فعشرية ا هـ .
وفي التبيين أن التفصيل في حق المسلم أما الكافر فيجب عليه الخراج من أي ماء سقى لأن الكافر لا يبتدأ بالعشر فلا يتأتى فيه التفصيل في حالة الابتداء إجماعا إلى آخره ومعنى قوله وأقر أهلها عليها أن الإمام أقرهم على ملكهم للأراضي قال في الهداية وأرض السواد مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها وفي التتارخانية [ ص: 114 ] فإن أسلموا سقطت الجزية عن رءوسهم ولا يسقط الخراج عن أراضيهم ا هـ .
وإذا باعها انتقلت بوظيفتها من الخراج وكذا إذا مات انتقلت إلى ورثته كذلك وإذا وقفها مالكها بقي الخراج على حاله كما صرحوا بوجوبه في أرض الوقف وأرض الصبي والمجنون وفي الهداية أن عمر رضي الله عنه وضع على مصر الخراج حين افتتحها رضي الله عنه وكذا أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على وضع الخراج على عمرو بن العاص الشام ا هـ .
وفي فتح القدير المأخوذ الآن من أراضي مصر إنما هو بدل إجارة لا خراج ألا ترى أن الأراضي ليست مملوكة للزراع وهو بعدما قلنا إن أرض مصر خراجية والله أعلم كأنه لموت المالكين شيئا فشيئا من غير اختلاف ورثة فصارت لبيت المال وينبغي على هذا أن لا يصح بيع الإمام ولا شراؤه من وكيل بيت المال لشيء منها لأن نظره في مال المسلمين كنظره في مال اليتيم فلا يجوز له بيع عقاره إلا لضرورة عدم وجود ما ينفقه سواه فلذا كتبت في فتوى رفعت إلي في شراء السلطان الأشرف برسباي الأرض ممن ولاه نظر بيت المال هل يجوز شراؤه منه وهو الذي ولاه فكتبت إذا كان بالمسلمين حاجة والعياذ بالله تعالى جاز ذلك ا هـ .
كأنه أجاب لا يجوز كما لا يخفى وهو مبني على قول المتقدمين .
أما على قول المتأخرين المفتى به لا ينحصر جواز بيع عقار اليتيم فيما ذكر بل فيه وفيما إذا كان على الميت دين لا وفاء له إلا منه أو رغب فيه بضعف قيمته فكذلك نقول للإمام بيع العقار لغير حاجة إذا رغب فيه بضعف قيمته على المفتى [ ص: 115 ] به وهذه مسألة مهمة وقع النزاع فيها في زماننا في تفتيش وقع من نائب مصر على الرزق في سنة ثمان وخمسين وتسعمائة حتى ادعى بعضهم بأن المبايعات للأراضي من بيت المال غير صحيحة ليتوصل بذلك إلى إبطال الأوقاف والخيرات وهو مردود بما ذكرناه ثم قدم بعد ذلك بيسير شخص ولاه السلطان أمر الأوقاف فطلب أن يحدث على أراضي الأوقاف خراجا متمسكا بأن الخراج واجب في أرض الوقف وهو مردود عليه بما نقلناه عن المحقق ابن الهمام من أن الخراج ارتفع عن أراضي مصر إنما المأخوذ منها أجرة فصارت الأراضي بمنزلة دور السكنى لعدم من يجب عليه الخراج فإذا اشتراها إنسان من الإمام بشرطه شراء صحيحا ملكها ولا خراج عليها فلا يجب عليه الخراج لأن الإمام قد أخذ البدل للمسلمين فإذا وقفها سالمة من المؤن فلا يجب الخراج فيها وتمامه فيما كتبناه في تلك السنة المسمى بالتحفة المرضية في الأراضي المصرية . ا هـ .
( قوله ) أي لو أحيا المسلم والمراد بالقرب أنها إن كانت بقرب أرض الخراج فهي خراجية وإن كانت بقرب أرض العشر فهي عشرية وهذا عند ولو أحيا أرضا مواتا يعتبر قربه لأن ما قرب من الشيء أخذ حكمه كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به وإن لم تكن ملكا له ولذا يجوز إحياء ما قرب من العامر واعتبر أبي يوسف الماء فإن أحياها بماء الخراج فهي خراجية وإلا فعشرية . محمد
قيدنا بالمسلم لأن الكافر يجب عليه الخراج مطلقا كذا في الشرح وقدمناه ا هـ .
( قوله والبصرة عشرية ) نص عليها لأن مقتضى ما سبق أن تكون خراجية لأنها من حيز أرض الخراج لكن ترك القياس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على توظيف العشر عليها كذا في غاية البيان وفيه نظر لأن الحيز إنما يعتبر في الأرض المحياة والبصرة لم تكن محياة وإنما فتحت عنوة فقياس ما مضى أن تكون خراجية كما أشار إليه في التبيين كما خرج عن القياس مكة المشرفة فإن القياس وضع الخراج عليها لكونها فتحت عنوة ومع ذلك لم يوظف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الخراج تعظيما لها ولأهلها فكما لا رق على العرب فكذلك لا خراج على أراضيهم كذا في البناية ( قوله وخراج جريب صلح للزارعة صاع ودرهم وفي جريب الرطبة خمسة دراهم وفي جريب الكرم والنخل المتصل عشرة دراهم ) بيان للخراج الموظف وهذا هو المنقول عن رضي الله عنه فإنه بعث عمر عثمان بن حنيف حتى يمسح سواد العراق وجعل مشرفا فمسح فبلغ ستا وثلاثين ألف ألف جريب ووضع على ذلك ما قلناه وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير نكير فكان إجماعا منهم ولأن المؤن متفاوتة فالكرم أخفها [ ص: 116 ] مؤنة والمزارع أكثرها مؤنة والرطاب بينهما والوظيفة تتفاوت بتفاوتها فجعل الواجب في الكرم أعلاها وفي الزرع أدناها وفي الرطبة أوسطها والجريب أرض طولها ستون ذراعا وعرضها كذلك لكن اختلف في الذراع ففي كتب الفقه أنه سبع قبضات وهو ذراع حذيفة يزيد على ذراع العامة بقبضة . كسرى
وفي المغرب أنه ست قبضان والقبضة أربع أصابع ا هـ .
وفي الكافي ما قيل الجريب ستون في ستين حكاية عن جريبهم في أراضيهم وليس بتقدير لازم في الأراضي كلها بل جريب الأرض يختلف باختلاف البلدان فيعتبر في كل بلد متعارف أهله ا هـ .
وهذا يقتضي أن يعتبر في مصر الفدان فإنهم لا يعرفون غيره لكن ما في الكافي مردود والمعول عليه ما ذكرنا من التقدير كما في فتح القدير وقيد بصلاحيته لأنه لا شيء في غير الصالح لها وأطلقه فشمل ما زرعه صاحبه في السنة مرة أو مرارا أو لم يزرعه ولم يذكرها تقدير الصاع للاكتفاء بما قدمه في صدقة الفطر من أنه ثمانية أرطال وأطلقه فشمل كل مزروع فيه فيؤخذ قفيز مما زرع حنطة أو شعير أو عدسا أو ذرة وهو الصحيح ولم يقدر الدرهم للاكتفاء بما ذكره في الزكاة من أن العشرة منها بوزن سبعة مثاقيل وذكر العيني أنه يعطي الدرهم من أجود النقود الرطبة بفتح الراء الأسفست الرطب والجمع رطاب وفي كتاب العشر البقول غير الرطاب وإنما البقول مثل الكراث والرطاب هو القثاء والبطيخ والباذنجان وما يجري مجراه والأول هو المذكور فيما عندي من كتب اللغة فحسب كذا في المغرب وفي العيني الرطبة البرسيم ا هـ .
وينبغي أن يفسر بما في كتاب العشر كما لا يخفى وأفاد المصنف رحمه الله أنه يؤخذ من الرطبة شيء من الخارج وقيد بالاتصال لأنها لو كانت متفرقة في جوانب الأرض ووسطها مزروعة فلا شيء فيها وكذا لو غرس أشجارا غير مثمرة ولو كانت الأشجار ملتفة لا يمكن زراعة أرضها فهي كرم ذكره في الظهيرية وفي شرح ولو أنبت أرضه كرما فعليه خراجها إلى أن تطعم فإذا أطعمت فإن كان ضعف وظيفة الكرم ففيه وظيفة الكرم وإن كان أقل فنصفه إلى أن ينقص عن قفيز ودرهم فإن نقص فعليه درهم وقفيز ا هـ . الطحاوي
وفي البناية المتصل ما يتصل بعضه ببعض على وجه تكون كل الأرض مشغولة بها وفي الهداية وفي ديارنا وظفوا من الدراهم في الأراضي كلها وترك كذلك لأن التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شيء كان ا هـ قلت وكذا في غالب أراضي مصر لا يؤخذ خراجها إلا دراهم بخلاف أراضي الصعيد فإن غالب خراجها القمح ولم يذكر المصنف ما سوى ذلك من الأصناف كالزعفران والبستان وغيره لأنه يوضع عليها بحسب الطاقة لأنه ليس فيه توظيف رضي الله عنه وقد اعتبر في ذلك الطاقة فنعتبرها فيما لا توظيف فيه قالوا أو نهاية الطاقة أن يبلغ الواجب نصف الخارج لا يزاد عليه لأن التنصيف عين الإنصاف لما كان لنا أن نقسم الكل بين الغانمين والبستان كل أرض يحوطها حائط وفيها نخيل متفرقة وأشجار ولم يذكر المصنف خراج المقاسة لظهوره فإذا من الإمام عليهم جعل على أراضيهم نصف الخارج أو ثلثه أو ربعه . عمر
قال في السراج الوهاج لا يزاد على النصف ولا ينقص عن الخمس .