الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويزول ملك المرتد عن ماله زوالا موقوفا فإن أسلم عاد ملكه ) قالوا وهذا عند أبي حنيفة وعندهما لا يزول ملكه لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا يقتل إلا بالحراب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم فصار كأن لم يزل مسلما ولم يعمل بالسبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر أمره فعمل السبب عمله وزال ملكه ثم اختلف الشيخان في حكم تبرعاته فقال أبو يوسف من جميع المال كتصرف من وجب عليه القصاص وقال محمد هو بمنزلة المريض فتكون من الثلث لكونه على شرف التلف وفي البدائع لا خلاف أنه إذا أسلم أن أمواله باقية على حكم ملكه وأنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب أنها تزول عن ملكه وإنما الخلاف في زوالها بهذه الأشياء الثلاثة مقصورا على الحال وهو قولهما أو مستندا إلى وقت وجود الردة وهو قوله وثمرته تظهر في تصرفاته فعندهما نافذة قبل الإسلام وعنده موقوفة لوقوف أملاكه ا هـ .

                                                                                        قيد بالملك لأنه لا توقف في إحباط طاعاته ووقوع الفرقة بينه وبين امرأته وتجديد الإيمان فإن الارتداد بالنسبة إليها قد عمل عمله كذا في العناية وذكر في الخانية إذا استأجر المسلم دارا أو عقارا أو منقولا ثم ارتد والعياذ بالله تعالى ولحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه تبطل إجارته كأنه مات وكذا إذا استأجر ثم ارتد .

                                                                                        ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطلت وصيته وكذا لو أوصى إلى رجل وجعله قيما في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطل إيصاؤه وإن وكل رجلا ثم ارتد الموكل ولحق بدار الحرب ينعزل وكيله في قولهم وإن عاد إلينا مسلما هل يعود وكيلا ذكر في الوكالة أنه لا يعود وذكر في السير أنه يعود ولو ارتد الوكيل ولحق وقضى به ثم عاد مسلما قال أبو يوسف لا يعود وكيلا وقال محمد يعود ا هـ .

                                                                                        والحاصل أنه لا توقف في إبطال عباداته وبينونة امرأته وإيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه وتوكيله ووكالته وقدمنا أن من عباداته التي يطلب بردته وقفه وأنه لا يعود بإسلامه وقيد بالمرتد لأن المرتدة لا يزول ملكها عن مالها بلا خلاف فيجوز تصرفاتها في مالها بالإجماع لأنها لا تقتل فلم تكن ردتها سببا لزوال [ ص: 141 ] ملكها كذا في البدائع وينبغي أن يلحق بها المرتد إذا لم يقتل وهو من كان في إسلامه شبهة كما قدمناه بجامع عدم القتل ولم أره صريحا وفي الزيادات المرتدة إذا تصرفت إن كان تصرفا ينفذ من المسلم ينفذ منها وإن كان تصرفا لا ينفذ من المسلم لكن يصح ممن هو على ملة انتحلت إليها كاليهود والنصارى نفذ تصرفاتها عندهما وعنده اختلف المشايخ قال بعضهم يصح وقال بعضهم لا يصح منها إلا ما يصح من المسلم كذا في التتارخانية وثمرته في بيعها الخمر والخنزير وأفاد بقوله ملك المرتد عن ماله أن الكلام في الحر فلا يزول ما ملكه المكاتب من اليد بردته ولذا قال في الخانية وتصرفات المكاتب في ردته نافذة في قولهم ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية