الموضع الرابع في تصرفات الناظر وفيه بيان ما عليه وله من المعلوم أول ما يفعله القيم في غلة الوقف البداءة بالعمارة وأجرة القوام وإن لم يشترطها الواقف ويتحرى في تصرفاته النظر للوقف والغبطة حتى لو آجر الوقف من نفسه أو سكنه بأجرة المثل لا يجوز وكذا إذا آجره من ابنه أو أبيه أو عبده أو مكاتبه للتهمة ولا نظر معها كذا في الإسعاف وفي جامع الفصولين المتولي لو آجر دار الوقف من ابنه البالغ أو أبيه لم يجز عند أبي حنيفة إلا بأكثر من أجر المثل كبيع الوصي لو بقيمته صح عندهما ولو خيرا لليتيم صح عند أبي حنيفة وكذا متول أجر من نفسه لو خير صح وإلا لا ومعنى الخيرية مر في بيع الوصي من نفسه وبه يفتى . ا هـ .
فعلم أن ما في الإسعاف ضعيف ولا تجوز إجارته لأجنبي إلا بأجرة المثل لأن ما نقص يكون إضرارا بالفقراء كذا في المحيط وفي القنية في الدور والحوانيت المسبلة في يد المستأجر يمسكها بغبن فاحش نصف المثل أو نحوه لا يعذر أهل المحلة في [ ص: 255 ] السكوت عنه إذا أمكنهم دفعه ويجب على الحاكم أن يأمره بالاستئجار بأجرة المثل ويجب عليه أجر المثل بالغا ما بلغ وعليه الفتوى وما لم يفسخ كان على المستأجر الأجر المسمى . ا هـ .
وشرط الزيادة أن تكون عند الكل أما لو زادها واحد أو اثنان تعنتا فإنها غير مقبولة كما صرح به الإسبيجابي وحاصل كلامهم في الزيادة أن الساكن لو كان غير مستأجر أو مستأجرا إجارة فاسدة فإنه لا حق له وتقبل الزيادة ويخرج ويسلم المتولي العين إلى المستأجر وإن كان مستأجرا صحيحة فإن كان تعنتا فهي غير مقبولة أصلا وإن كانت لزيادة أجر المثل عند الكل عرض المتولي الزيادة على المستأجر فإن قبلها فهو الأحق وإلا آجرها من الثاني فإن كانت أرضا فهي كغيرها لكن إن كانت الأرض خالية عن الزراعة أجرها للثاني وإلا وجبت الزيادة على المستأجر الأول من وقتها .
ووجب تسليم السنين الماضية والمسمى بحسابه قبلها لأن الزرع مانع من صحة الإجارة حيث كان مزروعا بحق وهذا كذلك وإن لم يكن مزروعا بحق كالغاصب والمستأجر إجارة فاسدة فإنه لا يمنع صحة الإجارة كما في الظهيرية والسراجية لكونه لا يمنع التسليم فإن كان المتولي ساكنا مع قدرته على الرفع لا غرامة عليه وقد وقعت حوادث الفتوى منها استأجر أرض الوقف بأجر المثل ثم آجرها لآخر بأقل بنقصان فاحش فأجبت بالصحة لأن المنافع المملوكة للمستأجر ليست كالوقف وإنما هي كالملك .
ولذا ملك الإعارة ومنها لو زاد أجر المثل بعدما أجر المستأجر هل يعرض الأمر على الأول أم الثاني فأجبت على الأول لأنه المستأجر من المتولي ومنها لو لم يقبل ونقضت وأجرها المتولي ممن زاد هل تنتقض الثانية فأجبت تنتقض لكونها مبنية على الأولى فإذا انتقض الأصل انتقض ما ابتنى عليه كما في الفتاوى الصغرى من الإجارة الطويلة وعلى هذا لو فسخت الأولى بخيار رؤية أو عيب بقضاء بطلت الثانية ومنها لو أجر المتولي جميع جهات الوقف الخراجي والهلالي بأجرة المثل فزاد أجر مثل بعضها وزاد فيها غيره هل تؤجر من الآخر بعد العرض على الأول أو لا فأجبت ينبغي أن لا تقبل الزيادة لأنه حيث استأجر الجميع إجارة واحدة إنما ينظر إلى زيادة أجرة الجميع لا كل واحدة ومنها أنه كيف يعلم القاضي أن الزيادة بسبب زيادة أجر المثل وهل يحتاج إلى إثبات ذلك .
قلت : نعم لما في الخانية من كتاب الوصايا وصي باع شيئا من مال اليتيم ثم طلب منه بأكثر مما باع فإن القاضي يرجع إلى أهل البصر إن أخبره اثنان من أهل البصر والأمانة أنه باع بقيمته وأن قيمته ذلك فإن القاضي لا يلتفت إلى من يزيد وإن كان في المزايدة يشتري بأكثر وفي السوق بأقل لا ينتقض بيع الوصي لأجل تلك الزيادة بل يرجع إلى أهل البصر والأمانة وإن اجتمع رجلان منهم على شيء يؤخذ بقولهما معا وهذا قول محمد أما على قولهما قول الواحد يكفي كما في التزكية ونحوها [ ص: 256 ]
وعلى هذا قيم الوقف إذا أجر مستغل الوقف وجاء آخر يزيد في الأجرة . ا هـ .
وصرح قاضي خان من كتاب الإجارة بأنه إذا أجر بأقل من أجرة المثل فإن كان بنقصان يتغابن الناس فيه فهي صحيحة وليس للمتولي فسخها وإن كان بنقصان لا يتغابن الناس فيه فهي فاسدة وله أن يؤاجرها إجارة صحيحة إما من الأول أو من غيره بأجر المثل وبالزيادة على قدر ما يرضى به المستأجر فإن سكن المستأجر الأول وجب أجر المثل بالغا ما بلغ وعليه الفتوى وإن كانت الإجارة الأولى بأجرة المثل ثم ازداد أجر مثله كان للمتولي أن يفسخ الإجارة وما لم يفسخ كان على المستأجر الأجر المسمى ا هـ .
وفي الحاوي ويفتى بالضمان في غصب عقار الوقف وغصب منافعه وكذا كل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء فيه حتى نقضت الإجارة عند الزيادة الفاحشة نظرا للوقف وصيانة لحق الله تعالى وإبقاء للخيرات ا هـ .
وتقييده بالفاحشة يدل على عدم نقضها باليسير ولعل المراد بالفاحشة ما لا يتغابن الناس فيها كما في طرف النقصان فإنه جائز عن أجر المثل إذا كان يسيرا والواحد في العشرة يتغابن الناس فيه كما ذكروه في كتاب الوكالة وهذا قيد حسن يجب حفظه فإذا كانت أجرة دار عشرة مثلا وزاد أجر مثلها واحدا فإنها لا تنقض كما لو أجرها المتولي بتسعة فإنها لا تنقض بخلاف الدرهمين في الطرفين ويجوز النقصان عن أجر المثل نقصا فاحشا للضرورة .
قال في المحيط وغيره حانوت وقف وعمارته ملك لرجل أبى صاحب العمارة أن يستأجر بأجر مثله ينظر إن كانت العمارة لو رفعت يستأجر بأكثر مما يستأجر صاحب العمارة كلف رفع العمارة ويؤجر من غيره لأن النقصان عن أجر المثل لا يجوز من غير ضرورة وإن كان لا يستأجر بأكثر مما يستأجره لا يكلف ويترك في يده بذلك الأجر لأن فيه ضرورة . ا هـ .
فإن قلت : إذا استأجر أرض الوقف سنين على عقود كثيرة للبناء وحكم بصحتها ثم بنى فزاد إنسان عليه هل تنتقض الإجارة قلت : قال في المحيط وغيره ولو استأجر أرضا موقوفة وبنى فيها حانوتا وسكنها فأراد غيره أن يزيد في الغلة ويخرجه من الحانوت ينظر إن كانت أجرته [ ص: 257 ] مشاهرة إذا جاء رأس الشهر كان للقيم فسخ الإجارة لأن الإجارة إذا كانت مشاهرة تنعقد في رأس كل شهر ثم ينظر إن كان رفع البناء لا يضر بالوقف فله رفعه لأنه ملكه وإن كان يضر به فليس له رفعه لأنه وإن كان ملكه فليس له أن يضر بالوقف .
ثم إن رضي المستأجر أن يتملكه القيم للوقف بالقيمة مبنيا أو منزوعا أيهما ما كان أخف يتملكه القيم وإن لم يرض لا يتملك لأن التملك بغير رضاه لا يجوز فيبقى إلى أن يخلص ملكه . ا هـ .
ولم يذكر ما إذا كان استأجره مسانهة أو مدة طويلة والظاهر أنه لا تقبل الزيادة عليه دفعا للضرر عنه ولا ضرر على الوقف لأن الزيادة إنما كانت بسبب البناء لا لزيادة في نفس الأرض وإذا علم حرمة إيجار الوقف بأقل من أجر المثل علم حرمة إعارته بالأولى [ ص: 258 ] ويجب أجر المثل كما قدمناه وينبغي أن يكون خيانة من الناظر وكذا إجارته بالأقل عالما بذلك وذكر الخصاف أن الواقف أيضا إذا أجر بالأقل مما لا يتغابن الناس في مثله فإنها غير جائزة ويبطلها القاضي فإن كان الواقف مأمونا وفعل ذلك على طريق السهو والغفلة أقره القاضي في يده وأمره بإجارتها بالأصلح وإن كان غير مأمون أخرجها من يده وجعلها في يد من يثق بدينه وكذا إذا أجرها الواقف سنين كثيرة ممن يخاف أن تتلف في يده قال يبطل القاضي الإجارة ويخرجها من يد المستأجر ا هـ .
فإذا كان هذا في الواقف فالمتولي أولى وفي الإسعاف لو شرط الواقف أن لا يؤجر المتولي الوقف ولا شيئا منه وأن لا يدفعه مزارعة أو على أن لا يعمل على ما فيه من الأشجار أو شرط أن لا يؤجر إلا ثلاث سنين ثم لا يعقد عليه إلا بعد انقضاء العقد الأول كان شرطه معتبرا ولا تجوز مخالفته ا هـ .
وسيأتي في بيان الشروط ما لا يعتبر منها إن شاء الله تعالى وسيأتي في كتاب الإجارات بيان مدتها في الأوقاف وحكم الإجارة الطويلة إن شاء الله تعالى وذكر الخصاف أنه لو تبين أن المستأجر يخاف منه على رقبة الوقف يفسخ القاضي الإجارة ويخرجه من يده ولو كان المستأجر أمين القاضي ثم اعلم أن المتولي إذا آجر بأقل من أجرة المثل بنقصان فاحش حتى فسدت لا ضمان عليه وإنما يلزم المستأجر أجرة المثل وقد توهم بعض من لا خبرة له ولا دربة أنه يكون ضامنا ما نقص وهو غلط صرح به العلامة قاسم في فتاواه مستندا إلى النقول الصريحة وفي جامع الفصولين ولو استباع مال اليتيم بألف وآخر بألف ومائة والأول أملأ يبيع الوصي من الأول وكذا الإجارة تؤجر بثمانية للأملأ لا بعشرة لغيره وكذا متولي الوقف . ا هـ .
فإن قلت : هل للقاضي ولاية الإيجار مع وجود المتولي قلت : نعم على ما قدمناه عند قوله أجرها الحاكم وسيأتي في كتاب الإجارات أن التمكن في الفاسدة لا يكفي [ ص: 259 ] وهو بعمومه يتناول الوقف وقد صرح الخصاف بأن المتولي إذا أجره إجارة فاسدة وتمكن المستأجر ولم ينتفع حقيقة فإنه لا أجر عليه وفي الظهيرية وتجوز إجارة القيم الوقف بعرض عند أبي حنيفة خلافا لهما والأب والوصي إذا أجر دارا لليتيم بعرض جاز بلا خلاف وفي القنية ولا يجوز للقيم شراء شيء من مال المسجد لنفسه ولا البيع له وإن كان فيه منفعة ظاهرة للمسجد . ا هـ .
فإن قلت : إذا أمر القاضي بشيء ففعله ثم تبين أنه ليس بشرعي أو فيه ضرر على الوقف هل يكون القيم ضامنا قلت : قال في القنية طالب القيم أهل المحلة أن يقرض من مال المسجد للإمام فأبى فأمره القاضي به فأقرضه ثم مات الإمام مفلسا لا يضمن القيم . ا هـ .
مع أن القيم ليس له إقراض مال المسجد قال في جامع الفصولين ليس للمتولي إيداع مال الوقف والمسجد إلا ممن في عياله ولا إقراضه فلو أقرضه ضمن وكذا المستقرض وذكر أن القيم لو أقرض مال المسجد ليأخذه عند الحاجة وهو أحرز من إمساكه فلا بأس به وفي العدة يسع المتولي إقراض ما فضل من غلة الوقف لو أحرز . ا هـ .
فإن قلت : إذا قصر المتولي في شيء من مصالح الوقف هل يضمن قلت : إن كان في عين ضمنها وإن كان فيما في الذمة لا يضمن قال في القنية انهدم المسجد فلم يحفظه القيم حتى ضاعت خشبة يضمن اشترى القيم من الدهان دهنا ودفع الثمن ثم أفلس الدهان بعد لم يضمن . ا هـ .
وفي البزازية امتنع المتولي عن تقاضي ما على المتقبلين لا يأثم فإن هرب بعض المتقبلين بعدما اجتمع عليه مال كثير بحق القبالة لا يضمن المتولي . ا هـ .
وفي القنية أجر القيم ثم عزل ونصب قيم آخر فقيل أخذ الأجر للمعزول والأصح أنه للمنصوب لأن المعزول أجرها للوقف لا لنفسه ولو باع القيم دارا اشتراها بمال الوقف فله أن يقيل البيع مع المشتري إذا لم يكن البيع بأكثر من ثمن المثل وكذا إذا عزل ونصب غيره فللمنصوب إقالته بلا خلاف ولو أذن القاضي للقيم في خلط مال الوقف بماله تخفيفا عليه جاز ولا يضمن وكذا القاضي إذا خلط مال الصغير بماله وعن أبي يوسف الوصي إذا خلط مال الصغير بماله لا يضمن وللقيم فسخ الإجارة مع المستأجر قبل قبض الأجر وينفذ فسخه على الوقف وبعد القبض لا ولو أبرأ القيم المستأجر عن الأجرة بعد تمام المدة تصح البراءة عند أبي حنيفة ومحمد ويضمن للقيم صرف شيء من مال الوقف إلى كتبة الفتوى ومحاضر الدعوى لاستخلاص الوقف والمتولي إذا أجر نفسه في عمل المسجد وأخذ الأجرة لم يجز في ظاهر الرواية وبه يفتى . ا هـ .
وفي جامع الفصولين إذ لا يصلح مؤاجرا ومستأجرا وصح لو أمره الحاكم بعمل فيه ثم قال وفي القنية القيم ضمن مال الوقف بالاستهلاك ثم صرف قدر الضمان إلى المصرف بدون إذن القاضي يخرج عن العهدة . ا هـ .
وفي الولوالجية للمتولي أن يحتال بمال الوقف على إنسان إذا كان مليا وإن أخذ كفيلا كان أحب إلي وفي جامع الفصولين المتولي يملك الإجارة لو خيرا للوقف فإن قلت : حل للمتولي أن يصرف غلة سنة عن سنة قبلها قلت : لا لما في الحاوي الحصيري وغيره سئل أبو جعفر عن قيم جمع الغلة فقسمها على أهل الوقف وحرم واحدا منهم فلم يعطه وصرف نصيبه إلى حاجة نفسه فلما خرجت الغلة الثانية طلب المحروم نصيبه هل له ذلك قال إن شاء ضمن القيم وإن شاء اتبع شركاءه فشاركهم فيما أخذوا فإن اختار تضمين القيم سلم لهم ما أخذوا وليس له أن يأخذ من غلة هذا العام أكثر من نصيبه ا هـ .
وظاهره أنه إذا اختار اتباع الشركاء فإنه لا مطالبة له على المتولي وإن المتولي لا يدفع للمحروم من غلة الثانية شيئا سواء اختار تضمينه أو اتباع الشركاء لكن في الذخيرة وإن اختار اتباع الشركاء والشركة فيما أخذوا كان له أن يأخذ ذلك من نصيب الشركاء من الغلة الثانية لأنه لما اختار اتباع الشركاء تبين أنهم أخذوا [ ص: 260 ] نصيبه فله أن يأخذ من أنصبائهم مثل ذلك لأنه جنس حقه فمتى أخذ رجعوا جميعا على القيم بما استهلك القيم من حصة المحروم في السنة الأولى لأنه بقي ذلك حقا للجميع ا هـ .
فظاهره أن المتولي يدفع له من غلة الثانية شاءوا أو أبوا حيث اختار اتباعهم ومفهومه أنه لو لم يصرف حصة المحروم إلى نفسه وإنما صرف الغلة إليهم وحرم واحدا إما لعدم حضوره وقت القسمة أو عنادا أنه يشاركهم ولا يضمن المتولي وإنه يدفع إليه من غلة الثانية من أنصبائهم وظاهر ما في الحاوي أنه يتبعهم فيما أخذوا ولا يعطى من الثانية أكثر من حصته وهو الظاهر لأن حقه صار في ذمتهم والمتولي ليس له ولاية قضاء ديونهم ومقتضى القواعد أن المحروم في صورة صرف الجميع إليهم له أن يضمن المتولي لكونه متعديا كما له أن يرجع على المستحقين فإن قلت : هل للمتولي تفضيل البعض على البعض قدرا وتعجيلا قلت : فيه تفصيل فالتفضيل في القدر راجع إلى شرط الواقف
[ ص: 255 ]


