الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وصح بثمن حال وبأجل معلوم ) أي البيع لإطلاق النصوص وفي السراج الوهاج إن الحلول مقتضى العقد وموجبه والأجل لا يثبت إلا بالشرط ا هـ .

                                                                                        قيد بعلم الأجل ; لأن جهالته تفضي إلى النزاع فالبائع يطالبه في مدة قريبة والمشتري يأباها فيفسد وفي شرح المجمع للمصنف من باب خيار الشرط لو باع مؤجلا ، ولم يقل إلى رمضان لا يكون مؤبدا بل يكون ثلاثة أيام عند بعض ويفتي بأن يتأجل إلى شهر ا هـ .

                                                                                        كأنه ; لأنه المعهود في الشرع في السلم واليمين ليقضين دينه أجلا وفي الخانية لو باع ، ثم أجل الثمن إلى الحصاد فسد عند الإمام خلافا لهما ، وإذا اختلفا في الأجل فالقول لمن ينفيه ; لأن الأصل عدمه ، وكذا إذا اختلفا في قدره فالقول لمدعي الأقل والبينة بينة المشتري في الوجهين ، وإن اتفقا على قدره واختلفا في مضيه فالقول للمشتري أنه لم يمض والبينة بينته أيضا ; لأن البينة مقدمة على الدعوى ، كذا في الجوهرة وقيدنا بتأجيل الثمن ; لأن تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده كما في الجوهرة ولا يرد على المصنف السلم مع أنه دين لما سيصرح به في بابه من أن من شرائطه الأجل كما لا يرد ما بيع بجنسه ، فإنه لا يصح مؤجلا لما سنذكره في باب الربا وفي فتح القدير ، ومن جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدي إليه الثمن [ ص: 302 ] في بلد آخر ، ولو قال إلى شهر على أن يؤدي الثمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر ويبطل شرط الإيفاء في بلد آخر ; لأن تعيين مكان الإيفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة غير صحيح فلو كان له حمل ومؤنة صح ، ومن الأجل المجهول اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض فإذا لم يكن شرطا في البيع .

                                                                                        وإنما ذكره بعده لم يفسد وكان له أن يأخذ الكل جملة ، ولو كان حالا فطالبه ، ثم قال اذهب فاعطني كل شهر كذا لا يكون تأجيلا ، ولو قال المديون برئت من الأجل أو لا حاجة لي به لا يبطل ، ولو قال تركته أو أبطلته أو جعلت المال حالا بطل الأجل ، ولو عجل الدين قبل الحلول ، ثم استحق المقبوض أو وجده زيوفا فرده عاد الأجل ، ولو اشترى من الديون شيئا ، ثم تقايلا لا يعود الأجل ، ولو رده بعيب بقضاء عاد ، ولو كان لهذا الدين المؤجل كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين كذا في الخانية ، وإذا رضي البائع بالتأجيل فقد أسقط حقه في حبس المبيع فلو حل الأجل قبل قبضه فللمشتري قبضه قبل نقد الثمن ، كذا في المحيط وسيأتي مسائل حبس المبيع آخر الباب

                                                                                        [ ص: 301 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 301 ] ( قوله ليقضين دينه آجلا ) بدل من اليمين . ( قوله وفي الخانية لو باعه ، ثم أجل الثمن إلخ ) قال في الخانية رجل باع شيئا بيعا جائزا وأخر الثمن إلى الحصاد أو الدياس قال يفسد البيع في قول أبي حنيفة وعن محمد أنه لا يفسد البيع ويصح التأخير ; لأن التأخير بعد البيع تبرع فيقبل التأجيل إلى الوقت المجهول كما لو كفل بمال إلى الحصاد أو الدياس ، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله هذا يشكل بما إذا أقرض رجلا وشرط في القرض أن يكون مؤجلا لا يصح التأجيل ، ولو أقرض ، ثم أخر لا يصح أيضا فكان الصحيح من الجواب ما قال الشيخ الإمام إنه يفسد البيع أجله إلى هذه الأوقات في البيع أو بعده ا هـ .

                                                                                        قلت : سيذكر المؤلف عن السراج في هذه المقولة أن تأجيل الثمن الدين المجهول بنوعيه لا يجوز وهو بإطلاقه شامل للتأجيل بعد العقد . وظاهره أن عدم الجواز للتأجيل نفسه لا للعقد وفي منية المفتي من باع بثمن حال ، ثم أجله أجلا معلوما أو مجهولا متقاربا كالحصاد والدياس والنيروز ونحوها صار مؤجلا ا هـ .

                                                                                        وهذا بناء على ما روي عن محمد كما تقدم ويبقى النظر في كلام السراج فتأمله وفي غرر الأفكار شرح درر البحار لا يجوز تأجيل ثمن دين إلى النيروز والمهرجان وصوم النصارى وفطرهم والحصاد والدياس وقدوم الحاج لجهالة الأجل حتى لو كان كلاهما معلوما عندهم أي العاقدين صح البيع والأجل ، وكذا لو شرع النصراني في الصوم فأجل إلى الفطر ، ولو باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى هذه الأوقات صح البيع فقط ا هـ .

                                                                                        وهذا لا يناسب كلا من القولين المذكورين في الخانية [ ص: 302 ] ( قوله لم يفسد وكان له أن يأخذ الكل جملة ) الذي قدمه المؤلف عن الخانية ونقلناه عنها أيضا صريح في أن الخلاف في فساد البيع وعدمه وفي أن فساد الأجل مما الخلاف فيه فالظاهر أن ما هنا على قول غير الإمام وأنه غير المصحح لما مر أن المصحح قول الإمام بفساد البيع بالتأجيل إلى الحصاد والدياس قبل البيع أو بعده .




                                                                                        الخدمات العلمية