الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والبول في الفراش من العيوب ) أطلقه فشمل الكبير والصغير ويستثنى منه غير المميز فإنه لا يكون عيبا ولا بد من معاودته عند المشتري في حالة واحدة فإن بال في الصغر عند البائع ثم بعد البلوغ عند المشتري لا يرده لأنه في الصغر لضعف المثانة وبعد البلوغ لداء في باطنه فهو عيب حادث بخلاف ما إذا بال عند هما في الصغر أو في الكبر لاتحاد السبب .

                                                                                        وفي الفوائد الظهرية هنا مسألة عجيبة هي أن من اشترى عبدا صغيرا فوجده يبول في الفراش كان له الرد ولو تعيب بعيب آخر عند المشتري كان له أن يرجع بنقصان العيب فإذا رجع به ثم كبر العبد هل للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب بالبلوغ لا رواية فيها قال وكان والدي يقول ينبغي أن يسترد استدلالا بمسألتين إحداهما إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج كان له أن يردها ولو تعيبت بعيب آخر يرجع بالنقصان فإذا رجع ثم أبانها الزوج كان للبائع أن يسترد النقصان الثانية اشترى عبدا فوجده مريضا له الرد فإذا تعيب بعيب آخر رجع بنقصان العيب فإذا رجع ثم برئ بالمداواة لا يسترد وإلا استرد والبلوغ هنا لا بالمداواة فينبغي أن يسترد .

                                                                                        كذا في المعراج والنهاية وفي فتاوى قاضي خان اشترى جارية وادعى أنها لا تحيض واسترد بعض الثمن ثم حاضت قالوا إن كان البائع أعطاه على وجه الصلح عن العيب كان للبائع أن يسترد ذلك وفيها أيضا اشترى عبدا فقبضه وحم عنده وكان يحم عند البائع .

                                                                                        قال الإمام أبو بكر محمد بن الفضل المسألة محفوظة عن أصحابنا أنه إن حم في الوقت الذي كان يحم عند البائع كان له أن يرده أو في غيره فلا قبل له فلو اشترى أرضا فنزت عند المشتري وقد كانت تنز عند البائع كان له أن يرد لأن سبب النز واحد وهو تسفل الأرض وقرب الماء إلا أن يجيء ماء غالب أو كان المشتري رفع من ترابها فيكون النز غير ذلك أو يشتبه فلا يدري أنه عينه أو غيره .

                                                                                        قال القاضي الإمام يشكل ما في الزيادات اشترى جارية بيضاء إحدى العينين ولا يعلم ذلك فانجلى البياض عنده ثم عاد ليس له أن يرد وجعل الثاني غير الأول ولو اشترى جارية بيضاء إحدى العينين وهو يعلم بذلك فلم يقبضها حتى انجلى ثم عاد عند البائع ليس للمشتري الرد وجعل الثاني عين الأول الذي رضي به إذا كان الثاني عند البائع ولم يجعله عينه إذا عاد البياض عند المشتري وقال لا يرده ثم قال القاضي الإمام كنت أشاور شمس الأئمة الحلواني وهو يشاورني فيما كان مشكلا إذا اجتمعنا فشاورته في هذه المسألة فما استفدت منه فرقا . كذا في فتح القدير فالحاصل ليس له الرد في المسألتين لكن في الأولى لجعله غير الأول إذ لو كان عينه لملك الرد لعدم العلم به وفي الثانية لجعله عين الأول إذ لو كان غيره لملك الرد لكونه لم يرض به وفي جامع الفصولين شراه فوجده يبول في الفراش يضعه القاضي عند عدل ينظر فيه وفي الواقعات الحسامية اشترى جارية فوجد في إحدى عينيها بياضا فانجلى البياض فقبض المشتري وهو لا يعلم بذلك ثم علم فله أن يرد فرق بين هذا وبين ما إذا قبض وفي إحدى عينيها بياض وهو لا يعلم ثم انجلى البياض ثم عاد ليس [ ص: 44 ] له أن يرد .

                                                                                        والفرق أن البياض الثاني غير الأول حقيقة إلا أن في الصورة الأولى الثاني حدث في يد البائع فيوجب الرد وفي الثانية البياض الثاني حدث في يد المشتري فلا يوجب الرد ا هـ .

                                                                                        وبهذا ظهر أن لا إشكال ولا يحتاج إلى المشاورة نعم على ما نقله في فتح القدير من امتناع الرد في المسألتين مشكل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فشاورته في هذه المسألة فما استفدت منه فرقا ) قال في النهر يمكن أن يقال يلتزم أن الثاني غير الأول وإنما لا يرد إذا عاد عند البائع لأن المشتري رضي به ولا فرق بين الأول والثاني حيث لم يزد ولم ينتقل إلى مكان آخر على أن كونه لا يرد فيما إذا انجلى ثم عاد في يد البائع ليس قدرا متفقا عليه بل المذكور في الواقعات الحسامية أنه يرد [ ص: 44 ] ( قوله وبهذا ظهر أن لا إشكال ولا يحتاج إلى المشاورة إلخ ) قال الرملي هذا غير صحيح كما لا يخفى على ذي تأمل لأن مسألة فتح القدير مصورة بما إذا علم المشتري بالعيب حال الشراء ثم زال عند البائع ثم عاد عنده أيضا ومسألة الواقعات الحسامية مصورة بما إذا لم يعلم المشتري بالعيب حال الشراء ثم زال عند البائع ثم عاد عنده قبل القبض ثم علم المشتري بعد ذلك وفي هذه له الرد بل شبهة سواء جعل الثاني عين الأول أو غيره لأن العيب الذي لم يعلم به المشتري يثبت به الرد سواء كان موجودا حال البيع أو حدث بعده قبل القبض فهذه غير مسألة فتح القدير فالإشكال باق فتأمله .

                                                                                        كذا وجد بخط بعضهم كتب عليه شيخ الإسلام محمد الغزي رحمه الله تعالى أقول : لم يدع الشارح أن مسألة [ ص: 45 ] فتح القدير هي مسألة الحسامية وإنما يريد في إثبات الفرق في المسألة الأولى بما ذكره الحسامي من الفرق فيقال إن البياض الثاني غير الأول حقيقة إلا أن في الصورة الأولى الثاني حدث في يد البائع فيوجب الرد إذا لم يعلم به وعدمه فيما إذا علم به وفي الصورة الثانية حدث في يد المشتري فلا يجعل عين الأول فإن قلت : لم لم يجعل عين الأول حتى يكون للمشتري الرد وهذا هو المشاور فيه ولم يحصل من الشارح جواب عنه وينبغي أن يقال إن الأصل السلامة من العيوب كما هو مقتضى الفطرة والحادث يضاف إلى أقرب أوقاته فلا ضرورة في جعل البياض الحادث عند المشتري عين الأول حتى يرد به إذا لم يعلمه هذا ما ظهر للعبد الفقير وفيه كلام




                                                                                        الخدمات العلمية