الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله أو مات العبد أو أعتقه ) يعني يرجع بالنقصان إذا اطلع على عيب به بعد موته أو إعتاقه أما الموت فلأن الملك انتهى به والامتناع حكمي لا بفعله وأما الإعتاق فالقياس أن لا يرجع لأن امتناع الرد بفعله فصار كالقتل وفي الاستحسان يرجع لأن العتق إنهاء الملك لأن الآدمي ما خلق في الأصل محلا للملك وإنما يثبت فيه الملك مؤقتا إلى الإعتاق فكان إنهاء كالموت وهذا لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر والدليل على ثبوت أصل الملك مع الإعتاق ثبوت الولاء للمعتق وهو أثر من آثار الملك وفي الصغرى المشتري إذا باع من غيره فمات في يد الثاني ثم اطلع على عيب رجع بنقصان العيب على المشتري الأول وليس للمشتري الأول أن يرجع على بائعه الأول بنقصان العيب عند أبي حنيفة خلافا لهما حتى لو صالح المشتري الأول مع بائعه عن ذلك على شيء لا يصح عند أبي حنيفة لأنه لا حق له ا هـ .

                                                                                        كذا في الكافي وقد يقال ما المانع من جعله من آثار العتق ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى توابع الإعتاق وفيها تفصيل فالتدبير والاستيلاد كالعتق لتعذر النقل مع بقاء المحل بالأمر الحكمي وأما الكتابة فمانعة من الرجوع لجواز النقل لجواز بيعه برضاه وتعجيزه نفسه فصار بها حابسا كالإعتاق على مال وقيد في السراج الوهاج بأداء بدل الكتابة ليعتق ليصير عتقا على مال ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط مكاتب اشترى أباه أو ابنه لا يرده بالعيب لأنه صار مكاتبا والكتابة تمنع زوال الملك بسائر الأسباب فكذلك الفسخ ولا يرجع بنقصانه لأن الرجوع بالنقصان خلف عن الرد بدليل أنه لا يصار إليه مع القدرة على الرد وإنما يثبت الخلف إذا وقع اليأس عن الأصل ولم يقع لقبولها الفسخ بخلاف ما إذا دبره ثم وجد به [ ص: 58 ] عيبا فإن عجز المكاتب بعدما علم بالعيب رده المولى ويتولاه المكاتب لزوال المانع فإن باعه المولى أو مات المكاتب رده المولى بنفسه كالوكيل إذا مات فإن أبرأه المكاتب قبل العجز لا يرده المولى وإن أبرأه المولى قبل عجز المكاتب جاز ولو اشترى المكاتب أم ولده ومعها ولدها لا يردها بالعيب ويرجع بنقصانه ولو أبرأه المكاتب جاز ولو اشترى المولى من مكاتبه عبدا لا يرده بالعيب ولا يخاصم البائع ا هـ .

                                                                                        ولو قال المؤلف أو هلك المبيع ليتناول هلاك غير الآدمي لكان أولى وفي القنية اشترى جدارا مائلا فلم يعلم به حتى سقط فله الرجوع بالنقصان وفي جامع الفصولين ذهب به إلى بائعه ليرده بعيبه فهلك في الطريق هلك على المشتري ويرجع بنقصه وقدمنا حكم ما إذا قضي برده على البائع بعيبه فهلك عند المشتري .

                                                                                        والحاصل أن هلاك المبيع ليس كإعتاقه فإنه إذا هلك المبيع يرجع بنقصان العيب سواء كان بعد العلم به أو قبله وأما الإعتاق بعد العلم به فمانع من الرجوع بنقصانه بخلافه قبله وليس الإعتاق كاستهلاكه فإنه إذا استهلكه فلا رجوع مطلقا إلا في الأكل عندهما وقيل غير مانع من الرجوع بنقصه أيضا لوجوب الضمان به فهو كبيعه كذا في السراج الوهاج وفي جامع الفصولين ولو شرى بعيرا فلما أدخله في داره سقط فذبحه رجل بأمر المشتري فظهر عيبه يرجع بنقصه عندهما وبه أخذ المشايخ كما لو أكل طعاما ولو علم عيبه قبل الذبح فذبحه هو أو غيره بأمره لا يرجع ا هـ .

                                                                                        وفي الواقعات الفتوى على قولهما في الأكل فكذا هنا وفيه ولو اشترى برا على أنه ربيعي فزرعه فإذا هو خريفي اختار المشايخ أنه يرجع بنقص العيب وهو قولهما بناء على ما إذا اشترى طعاما فأكله فظهر عيبه والفتوى على قولهما ولو اشترى بزرا على أنه بزر بطيخ كذا فزرعه فظهر على صفة أخرى جاز البيع لاتحاد الجنس من حيث إنه بطيخ واختلاف الصفة لا يفسد العقد ولا يرجع بنقص العيب عند أبي حنيفة شرى على أنه بزر بطيخ شتوي فزرعه فإذا هو صيفي بطل البيع فيأخذ المشتري ثمنه وعليه مثل ذلك البزر ولو شرى بزر الدوين فزرعه في أرضه ولم ينبت رجع على بائعه بكل ثمنه إن كان لنقصان فيه وكذا لو شرى بزر البطيخ فزرعه فنبت القثاء أو شرى بزر القثاء فوجده بزر القثاء البلخي بطل البيع جملة شرى حب القطن فزرعه ولم ينبت قيل يرجع بنقص عيبه وقيل لا يرجع لأنه أهلك المبيع ا هـ .

                                                                                        وفي القنية باع منه دخنا للبذر وقال ازرعه فإن لم ينبت فأنا ضامن لهذا البذر فزرع فلم ينبت فعليه ضمان النقصان ا هـ .

                                                                                        وأشار بالإعتاق إلى الوقف فإذا وقف المشتري الأرض ثم علم بالعيب رجع بالنقص وفي جعلها مسجدا اختلاف والمختار الرجوع بالنقص كذا في جامع الفصولين وعليه الفتوى كما في البزازية وإذا رجع بالنقصان سلم له لأن النقصان لم يدخل تحت الوقف كذا في البزازية أيضا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله يعني يرجع بالنقصان إذا اطلع على عيب به بعد موته ) قال الرملي وكذا إذا اطلع قبله ولم يرض به إذ الموت يثبت الرجوع فيه مطلقا سواء علم بالغيب قبله ولم يرض به أو بعده قال في النهر ولا فرق في هذا بين أن يكون بعد رؤية العيب أو قبله ولو قال أو هلك المبيع لكان أفود إذ لا فرق بين الآدمي وغيره ومن ثم قال في الفصول ذهب به إلى بائعه ليرده بعيبه فهلك في الطريق يهلك على المشتري ويرجع بنقصه ا هـ .

                                                                                        أقول : قوله بعد رؤية العيب يعني ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به ( قوله لأن الرجوع بالنقصان خلف عن الرد إلخ ) هذا التعليل يفيد عدم [ ص: 58 ] اشتراط أداء البدل كما لا يخفى ولذا قال في النهر قال الشارح ولو عجز المكاتب ينبغي أن يرده بالعيب لزوال المانع كما لو اطلع على عيب في العبد الآبق لا يرجع بشيء لأن الرجوع خلف عن الرد فلا يصار إلى الخلف ما دام حيا فإذا رجع رده لزوال المانع وبه اندفع ما في السراج من تقييد الكتابة بأداء بدلها ليصير كالعتق على مال إذ لو صح هذا لما تصور عجزه كما لا يخفى ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية