الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وشعر الخنزير ) أي لم يجز بيعه إهانة له لكونه نجس العين كأصله فالبيع هنا لو جاز لكان إكراما ، وفي الخمر والخنزير كذلك لو جاز لكان إعزازا ، وقد أمرنا بالإهانة ، وفي لبن المرأة لو جاز لكان إهانة لها ، وقد أمرنا بإعزاز الآدمي فالفعل الواحد ، وهو البيع هنا يجوز أن يكون إعزازا بالنسبة إلى محل ، وإهانة بالنسبة إلى آخر مثلا إذا أمر السلطان بعض الغلمان بالوقوف عند الفرس بحضرته كان إعزازا له ، ولو أمر القاضي بذلك لكان إهانة له ، وحاصله أن جواز بيع المهان إعزاز له ، وجواز بيع المكرم إهانة له ( قوله وينتفع به ) أي يجوزالانتفاع بشعر الخنزير دفعا لما يتوهم من منع بيعه ، ولكنه مقيد بالخرز للضرورة فإن ذلك العمل لا يتأتى بدونه ، ويوجد مباحا فلا حاجة إلى القول بجواز بيعه وشرائه حتى لو لم يوجد لم يكره شراؤه للأساكفة للحاجة ، وكره بيعه لعدمها كما أفتى به الفقيه أبو الليث ، وظاهر كلامهم منع الانتفاع به عند عدم الضرورة بأن أمكن الخرز بغيره ، ولذا قيل لا ضرورة إلى الخرز به لإمكانه بغيره ، وكان ابن سيرين لا يلبس خفا خرز بشعر الخنزير فعلى هذا لا يجوز بيعه ، ولا الانتفاع به ، ولذا روي عن أبي يوسف كراهة الانتفاع به إلا أن يقال إن إمكان الخرز بغيره ، وإن وقع لفرد بسبب تحمله مشقة في خاصة نفسه لا يجوز أن يلزم العموم حرجا مثله ، وحيث كان جواز الانتفاع به للضرورة [ ص: 88 ] والأصل أن ما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها أفتى الإمام أبو يوسف بنجاسته فينجس الماء القليل إذا وقع فيه وطهره محمد لأن جواز الانتفاع به دليلها ، والصحيح قول أبي يوسف لما قدمناه ، وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة الخرازين مع شعر الخنزير ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم فهو مخرج على قول محمد بطهارته ، وأما على قول أبي يوسف فلا ، وهو الوجه لأن الضرورة لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على الامتناع عنه ، ويجتمع على ثيابهم هذا المقدار .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولكنه مقيد بالخرز للضرورة ) هذا بناء على قول أبي يوسف بنجاسته أما على قول محمد الآتي من أنه طاهر فلا يتقيد الانتفاع به بالخرز ، ولا بالضرورة قال الزيلعي [ ص: 88 ] في تعليل عدم إفساده الماء إذا وقع فيه لأن إطلاق الانتفاع به دليل طهارته . ا هـ .

                                                                                        وهذا يقتضي جواز بيعه عند محمد أيضا ، ولذا قال في النهر ، وينبغي أن يطيب للبائع الثمن على قول محمد .




                                                                                        الخدمات العلمية