الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( والزيادة فيه ) أي صحت الزيادة في الثمن ( والحط منه ) أي من الثمن ، ويلتحقان بأصل العقد عندنا ، وعند زفر لا يلتحقان ، وإنما يصحان على اعتبار ابتداء الصلة لأنه لا يمكن تصحيح الزيادة ثمنا لأنه يصير ملكه عوض ملكه فلا يلتحق بأصل العقد ، وكذا الحط لأن كل الثمن صار مقابلا بكل المبيع فلا يمكن إخراجه فصار برا مبتدأ ، ولنا أنهما بالحط والزيادة يغيران العقد من وصف مشروع إلى وصف مشروع ، وهو كونه رابحا أو خاسرا أو عدلا ، ولهما ولاية الرفع فأولى أن يكون لهما ولاية التغيير فصار [ ص: 130 ] كما إذا أسقطا الخيار أو شرطاه بعد العقد ، وإذا صح يلتحق بالعقد لأن وصف الشيء يقوم به لا بنفسه بخلاف حط الكل لأنه تبديل لأصله لا تغيير لوصفه ، ولذا قيد بقوله منه لإخراج حط الكل ، وفائدة الالتحاق تظهر في مسائل الأولى التولية الثانية المرابحة فيجوز على الكل في الزيادة ، وعلى الباقي بعد المحطوط ، الثالثة الشفعة حتى يأخذ ، الشفيع بما بقي في الحط ، وإنما كان له أن يأخذ بدون الزيادة لما فيها من إبطال حقه الثابت فلا يملكانه ، الرابعة في الاستحقاق حتى يتعلق الاستحقاق بالجميع فيرجع المشتري على البائع بالكل ، ولو أجاز المستحق البيع أخذ الكل ، الخامسة في حبس المبيع فله حبسه حتى يقبض الزيادة .

                                                                                        السادسة في فساد الصرف بالحط أو الزيادة للربا كأنهما عقداه متفاضلا ابتداء ، ومنع أبو يوسف صحة الزيادة فيه والحط ، ولم يبطل البيع ، ووافقه محمد في الزيادة ، وجوز الحط على أنه هبة مبتدأة كذا في الخلاصة ، ولم يذكر المصنف شرط صحة الزيادة في الثمن وشرط لها في الهداية بقاء المبيع فلا يصح بعد هلاك المبيع في ظاهر الرواية لأن المبيع لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه ، والشيء يثبت ثم يستند بخلاف الحط لأنه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله فيلتحق بأصل العقد استنادا ا هـ .

                                                                                        بخلاف الزيادة في المبيع فإنها جائزة بعد هلاكه لأنها تثبت بمقابلة الثمن ، وهو قائم كذا في الخلاصة ، وفي الخلاصة أيضا ، وشرطها في الثمن من المشترين بقاء المبيع ، وكونه محلا للمقابلة في حق المشتري حقيقة ، ولو كانت جارية فأعتقها أو دبرها أو استولدها أو كاتبها أو باعها من غيره بعد القبض ثم زاد في الثمن لا يجوز ، والمذكور في الكتاب قولهما ، وهما رويا عن أبي حنيفة أنه يجوز ، ولو أجرها أو رهنها أو اشترى شاة فذبحها ثم زاد في الثمن جاز بخلاف ما إذا ماتت الشاة ثم زاد في الثمن فإنه لا يجوز لأنها لم تبق محلا للبيع بخلاف الأول حيث قام الاسم ، والصورة ، وبعض المنافع .

                                                                                        وجملة هذا في كتاب نظم الزندوستي قال أحد عشر شيئا إذا فعل المشتري ثم زاد في الثمن لا يصح أولها إذا كانت حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو لحما فجعله قلية أو سكباجة أو جعله إربا إربا أو كان عبدا فأعتقه أو كاتبه أو دبره أو استولد الجارية أو قطنا فغزله أو غزلا فنسجه الحادي عشر أو كانت جارية فماتت ، ولو فعل اثنتي عشر ثم زاد يجوز أولها المبيع لو كانت شاة فذبحها ، وإن كان قطنا محلوجا فندفه أو غير محلوج فحلجه أو كرباسا فخاطه خريطة من غير أن يقطعه أو حديدا فجعله سيفا أو كانت جارية فرهنها أو أجرها أو كانت خرابة فبناها أو آجرها أو أجر الأرض ثم زاد في الثمن ، ومنها إذا باعها ثم إن المشتري الثاني لقي البائع الأول فزاد في الثمن جاز ، ومنها المزارع إذا زاد رب الأرض السدس في نصيبه ، والبذر منه قبل أن يستحصده جاز ، وبعده لا الكل في النظم . ا هـ .

                                                                                        وفي تلخيص الجامع من باب ما يمنع الزيادة في الثمن تلحق العقد مغيرا وصفه لا أصله حذار اللغو كالخيار بعدما زاد الأصل ولدا وار .

                                                                                        وكذا قوله وتمامه فيه ، ولو عبر باللزوم بدل الصحة لكان أولى لأنها لازمة حتى لو ندم المشتري بعدما زاد يجبر إذا امتنع كما في الخلاصة ، وأطلقها فشمل ما إذا كانت من جنس الثمن أو من غيره ، وما إذا كانت في مجلس العقد أو بعد مدة كما في الخلاصة ، وترك قيدا لا بد منه ، وهو قبول البائع في المجلس حتى لو زاده فلم يقبل حتى تفرقا بطلت كذا في الخلاصة ، وأطلق فيمن زاد فشمل المشتري ووارثه فتصح الزيادة من الورثة كما تصح من العاقدين كذا في الخلاصة ، وهو شامل للزيادة في المبيع أيضا لكن يرد عليه الزيادة من الأجنبي ، وحاصلها كما في الخلاصة معزيا إلى الجامع الكبير لو زاد الأجنبي فإن زاد بأمر المشتري يجب على المشتري لا على الأجنبي كالصلح ، وإن زاد بغير أمره فإن أجازه المشتري لزمته ، وإن لم يجز بطلت الزيادة ، ولو كان حين زاد ضمن عن المشتري أو أضافها إلى مال [ ص: 131 ] نفسه لزمته الزيادة ثم إن كان بأمر المشتري رجع ، وإلا فلا ، وأما الحط فإنه جائز في جميع المواضع في موضع تجوز الزيادة ، وفي موضع لا تجوز . ا هـ .

                                                                                        وأما الزيادة في المهر فشرطها بقاء المرأة فلو زاد فيه بعد موتها لم تصح ، وأما الزيادة بعد طلاقها أو عتقها لو كانت أمة فقدمنا أحكامها في المهر ، وأما الزيادة في الأجرة بعد استيفاء بعض المعقود عليه فغير صحيحة ، وتجوز الزيادة في العين ، والمدة كذا في القنية .

                                                                                        وأما الزيادة في الرهن فسيأتي أنها صحيحة في الرهن لا في الدين ، وفي الخانية من كتاب المزارعة لو زاد أحدهما في نصيب الآخر إن كان قبل إدراك الزرع جاز مطلقا ، وإن كان بعده جاز من الذي لا بذر له لأنه حط ، ولا يجوز ممن البذر منه لأنه زيادة ، وشرطها قيام السلعة ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وكذا الحط ) أي لا يلتحق بأصل العقد ، وقوله فلا يمكن إخراجه أي إخراج كل الثمن عن المقابلة بكل المبيع كذا في الحواشي السعدية [ ص: 130 ] ( قوله لأن وصف الشيء يقوم به ) يعني أن الزيادة في الثمن والحط منه وصف له فتلتحق بالعقد لأن وصف الشيء إلخ ، وفي الحواشي السعدية أقول : الزيادة في المكيلات والموزونات والمعدودات ليست بوصف فكيف يصح الالتحاق فيما إذا كانت مبيعة ( قوله بخلاف حط الكل ) أي فلا يصح قال في الحواشي السعدية يعني بطريق الالتحاق ، وإلا فحط الكل صحيح بطريق البر والصلة بالاتفاق ( قوله وترك قيدا لا بد منه إلخ ) قال الرملي في حواشي المنح هكذا ذكر صاحب البحر فتبعه المصنف مع ظهور الاستغناء عنه إذ الزيادة تمليك للبائع فلا تدخل في ملكه بدون قبوله بخلاف الحط فإنه إبراء ، وهو لا يتوقف على القبول ، ولو رده ارتد كما يفهم من عباراتهم في هذا المحل تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية