( قوله : ويجلس بينهما إلا في المغرب ) أي على وجه السنية إلا في المغرب فلا يسن الجلوس بل السكوت مقدار ثلاث آيات قصار أو آية طويلة أو مقدار ثلاث خطوات وهذا عند ويجلس المؤذن بين الأذان والإقامة وقالا يفصل أيضا في المغرب بجلسة خفيفة قدر جلوس الخطيب بين الخطبتين وهي مقدار أن تتمكن مقعدته من الأرض بحيث يستقر كل عضو منه في موضعه والأصل أن الوصل بينهما في سائر الصلوات مكروه إجماعا لحديث أبي حنيفة { بلال } غير أن الفصل في سائر الصلوات بالسنة أو ما يشبهها لعدم كراهية التطوع قبلها وفي المغرب كره التطوع قبله فلا يفصل به ، ثم قال الجلسة تحقق الفصل كما بين الخطبتين ولا يقع الفصل بالسكتة ; لأنها توجد بين كلمات الأذان ولم تعد فاصلة ، وقال اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله : إن الفصل بالسكتة أقرب إلى التعجيل المستحب والمكان هنا مختلف ; لأن السنة أن يكون الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكذا النغمة والهيئة بخلاف خطبتي الجمعة لاتحاد المكان والهيئة فلا يقع الفصل إلا بالجلسة ، وفي الخلاصة ولو فعل المؤذن كما قالا لا يكره عنده ولو فعل كما قال لا يكره عندهما يعني أن الاختلاف في الأفضلية وبما تقرر علم أنه يستحب التحول للإقامة إلى غيره موضع الأذان وهو متفق عليه وعلم أن تأخير المغرب قدر أداء ركعتين مكروه ، وقد قدمنا عن القنية أن التأخير القليل لا يكره فيجب حمله على ما هو أقل من قدرهما إذا توسط فيهما ليتفق كلام الأصحاب ، كذا في فتح القدير ولم يذكر أبو حنيفة المصنف رحمه الله مقدار الجلوس بينهما ; لأنه لم يثبت في ظاهر الرواية
وروى الحسن عن في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية ، ثم يثوب وإن صلى ركعتي الفجر بين الأذان والتثويب فحسن وفي الظهر يصلي بينهما أربع [ ص: 276 ] ركعات يقرأ في كل ركعة نحو عشر آيات والعشاء كالظهر وإن لم يصل فليجلس قدر ذلك ولم يذكروا هنا أنه يجلس بينهما بقدر اجتماع الجماعة ، مع أنهم قالوا ينبغي للمؤذن مراعاة الجماعة ، فإن رآهم اجتمعوا أقام وإلا انتظرهم ولعله والله أعلم أنه لم يذكر في ظاهر الرواية مقداره لهذا ; لأنه غير منضبط . ( قوله : ويؤذن للفائتة ويقيم ) ; لأن الأذان سنة للصلاة لا للوقت فإذا فاتته صلاة تقضى بأذان وإقامة لحديث أبي حنيفة أبي داود وغيره { بالأذان والإقامة حين ناموا عن الصبح وصلوها بعد ارتفاع الشمس بلالا } وهو الصحيح في مذهب أنه صلى الله عليه وسلم أمر كما ذكره الشافعي النووي في شرح المهذب ولأن القضاء يحكي الأداء ولهذا يجهر الإمام بالقراءة إن كانت صلاة يجهر فيها وإلا خافت بها ، وذكر الشارح أن الضابط عندنا أن كل فرض أداء كان أو قضاء يؤذن له ويقام سواء أدى منفردا أو بجماعة إلا الظهر يوم الجمعة في المصر فإن أداءه بأذان وإقامة مكروه يروى ذلك عن . ا هـ . علي
ويستثنى أيضا كما في الفتح ما تؤديه النساء أو تقضيه لجماعتهن ; لأن عائشة أمتهن بغير أذان ولا إقامة حين كانت جماعتهن مشروعة وهذا يقتضي أن المنفردة أيضا كذلك ; لأن تركهما لما كان هو السنة حال شرعية الجماعة كان حال الانفراد أولى أطلقه فشمل ما إذا قضاها في بيته أو في المسجد وفي المجتبى معزيا إلى الحلواني أنه سنة القضاء في البيوت دون المساجد فإن فيه تشويشا وتغليظا . ا هـ .
وإذا كانوا قد صرحوا بأن الفائتة لا تقضى في المسجد لما فيه من إظهار التكاسل في إخراج الصلاة عن وقتها فالواجب الإخفاء فالأذان للفائتة في المسجد أولى بالمنع وحكم الأذان للوقتية قد علم من قوله أول الباب سن للفرائض وسيأتي آخر الباب أنه لا يكره تركهما لمن يصلي في بيته فتعين أن تكون السنة في الأداء إنما هو إذا صلى في المسجد بجماعة أو منفردا أو لا وعليه يحمل كلام الشارح المتقدم وعلى هذا فقوله ويؤذن للفائتة احترازا عن الوقتية فإنه إذا صلاها في بيته بغير أذان ولا إقامة لم يكره كما قدمناه وصرح به في السراج الوهاج فتحرر من هذا أن القضاء مخالف للأداء في الأذان ; لأنه يكره تركهما في القضاء ولا يكره في الأداء وكلاهما في بيته لا في المسجد وسيأتي فيه زيادة إيضاح آخر الباب وهل يرفع صوته بأذان الفائتة فينبغي أنه إن كان القضاء بالجماعة يرفع وإن كان منفردا ، فإن كان كذلك في الصحراء يرفع للترغيب الوارد في الحديث في رفع صوت المؤذن لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة وإن كان في البيت لا يرفع ولم أره في كلام أئمتنا .
( قوله : وكذا لأولى الفوائت وخير فيه للباقي ) أي في الأذان إن شاء أذن وإن شاء تركه لما روى بسنده { أبو يوسف أنه صلى الله عليه وسلم حين شغلهم الكفار يوم الأحزاب عن أربع صلوات عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاهن على الولاء وأمر أن يؤذن ويقيم لكل واحدة منهن بلالا } ولأن القضاء على حسب الأداء وله الترك لما عدا الأولى ; لأن الأذان للاستحضار وهم حضور وعن في غير رواية الأصول أن الباقي بالإقامة لا غير قال محمد إنه قول الكل والمذكور في الظاهر محمول على صلاة واحدة وهذا الحمل لا يصح لأن المذكور في ظاهر الرواية إنما هو حكم الفوائت صريحا فكيف يحمل على الواحدة وكيف يصح مع هذا الحمل أن يقال يؤذن لأولى الفوائت ويخير فيه للباقي قيد بالفائتة احترازا عن الفاسدة إذا أعيدت في الوقت فإنه لا يعاد الأذان ولا الإقامة ولهذا قال في المجتبى قوم ذكروا فساد صلاة صلوها في المسجد في الوقت قضوها بجماعة فيه ولا يعيدون الأذان ولا الإقامة وإن قضوها بعد الوقت قضوها في غير ذلك المسجد بأذان وإقامة وفي المستصفى التخيير في الأذان للباقي إنما هو إذا قضاها في مجلس واحد ، أما إذا قضاها في مجالس فإنه يشترط كلاهما . ا هـ . . الرازي