قوله ( وبلا قبول الطالب في مجلس العقد ) أي وبطلت أي لم تنعقد أصلا وهذا عند الكفالة بلا قبول الطالب في مجلس الإيجاب أبي حنيفة ، وقال ومحمد يجوز إذا بلغه فأجاز ولم يشترط في بعض النسخ الإجازة وهو الأظهر عنه والخلاف في الكفالة في النفس والمال جميعا له أنه تصرف التزام فيستبد به الملتزم ، وهذا وجه الظاهر عنه ووجه التوقف ما قدمناه في الفضولي في النكاح ولهما أن فيهما معنى التمليك وهو تمليك المطالبة منه فيقوم بهما جميعا والموجود شطره فلا يتوقف على ما وراء المجلس إلا أن يقبل عن الطالب فضولي فإنه يصح ويتوقف على إجازته وللكفيل أن يخرج نفسه عنها قبل إجازته ، كذا في شرح المجمع والحقائق وبه علم أن قبول الطالب بخصوصه إنما هو شرط النفاذ ، وأما أصل القبول في مجلس الإيجاب فشرط الصحة فلو حذف الطالب في الكتاب لكان أولى كما فعل في الإصلاح ونبه عليه في الإيضاح وفي البزازية الفضولي لو فسخ الموقوف لا يصح ، كذا في البزازية وفي البزازية الفتوى على قول الثاني قيد بالإنشاء ; لأنه لو أخبر عن الكفالة حال غيبة الطالب يجوز إجماعا ولو اختلفا فقال الطالب أخبرت ، وقال الكفيل كان إنشاء فالقول للطالب . أبو يوسف
كذا في البزازية وفي السراج الوهاج لو قال ضمنت ما لفلان على فلان وهما غائبان فقبل فضولي ثم بلغهما فأجاز فإن أجاز المطلوب أولا ثم الطالب جازت وكانت كفالة بالأمر وإن كان على العكس جازت وكانت بغير الأمر وإن لم يقبل فضولي عن الطالب لم تجز مطلقا عندهما ، وكذا لو كان الطالب حاضرا وقبل ورضي المطلوب فإن رضي قبل قبول الطالب رجع عليه وإن بعده فلا رجوع . ا هـ .
قوله ( إلا أن يكفل وارث المريض عنه ) بأن فكفل به مع غيبة الغرماء لأن ذلك وصية في الحقيقة ولذا تصح وإن لم يسم المكفول لهم ولهذا قالوا إنما تصح إذا كان له مال أو يقال أنه قائم مقام الطالب لحاجته إليه تفريغا لذمته وفيه نفع الطالب فصار كما إذا حضر بنفسه وإنما يصح بهذا اللفظ ولا يشترط القبول ; لأنه يراد به التحقيق دون المساومة ظاهرا في هذه الحالة فصار كما إذا كفل بنفسه كالأمر بالنكاح قيد بالوارث ; لأن المريض لو قال ذلك لأجنبي اختلف المشايخ فيه فمنهم من قال بالجواز تنزيلا للمريض منزلة الطالب ومنهم من قال بعدمه ; لأن الأجنبي غير مطالب بقضاء دينه بلا التزام فكان المريض والصحيح سواء والأول أوجه . يقول المريض لوارثه تكفل عني بما علي من الدين
كذا في فتح القدير وحقق أنها كفالة لكن يرد عليه توقفها على المال كما قدمناه وقيد بالمريض ; لأن الصحيح لو قال ذلك لوارثه أو غيره لم يصح ومن هنا يقال أنها ليست كفالة من كل وجه ; لأنها لا تصح إلا إذا كان للمريض مال فلو كانت كفالة مطلقا لصحت مطلقا وليست وصية من كل وجه ; لأنها لو كانت وصية مطلقا لصح الأمر من الصحيح ولذا قال في معراج الدراية في تعليل الكتاب بأن ذلك وصية في الحقيقة نظر إذ لو كانت وصية حقيقة لما اختلف الحكم بين حالة الصحة وحالة المرض إلا أن يؤول بأنه في معنى الوصية في الحقيقة وفيه بعد . ا هـ .
وقد يقال لا فائدة في هذه الكفالة ; لأن الوارث مطالب بقضاء دين الميت من مال الميت سواء قال له المريض تكفل عني أو لا ، وإذا لم يكن له تركة لا مطالبة عليه سواء قال له ذلك أم لا فأي فائدة فيها وقد وقع الاشتباه لعدم الاطلاع على نقل [ ص: 253 ] فيما إذا تكفل بعض الورثة بأمر المريض وكان له مال غائب هل يطالب الكفيل بقضاء دين الميت من ماله ثم يرجع في التركة أو لا ، ولهذا قال في السراج الوهاج أن الورثة يطالبون بدين مورثهم بلا ضمان والضمان ما زاده إلا تأكيدا ، وقيد في الهداية المسألة بأمر المريض لورثته لأن الورثة لو قالوا ضمنا للناس كل دين لهم عليك ولم يطلب المريض ذلك منهم والغرماء غيب لم يصح ولو قالوا ذلك بعد موته صحت الكفالة وروي عن جواز كفالتهم في مرضه وإن لم يطلب المريض منهم ذلك كذا في السراج الوهاج والخانية وفي البدائع ، وأما مسألة المريض فقد قال بعض مشايخنا : إن جواز الضمان بطريق الإيصاء بالقضاء عنه بعد موته لا بطريق الكفالة وبعضهم أجازوه على سبيل الكفالة ووجه ما أشار إليه أبي حنيفة في الأصل ، وقال هو بمنزلة المعبر عن غرمائه ، وشرح هذه الإشارة - والله أعلم - أن المريض مرض الموت يتعلق الدين بماله ويصير بمنزلة الأجنبي عنه حتى لا ينفذ منه التصرف المبطل لحق الغريم ولو قال أجنبي للورثة اضمنوا الغرماء فلان عنه فقالوا ضمنا يكتفى به فكذا المريض . ا هـ . . أبو حنيفة
[ ص: 252 ]