الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( ولم يرجع المحتال على المحيل إلا بالتوى ) ; لأن براءته مقيدة بسلامة حقه إذ هو المقصود أو لفسخ الحوالة لفواته ، وأنها تحتمل الفسخ فصار كوصف السلامة في المبيع ، وهذا إذا لم يشترط الخيار للمحال أما إذا جعل للمحال الخيار أو أحاله على أن له أن يرجع على أيهما شاء صح كذا في البزازية ومراده إذا كانت الحوالة باقية ، أما إذا فسخت الحوالة فإن للمحتال الرجوع بدينه على المحيل ولذا قال في البدائع إن حكمها ينتهي بفسخها وبالتوى وفي البزازية والمحيل والمحتال يملكان النقض وبالنقض يبرأ المحتال عليه ، وقدمنا عن الذخيرة أن الحوالة إذا تعددت على رجلين كانت الثانية نقضا للأولى ، وفيها أيضا قال محمد في الزيادات رجل له على رجل ألف درهم وبها كفيل وعلى رب الدين لرجلين ألفا درهم دين لكل واحد منهما ألف درهم أحال رب الدين أحد غريميه على الكفيل حوالة مقيدة بذلك الدين ، وأحال الغريم الآخر على الأصيل حوالة مقيدة بذلك الدين فهذا على وجهين إما أن حصلت الحوالتان على التعاقب وهو على وجهين ، إما أن بدأ بالحوالة على الأصيل أو بالحوالة على الكفيل فإن بدأ بالحوالة على الكفيل صحت الحوالتان أما الحوالة على الكفيل فظاهر .

                                                                                        وأما الحوالة على الأصيل فلأن تأخير المطالبة عن الكفيل لا يوجب تأخير المطالبة عن الأصيل ولا تبطل الحوالة الأولى بالحوالة الثانية ; لأن المطالبة قد تأخرت عن الكفيل بالحوالة الأولى وإن بدأ بالحوالة على الأصيل ثم بالحوالة على الكفيل فالحوالة على الأصيل صحيحة وعلى الكفيل باطلة ، ولو وقعتا معا جازتا إلى آخر ما فيها وقوله إلا بالتوى مقيد بأن لا يكون المحيل هو المحتال عليه ثانيا لما في الذخيرة رجل أحال رجلا له عليه دين على رجل ، ثم إن المحتال عليه أحاله على الذي عليه الأصل برئ المحتال عليه الأول فإن توى المال على الذي عليه الأصل لا يعود إلى المحتال عليه الأول . ا هـ .

                                                                                        وللتوى معنيان لغوي واصطلاحي هنا ، فالأول ففي المصباح التوى وزان الحصى وقد يمد هو الهلاك ا هـ .

                                                                                        وفي الصحاح التوى مقصور إهلاك المال يقال توي المال بالكسر يتوى توى وأتواه غيره ، وهذا مال تو على فعل . ا هـ .

                                                                                        وأما الثاني فأفاده بقوله ( وهو أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بينة له أو يموت مفلسا ) ; لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد وهو التوى في الحقيقة .

                                                                                        ولو فلسه الحاكم بعدما حبسه لا يكون توى عند أبي حنيفة وقالا هو توى ; لأنه عجز عن الأخذ منه بتفليس الحاكم وقطعه عن ملازمته عندهما فصار كعجزه عن الاستيفاء بالجحود أو بموته مفلسا ولأبي حنيفة أن الدين باق في ذمته وبتعذر الاستيفاء لا يوجب الرجوع ألا ترى أنه لو تعذر بغيبة المحتال عليه لا يرجع على المحيل ، وهذا بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده خلافا لهما ; لأن مال الله تعالى عز وجل غاد ورائح وفي البزازية أحال على رجل فغاب المحتال عليه فزعم المحتال أن المحتال عليه جحد الحوالة وحلف وبرهن على ذلك لا تقبل ولا تصح دعواه ; لأن المشهود عليه غائب ا هـ .

                                                                                        [ ص: 273 ] وفي المحيط وإن صدقه المحيل رجع عليه بدون البينة والإفلاس للميت بأن لم يترك مالا عينا ولا دينا ولا كفيلا ، ووجود الكفيل يمنع موته مفلسا على ما في الزيادات وفي الخلاصة لا يمنع وإن المحتال لو أبرأ الكفيل بعد موت المحال عليه فله أن يرجع بدينه على المحيل وفي البزازية أخذ المحتال من المحال عليه بالمال كفيلا ، ثم مات المحال عليه مفلسا لا يعود الدين إلى ذمة المحيل سواء كفل بأمره أو بغير أمره ، والكفالة حالة أو مؤجلة أو كفل حالا ثم أجله المكفول له وإن لم يكن به كفيل ولكن تبرع رجل ، ورهن به رهنا ثم مات المحال عليه مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل ، ولو كان مسلطا على البيع فباعه ولم يقبض الثمن حتى مات المحال عليه مفلسا بطلت الحوالة ، والثمن لصاحب الرهن ، ولو قال الطالب مات المحال عليه بلا تركة ، وقال المحيل عن تركة فالقول للطالب مع حلفه . ا هـ .

                                                                                        ثم قال فيها قال المحيل مات المحال عليه بعد أداء الدين إليك ، وقال المحال عليه بل قبله وتوى حقي فلي الرجوع فالقول للمحتال لتمسكه بالأصل ا هـ .

                                                                                        وأورد على قولهم لتمسكه بالأصل وهو العسرة ما لو أوصى لفقراء بني فلان ، وجاء واحد من بني فلان وقال أنا فقير وقالت الورثة إنه غني فالقول للورثة ، وإن كان الأصل العسرة ; لأن الفقير مدع وليس بدافع شيئا عن نفسه من حيث المعنى وفي مسألتنا الطالب منكر معنى لأن المحيل بدعواه أن المحتال عليه مات عن وفاء يدعي توجه المطالبة على الورثة ، وأنها لم تكن ثابتة على الوارث ، وهذا دعوى على الطالب فإنه متى ثبت ذلك لا يعود الدين على المحيل والطالب بدعوى الفقر ينكر ذلك فقد انضم إلى التمسك بالأصل الإنكار معنى وفي مثله القول قول المتمسك بالأصل كذا في الذخيرة

                                                                                        [ ص: 272 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 272 ] ( قوله وفي البزازية أحال على رجل إلخ ) الضمير في جحد وحلف للمحتال عليه وفي برهن للمحتال [ ص: 273 ] ( قوله وفي الخلاصة لا يمنع وأن المحتال إلخ ) الذي رأيته في الخلاصة نصه : ولو مات المحتال عليه ولم يترك شيئا ، وقد أعطى كفيلا بالمال ، ثم أبرأ صاحب المال الكفيل منه له أن يرجع على صاحب الأصل وفي الزيادات المحتال له إذا أخذ الكفيل من المحتال عليه بالمال ، ثم مات المحتال عليه مفلسا لا يعود الدين إلى ذمة المحيل سواء كفل عنه بأمره أو بغير أمره ، والكفالة حالة أو مؤجلة أو كفل حالا ثم أجله المكفول له ا هـ .

                                                                                        ولم أر فيها التصريح بأنه لا يمنع وما ذكره من رجوعه على الأصل ، وهو المحيل سببه إبراء الكفيل وهو غير ما نقله عن الزيادات تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية