( قوله وإذا رفع إليه حكم قاض أمضاه إن لم يخالف الكتاب والسنة المشهورة والإجماع ) لترجح الاجتهاد الأول بالقضاء فلا ينقضه أطلقه فشمل ما إذا كان موافقا لرأيه أو مخالفا لكون لفظ الحكم نكرة في سياق الشرط فتعم فليس في كلامه ما يوهم أنه إنما يمضيه إذا كان موافقا لرأيه كما زعم الشارح وفي الجامع الصغير وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه وفي المعراج وإنما ذكر لفظ الجامع بهذا اللفظ المذكور ; لأن فيه فائدتين إحداهما أنه قيد بالفقهاء ; لأن القاضي إذا كان غير عالم بموضع الاجتهاد فاتفق قضاؤه في موضع الاجتهاد فعلى قول عامة المشايخ لا يجب على الثاني تنفيذه كذا ذكره في فصول الأسروشني محالا إلى المحيط والذخيرة فقال لو قضى في فصل مجتهد فيه وهو لا يعلم بذلك قيل ينفذ قضاؤه وعامتهم لا ينفذ وإنما ينفذ إذا علم بكونه مجتهدا فيه قال شمس الأئمة هذا هو ظاهر المذهب والثاني أنه قيد بقوله يرى غير ذلك وفي رواية القدوري لم يتعرض لذلك فيحتمل أن قوله أمضاه فيما إذا كان موافقا . ا هـ .
وفي الخلاصة أن هذا الشرط يعني كونه عالما بالاختلاف وإن كان ظاهر المذهب لكن يفتى بخلافه والتحقيق المعتمد أن علمه بكون ما حكم فيه مجتهدا فيه شرط ، وأما علمه بكون المسألة اجتهادية فلا ويدل عليه ما في الفتاوى الصغرى وشمل قوله حكم قاض ما إذا كان الحكم موافقا لرأيه ومخالفا وما إذا كان القاضي باقيا على قضائه أو مات أو عزل كما في خزانة الأكمل [ ص: 9 ] فلو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة وفي العامد روايتان وعندهما لا ينفذ في الوجهين واختلف الترجيح ففي الخانية أظهر الروايتين عن أبي حنيفة نفاذ قضائه وعليه الفتوى ا هـ .
وهكذا في الفتاوى الصغرى وفي المعراج معزيا إلى المحيط الفتوى على قولهما وهكذا في الهداية وفي فتاوى ظهير الدين استحق للسلطان أن ينقضه . ا هـ .
وفي فتح القدير فقد اختلف في الفتوى والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل ، وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره هذا كله في القاضي المجتهد فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم ا هـ .
ثم اعلم أن عبارات المشايخ قد اختلفت في هذه المسألة أعني ما إذا قضى المقلد بخلاف مذهبه موافقا لمذهب مجتهد ففي البزازية معزيا إلى شرح الطحاوي إذا لم يكن القاضي مجتهدا وقضى بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه وله أن ينقضه كذا عن محمد وقال الثاني ليس له أن ينقضه أيضا . ا هـ .
وهكذا ذكر العمادي في الفصول ثم قال القاضي إذا قضى في محل الاجتهاد وهو يرى خلاف ذلك في بعض المواضع أنه لا ينفذ وفي بعضها أنه ينفذ ولم يذكر فيه خلافا والصحيح أن فيه خلافا بين أبي حنيفة وصاحبيه وذكر في المحيط اختلاف الرواية في بعضها في نفاذ القضاء وفي بعضها في حل الإقدام على القضاء ا هـ .
وفي عمدة الفتاوى القاضي إذا قضى بقول مرجوع عنه جاز وكذا لو قضى في فصل مجتهد فيه ا هـ .
وكذا في السراجية وفي مآل الفتاوى قضى بخلاف مذهبه وهو مختلف فيه قال أبو حنيفة ينفذ وقال أبو يوسف لا ينفذ ا هـ .
فقد تحرر أن القاضي المقلد إذا قضى بمذهب غيره فإنه ينفذ وكذا إذا قضى برواية ضعيفة أو بقول ضعيف لإطلاق قولهم أن القول الضعيف يتقوى بقضاء القاضي وما قيده به في فتح القدير من أن هذا إنما هو في المجتهد ثابت في بعض العبارات ولذا قال في القنية القاضي المقلد إذا قضى بخلاف مذهبه لا ينفذ ا هـ .
ويخالفه ما أفتى به شيخه الشيخ عمر قارئ الهداية حين سئل عن وقف لم يحكم به رجع الواقف عنه ووقفه على جهة أخرى وحكم به قاض حنفي فهل يصح الثاني أم الأول أجاب بأن الثاني هو الصحيح وإن كان الفتوى على خلاف قول أبي حنيفة لكنه تأيد بحكم الحاكم وفي شرح منظومة ابن وهبان له صورة المسألة لو حكم الحاكم في واقعة بحكم بخلاف مذهب مقلده بفتح اللام يعني الإمام الذي يقلده وهذا إذا كان القاضي مقلدا وليس هو من أهل الاجتهاد كالقضاة الحنفية في زماننا مثلا هل يصح قضاؤه أو لا والجواب أنه إن كان ذاكرا لمذهبه لا يجوز وإلا جاز عنده خلافا لهما ا هـ .
ومن العجيب أن صاحب البدائع قيد الخلاف بعكس ما في فتح القدير فقال ما نقل أن القاضي إذا قضى بخلاف مذهبه عمدا وقع باطلا وإن كان ناسيا عنده يصح وعندهما لا يصح وهذا إذا كان القاضي ليس من أهل الاجتهاد فأما إذا كان من أهل الاجتهاد فينبغي أن يصح قضاؤه في الحكم بالإجماع ولا يكون لقاض آخر أن يبطله [ ص: 10 ] ; لأنه لا يصدق على النسيان بل يحمل على أنه اجتهد فأدى اجتهاده إلى مذهب خصمه فقضى به فيكون قضاؤه باجتهاده فيصح . ا هـ .
بلفظه والحق في هذه المسألة أن القاضي إذا حكم على خلاف مذهبه فإن كان متوهما أنه على وفقه باطل يجب نقضه وإن وافق مجتهدا فيه وإن كان معتمدا مذهب غيره فإنه لا ينقض وهذا التفصيل متعين في حكام زماننا فإنهم لا يعتمدون في أحكامهم على الاجتهاد لا مطلقا ولا مقيدا لكونهم مقلدين فإذا جرى منهم الحكم بخلاف مذهبهم فهو مقطوع بكونه منه خطأ فينقض وقولهم لا ينقض الحكم في المجتهدات معلل بأن الاجتهاد لا ينقض بمثله لا مطلقا فإذا كان القاضي متوهما أنه مذهبه فأخطأ فيه لم يكن مجتهدا فيه ومعنى قوله أمضاه حكم بمقتضاه وفي السراج الوهاج المراد من الحاكم القاضي والمراد من الإمضاء إلزام الحكم بعد دعوى صحيحة من خصم على خصم ولذا قال في البزازية وإن أرادوا أن يثبتوا حكم الخليفة عند الأصل لا بد من تقديم دعوى صحيحة على خصم حاضر وإقامة البينة كما لو أرادوا إثبات قضاء آخر ا هـ .
فالحاصل أن الحكم المرفوع لا بد أن يكون في حادثة وخصومة صحيحة كما صرح به العمادي في الفصول والبزازي في الفتاوى قالا وهنا شرط لنفاذ القضاء في المجتهدات وهو أن يصير حادثة تجري بين يدي القاضي من خصم على خصم حتى لو فات هذا الشرط لا ينفذ القضاء ; لأنه فتوى ا هـ .
فلو رفع إلى حنفي قضاء مالكي بلا دعوى لم يلتفت إليه ويحكم بمقتضى مذهبه ولا بد في إمضاء الثاني لحكم الأول من الدعوى أيضا كما سمعت ولا يشترط إحضار شهود الأصل بل يكفي على قضاء القاضي قال في البزازية قاضي بلدة حكم على رجل بمال وسجل ثم مات القاضي وأحضر المدعي المحكوم عليه عند قاض آخر وبرهن على قضاء الأول أجبره الثاني على أداء المال إن كان الحكم الأول صحيحا ولو شهدوا أن قاضيا من قضاة البلد قضى بهذا المال لا يحكم به وفي كل فعل لا بد من تسمية الفاعل ونسبه فإن قال الشهود إن القاضي الأول غير عدل لا يمضي القاضي الثاني قضاءه ا هـ .
وكتبنا في الفوائد الفقهية أن القاضي إذا ارتاب في حكم الأول له أن يطلب شهود الأصل وإذا علمت ذلك ظهر لك أن التنافيذ الواقعة في زماننا غير معتبرة لصدورها بلا دعوى وحادثة وإنما يقيم صاحب الواقعة بينة يشهدون على حكم القاضي فلان ليكتب له القاضي الثاني أنه اتصل به حكم الأول ونفذه فإن قلت : القاضي إذا قضى بشيء في حادثة بعد دعوى هل يكون قضاء فيما هو من لوازمه وإن لم يعلم به القاضي .
قلت : لا لما في قضاء البزازية في فصل فسخ اليمين المضافة وإن زوجه رجل امرأة بلا أمره وأجاز بالفعل ثم طلقها ثلاثا ثم تزوجها بنفسه ثم ترافعا إلى القاضي فإن أعلمه بتقدم نكاح الفضولي فقضى بالنكاح صح ويكون قد قضى ببطلان اليمين وببطلان نكاح الفضولي وببطلان الثلاث بعده وإن لم يعلم بتقدم النكاح يعلمه حتى يقضي في موضع الاجتهاد ويقصد بالقضاء اليمين المضافة ونكاح الفضولي ا هـ .
ثم قال وروي عن الإمام الثاني فيمن قال كل امرأة يتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وهو لا يرى الوقوف فرفعته امرأته إلى قاض لا يرى الوقوع فقضى بصحة النكاح ثم تحول رأي الرجل إلى الوقوع فتزوج امرأة أخرى بعدها فإنه يمسك الأولى ويعمل برأيه الحادث في الحادثة فيفارقها ; لأن القاضي إنما قضى بإبطال الطلاق في الأولى بالاجتهاد فنفذ قضاؤه فبعد ذلك بتحول رأيه لا يملك نقض رأيه ذلك ، وأما الحادثة فيثبت عليها الحل الآن ولم يجر عليها حكم القاضي فيعمل برأيه والحيلة فيه أن يتزوج امرأة بعد فسخ ويدعي عند القاضي أنها زوجته بحكم الفسخ على امرأة أخرى وتزعم المرأة أنها عليه حرام أخذا بمذهب الثاني فيترافعان إلى القاضي الحنفي فيحكم القاضي الحنفي بأنها زوجته بمذهب محمد ا هـ .
فقد علمت من ذلك كثيرا من المسائل [ ص: 11 ] فإذا قضى شافعي بصحة بيع عقار وموجبه لا يكون حكما منه بأن لا شفعة للجار لعدم حادثتها وكذا إذا قضى حنفي لا يكون حكما بأن الشفعة للجار وإن كانت الشفعة من مواجبه ; لأن حادثتها لم توجد وقت الحكم ولا شعور للقاضي بها وكذا إذا قضى مالكي بصحة التعليق في اليمين المضافة لا يكون حكما بأنه لا يصح نكاح الفضولي المجاز بالفعل لعدمه وقته فافهم فإن أكثر أهل الزمان عنه غافلون وشرط أن لا يخالف الكتاب والسنة والإجماع فإن خالف واحدا منها لم يمضه وإنما ينقضه لكونه ليس في محل الاجتهاد الصحيح وهو خلاف لا اختلاف ومثال ما خالف الكتاب القضاء بحل متروك التسمية عامدا لقوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } بناء على أنه شامل لذبائح المسلمين كالمشركين بناء على أن الواو في قوله تعالى { وإنه لفسق } للعطف .
وأما إذا كانت للحال كانت مقيدة بما أهل به لغير الله ; لأن الفسق فسر به كذلك في قوله أو فسقا أهل به لغير الله ولذا قال في التحرير إن الواو تحتمل أن تكون حالا فتكون قيدا للنهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ويحتمل أن يراد بما لم يذكر اسم الله عليه الميتة أو ما ذكر عليه اسم غير الله تعالى فإن الفسق هو ما أهل به لغير الله تعالى ومثال ما خالف السنة أي المشهورة القضاء بشاهد ويمين فإنه مخالف للحديث المشهور { البينة على من ادعى واليمين على من أنكر } ومثال القضاء المخالف للإجماع القضاء ببيع أمهات الأولاد والمراد من الإجماع ما ليس فيه خلاف يستند إلى دليل شرعي ومن الغريب ما في الخلاصة ، وأما القضاء بحل متروك التسمية عامدا فجائز عندهما وعند أبي يوسف لا يجوز . ا هـ .
وهو يدل على أنه مما يسوغ فيه الاجتهاد عندهما ; لأنه يفيد الحل كما فهمه ابن الهمام ; لأنه لا خلاف عندنا في عدم الحل أنه من قبيل ما لا يسوغ فيه الاجتهاد عندنا لنقل الفقهاء والأصوليين بحيث شددوا النكير على الشافعي في القول بحله حتى قال الأصوليون إنه جهل لا يصلح عذرا لمخالفته الدليل القطعي وقد ألفت فيها رسالة مشتملة على بيان الدلائل من الجانبين .
وفي الهداية المعتبر الاختلاف في الصدر الأول وهم الصحابة والتابعون وعليه فرع الخصاف أن للقاضي أن ينقض القضاء ببيع أم الولد لمخالفته لإجماع التابعين وقد حكي فيه الخلاف عندنا فقيل هذا قول محمد أما على قولهما فيجوز قضاؤه وهو مبني على أن الإجماع المتأخر هل يرفع الخلاف المتقدم فعندهما لا يرفع وعنده يرفع وفي التقويم لأبي زيد أن محمدا روى عنهم أن القضاء ببيع أم الولد لا يجوز وتفرع على كون الخلاف في الصدر الأول شرطا لكون المحل اجتهاديا ما قال بعضهم إن للقاضي أن يبطل ما قضى به المالكي والشافعي برأيه وفي الأقضية وأصحابنا لم [ ص: 12 ] يعتبروا خلاف مالك والشافعي وفي فتح القدير وعندي أن هذا لا يعول عليه فإن صح أن مالكا والشافعي وأبا حنيفة مجتهدون فلا شك في كون المحل اجتهاديا وإلا فلا ولا شك أنهم أهل اجتهاد ورفعة .
ولقد نرى في أثناء المسائل جعل المسألة اجتهادية بخلاف بين المشايخ حتى ينفذ القضاء بأحد القولين فكيف لا يكون كذلك إذا لم يعرف الخلاف إلا بين هؤلاء الأئمة يؤيده ما في الذخيرة عن الحلواني أن الأب إذا خالع الصغيرة على صداقها ورآه خيرا لها بأن كانت لا تحسن العشرة مع زوجها فإن على قول مالك يصح ويزول الصداق عن ملكها ويبرأ الزوج عنه فإذا قضى به قاض نفذ وفي حيض منهاج الشريعة عن مالك فيمن طلقها فمضى عليها ستة أشهر لم ترد ما فإنها تعتد بعده بثلاثة أشهر فإذا قضى بذلك قاض ينبغي أن ينفذ ; لأنه مجتهد فيه إلا أنه نقل مثله عن ابن عمر قال وهذه المسألة يجب حفظها فإنها كثيرة الوقوع ا هـ .
ويؤيده أيضا في الخلاصة لو قضى في المأذون في نوع أنه لا يكون مأذونا في الأنواع كلها نفذ ا هـ . وهو مذهب الشافعي .
والحاصل أن كلامهم قد اضطرب في هذا الباب فتارة اعتبروا خلافهما وأخرى لم يعتبروه ويمكن أن يقال إنهم إنما قالوا بالنفاذ في هذه المسائل لأجل خلاف سابق على مالك والشافعي لا بخلافهما خاصة ثم اعلم أن صاحب الهداية نقل أولا عبارة القدوري وهي وإذا رفع إليه حكم حاكم أمضاه إلا أن يخالف الكتاب أو السنة والإجماع أو يكون قولا لا دليل عليه وثانيا ما في الجامع الصغير قال وما اختلف فيه الفقهاء فقضى به القاضي ثم جاء قاض آخر يرى غير ذلك أمضاه ا هـ .
فقال الشارحون إنما ذكر عبارة الجامع بعد القدوري لفائدتين ليستا في القدوري إحداهما تقييده بالفقهاء فأفاد أنه لو لم يكن عالما بالخلاف لا ينفذ والثانية التقييد بكون القاضي يرى غير ذلك فإن القدوري لم يتعرض لذلك فيحتمل أن يكون مراده أنه إذا كان رأيه في ذلك موافقا الحكم الأول أمضاه وإن كان مخالفا له لا يمضيه فأبانت رواية الجامع أن الإمضاء عام فيما سوى المستثنيات سواء كان ذلك موافقا لرأيه أو لا وتعقبهم في فتح القدير بأنه لا دلالة في عبارة الجامع على كونه عالما بالخلاف وإنما مفاده أن ما اختلف فيه الفقهاء في نفس الأمر فقضى القاضي بذلك الذي اختلف فيه عالما بأنه مختلف فيه أو لا فإنه أعم من كونه عالما ثم جاء قاض آخر يرى خلاف ذلك الذي حكم به هذا أمضاه فربما يفيد أن الثاني عالم بالخلاف وليس الكلام فيه فإن هذا هو المنفذ والكلام في القاضي الأول الذي ينفذ هذا حكمه وليس فيه دليل على أنه كان عالما بالخلاف بطريق من طرق الدلالة نعم في الجامع الصغير التنصيص على أنه ينفذه وإن كان خلاف رأيه وكلام القدوري يفيده أيضا فإنه قال إذا رفع إليه حكم حاكم وهو أعم ينتظم ما إذا كان مخالفا لرأيه أو موافقا . ا هـ .
وأقول : لم يفهموا مراد صاحب الهداية إنما ذكر عبارة الجامع بعد القدوري ليفيد أن ما في الجامع لا استثناء فيه بل كل مسألة اختلفت فيها الفقهاء فإنها تصير محل اجتهاد فإن قضى قاض بقول ارتفع الخلاف ، وأما عبارة القدوري فاستثناء كما علمت وإذا علمت ذلك فما ذكره أصحاب الفتاوى من المسائل التي لا ينفذ فيها قضاء القاضي لمخالفة كتاب أو سنة مشهورة أو إجماع إنما هو على عبارة [ ص: 13 ] القدوري ، وأما على ما في الجامع فلا وعلمت من هنا أن من قال لا اعتبار بخلاف مالك والشافعي اعتمد قول القدوري ومن قال باعتبار خلافهما اعتمد ما في الجامع وهذا لم أسبق إليه وإنما رأيت في الواقعات الحسامية ما يفيده قال قال الفقيه أبو الليث رواية محمد أن كل شيء اختلف فيه الفقهاء فقضى القاضي بذلك جاز قضاؤه ولم يكن لقاض آخر أن يبطله ولم يذكر فيه الاختلاف وبه نأخذ .
قلت : هذا خلاف ما ذكره في شرح أدب القاضي المنسوب إلى الخصاف أن القضاء في موضع الاختلاف يجوز وفي موضع الخلاف لا يجوز أراد بالأول ما كان فيه خلاف معتبر كالخلاف بين السلف وأراد بموضع الخلاف ما لم يكن معتبرا ولم يعتبر بخلاف الشافعي قال أستاذنا الفتوى على تفاصيل أدب القاضي ا هـ . فهذه العبارة أزالت اللبس وأوضحت كل تخمين وحدس .
والحاصل أن الفتوى على عبارة القدوري وتفاصيل الخصاف فلهذا السر أورد صاحب الهداية ما في الجامع بعد القدوري فالآن نذكر المواضع التي نص أهل المذهب على مسائل لا ينفذ القضاء فيها أخذا من كلام الخصاف وقد ذكرناها في الفوائد الفقهية ولا بأس بسردها تكميلا للفائدة هنا قضى ببطلان الدعوى بمضي سنين أو فرق بين الزوجين لعجزه عن النفقة حال غيبته أو حكم بصحة نكاح مزنية أبيه أو ابنه أو بصحة نكاح أم مزنيته أو بنتها أو بصحة نكاح المتعة أو بسقوط المهر بلا بينة أو إقرار أخذا بقول البعض إن قدم النكاح يوجب سقوط المهر أو بعدم تأجيل العنين أو بعدم صحة الرجعة بلا رضاها أو بعدم وقوع الثلاث على الحامل أو بعدم وقوع الثلاث على غير المدخولة أو بعدم وقوع الطلاق في طهر جامعها فيه أو بنصف الجهاز لمن طلق امرأته قبل الدخول بها بعد قبض المهر والتجهيز أو بالشهادة على خط أبيه أو بشاهد ويمين أو في الحدود والقصاص بشهادة رجل أو امرأتين أو بما في ديوانه وقد نسي وبشهادة شاهد على صك لم يذكر ما فيه إلا أنه يعرف خطه وخاتمه أو بشهادة من شهد على قضية مختومة من غير أن تقرأ عليه وبقضاء المرأة في حد وقود وبقضاء عبد أو صبي أو نصراني أو في قسامة بقتل .
أو فرق بين الزوجين بشهادة واحدة على الرضاع أو قضى لولده بشهادة الأجانب أو حكم بالحجر على مفسد مستحق له أو بصحة بيع نصيب الساكت من قن حرره أحد الشريكين معسرا وبجواز بيع متروك التسمية عامدا أو بجواز بيع أم الولد أو ببطلان عفو المرأة عن [ ص: 14 ] القود بناء على قول البعض إنه لا حق لهن فيه أو بصحة ضمان الخلاص وألزمه تسليم الدار عند الاستحقاق أو بالزيادة في معلوم الإمام من أوقاف المسجد أو بحل المطلقة ثلاثا بمجرد عقد المحلل بلا دخول عملا بقول سعيد أو بعدم تملك الكفار مال المسلم المحرز بدراهم أو بجواز بيع درهم بدرهمين أخذا من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو بصحة صلاة المحدث أو بالقسامة على أهل المحلة بتلف المال قياسا على النفس أو بحد القذف بحكم التعريض أو بقرعة في رقيق أعتق الميت منهم واحدا أو بعدم جواز تصرف المرأة في مالها بغير إذن زوجها وهذه المسائل منقولة من البزازية وجامع الفصولين والخانية والقنية والصيرفية وفي الأشباه والنظائر للأسيوطي معزيا إلى فتاوى السبكي أن قضاء القاضي ينقض عند الحنفية إذا كان حكما لا دليل عليه قال وما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص وهو حكم لا دليل عليه سواء كان نصه في الوقف نصا أو ظاهرا . ا هـ .
وهذا موافق لقول مشايخنا كغيرهم شرط الواقف كنص الشارع فيجب اتباعه كما صرح به في شرح المجمع للمصنف وهذا كله إذا كان الاختلاف في المقضي به أما إذا كان في نفس القضاء ففيه روايتان في رواية لا ينفذ ذكره الخصاف وهو الصحيح ; لأن محل الخلاف لا يوجد قبل القضاء فإذا قضى فحينئذ يوجد محل الاختلاف والاجتهاد فلا بد من قضاء آخر يرجح أحدهما وذلك مثل القضاء على الغائب وللغائب وقضاء المحدود في القذف وشهادته بعد التوبة كذا ذكر الشارح وفي فتح القدير من باب المفقود إذا رأى القاضي المصلحة في القضاء على الغائب أو له فحكم فإنه لا ينفذ ; لأنه مجتهد فيه فإن قيل ينبغي أن لا ينفذ حتى يمضيه قاض آخر لأن نفس القضاء مجتهد فيه كما لو كان القاضي محدودا في قذف فإن نفاذ قضائه موقوف على أن يمضيه قاض آخر أجيب بمنع أنه من ذلك بل المجتهد سببه وهو هذه البينة هل تكون حجة للقضاء من غير خصم حاضر أم لا فإذا قضى بها نفذ كما لو قضى بشهادة المحدود في قذف وفي الخلاصة الفتوى على هذا . ا هـ .
فقد اختلف الترجيح وفي فتح القدير في شرح قوله ولا يقضي على غائب والذي يقتضيه النظر أن نفاذ القضاء على الغائب موقوف على تنفيذ قاض آخر ; لأن نفس القضاء مجتهد فيه . ا هـ .
وسيأتي إيضاحه قريبا وفي الإصلاح ويمضي حكم قاض قال في الإيضاح لم يقل حاكم احترازا عن الحكم ; لأن الحكم فيه غير هذا ولم يقيده بقوله آخر ليعم حكم نفسه قبل ذلك ا هـ .


