الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وأمضى القاضي حكمه إن وافق مذهبه ) يعني إذا رفعا حكمه إلى القاضي وتداعيا عنده عمل القاضي بموجبه إن وافق مذهبه ; لأنه لا فائدة في نقضه ثم إبرامه وفائدة هذا الإمضاء أن لا يكون لقاض آخر يرى خلافه نقضه إذا رفع إليه ; لأن إمضاءه بمنزلة قضائه ابتداء واستفيد من كلامهم هنا وفي مواضع أن التنافيذ الواقعة في زماننا لا اعتبار بها إذا كانت بغير دعوى صحيحة من خصم على خصم حاضر وفي البزازية المحكم إذا حلف لا يملك المدعي أن يحلف ثانيا عند القاضي ; لأنه استوفى حقه على التمام ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط حكم رجلا فأجاز القاضي حكومته قبل أن يحكم ثم حكم بخلاف رأي القاضي لم يجز ; لأن القاضي أجاز المعدوم وإجازة الشيء قبل وجوده باطل فصار كأنه لم يجز . ا هـ .

                                                                                        ( قوله وإلا أبطله ) أي إن لم يوافق مذهبه لم يمضه وهو المراد بإبطاله ; لأنه حكم لم يصدر عن ولاية عامة فلم يلزم القاضي إذا خالف رأيه فظاهر كلامهم أنه يجب إبطاله أي عدم العمل بمقتضاه واعلم أن حكمه لو رفع إلى حكم آخر حكماه بعد حكم الأول فإن الثاني كالقاضي يمضيه إن كان يوافق رأيه وإلا أبطله كما في المحيط وفيه لو رجع المحكم عن حكمه فقضى للآخر لم يصح ; لأنها تمت الحكومة بالقضاء الأول واعلم أن قولهم هنا إن حكم الحكم لا يتعدى إلى العاقلة بخلاف حكم القاضي يفيد أن دعوى القتل خطأ على القاتل وإثباته بغيبة العاقلة صحيح وهو مصرح به في الخزانة ثم اعلم أن حكم المحكم يخالف حكم القاضي في مسائل : الأولى هذه . الثانية أنه لا بد من تراضيهما على كونه حكما بينهما بخلاف القاضي . الثالثة لا يجوز تعليقه وإضافته عند أبي يوسف بخلاف القضاء كما قدمناه وفي المحيط بعده ولو حكماه على أن يستفتي فلانا ثم يقضي بينهما بما قال جاز كالقضاء ولو حكماه على أن يحكم بينهما في يومه أو في مجلسه توقت به .

                                                                                        الرابعة لا يجوز التحكيم في الحدود والقصاص والدية على العاقلة بخلاف القضاء كما قدمناه .

                                                                                        الخامسة لا يفتى بجوازه في فسخ اليمين المضافة بخلاف القضاء به كما قدمناه . السادسة أن حكمه لا يتعدى إلى الغائب لو كان ما يدعي عليه سببا لما يدعي على الحاضر وكذا قال في التلخيص وشرحه لا يتعدى حكمه بعتق الشهود من التعديل إلى المولى المالك وصورته رجلان شهدا عند محكم على حق من الحقوق فقال المشهود عليه هما عبدان فقالا كنا عبدين لفلان الغائب إلا أنه أعتقنا وبرهنا على ذلك فحكم بشهادتهما لثبوت عدالتهما عنده جاز ولا يتعدى حكمه بالعتق من التعديل الثابت عنده إلى حق المولى الغائب لو حضر وأنكر الإعتاق لعدم رضاه بالتحكيم ا هـ .

                                                                                        وقال في الولوالجية ولو أن رجلا ادعى على رجل ألف درهم ونازعه في ذلك فادعى أن فلانا الغائب ضمنها له عن هذا الرجل فحكما بينهما رجلا والكفيل غائب فأقام المدعي شاهدين على المال وعلى الكفالة بأمره أو بغير أمره فحكم المحكم بالمال على المدعى عليه وبالكفالة عنه فحكمه جائز على المدعى عليه دون الكفالة ; لأن المدعى عليه رضي بحكمه والكفيل لم يرض فصح التحكيم في حقهما دون الكفيل ، وكذلك إن حضر الكفيل والمكفول عنه غائب فتراضيا الطالب والكفيل على رجل ليحكم بينهما فأقام الطالب شاهدين بالمال على المطلوب وعلى كفالة الكفيل له بذلك بأمر المطلوب أو بغير أمره فحكم المحكم بذلك كان حكمه جائزا على الكفيل دون المكفول عنه ا هـ .

                                                                                        السابعة كتاب المحكم إلى القاضي لا يجوز كما لا يجوز كتاب القاضي إليه . الثامنة لا يحكم المحكم بكتاب قاض [ ص: 28 ] إلا إذا رضي الخصمان كذا في البناية وفتح القدير . التاسعة المحكم إذا ارتد انعزل فإذا أسلم فلا بد من تحكيم جديد بخلاف القاضي كما في الولوالجية . العاشرة لو رد المحكم الشهادة بتهمة ثم اختصما إلى آخر أو قاض فزكيت البينة يقضي ; لأن المحكم لم يكن قاضيا في حق غير الخصمين ولم يتصل بهذه الشهادة رد قاض من قضاة المسلمين إنما اتصل بها رد واحد من الرعايا فكان للقاضي إبطال هذا الرد بخلاف ما لو رد قاض شهادته للتهمة لا يقبلها قاض آخر ; لأن القضاء بالرد نفذ على الكفاية كذا في المحيط .

                                                                                        الحادية عشرة ما في شرح التلخيص أنه لا يتعدى حكمه من وارث إلى الباقي والميت حتى لو ادعى عند المحكم رجل على وارث بدين على الميت وأقام بينة فحكم له بما ادعاه على ذلك الوارث لم يكن حكما على بقية الورثة ولا على الميت لعدم رضاهم بتحكيمه بخلاف حكم القاضي . الثانية عشرة لا يتعدى حكمه بالعيب من المشتري على بائعه إلا برضا بائع كما في المحيط . الثالثة عشرة لا يتعدى حكمه على وكيل بعيب المبيع إلى موكله وهما في فتح القدير . الرابعة عشرة لا يصح حكمه على وصي صغير بما فيه ضرر عليه لما في البزازية وإذا حكم الوصي على الصغير ومن يدعي عليه الوصي مال الصغير فحكم بما هو ضرر على الصغير لا يصح ; لأنه بمنزلة صلح الوصي ، وإن كان في حكمه نفع للصغير يصح حكمه . ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن حكم المحكم لا يتعدى إلى غير المحكوم عليه إلا في مسألة مذكورة في التلخيص وشرحه لو حكم أحد الشريكين وغريم له رجلا فحكم بينهما وألزم الشريك شيئا من المال المشترك نفذ حكمه على الشريك وتعدى إلى الغائب ; لأن حكمه بمنزلة الصلح في حق الشريك الغائب والصلح من صنيع التجار فكان كل واحد من الشريكين راضيا بالصلح وما في معناه ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أنهم قالوا إن القضاء يتعدى إلى الكافة في أربع : الحرية والنسب والنكاح والولاء ولم يصرحوا بحكمها من المحكم ويجب أن لا يتعدى فتسمع دعوى الملك في المحكوم بعتقه من المحكم بخلاف القاضي وينبغي أن لا يلي المحكم الحبس ولم أره وكذا لم أر حكم قبوله الهداية وإجابة الدعوة وينبغي أن يجوزا له لانتهاء التحكيم بالفراغ إلا أن يهدي إليه وقته من أحدهما فينبغي أن لا يجوز الخامسة عشرة لا يتقيد ببلد التحكيم وله الحكم في البلاد كلها كما في المحيط .

                                                                                        السادس عشر مما خالف فيه المحكم القاضي لو اختلف الشاهدان فشهد أحدهما أنه وكله بخصوصه فلان إلى قاضي الكوفة والآخر إلى قاضي البصرة تقبل ولو شهد أحدهما بذلك إلى الفقيه فلان فشهد الآخر به إلى الفقيه فلان وآخر لم تقبل كما في أدب القضاء للخصاف من باب الشهادة على الوكالة والفرق في شرحه للصدر الشهيد . السابع عشر الصحيح أن حكمه بالوقف لا يرفع الخلاف كما في البزازية وفائدته أنه لو رفع إلى موافق فإنه يحكم ابتداء بلزومه لا أنه يمضيه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله الخامسة لا يفتى بجوازه في فسخ اليمين المضافة ) يعني لا يفتى المفتي به إذا سئل عنه أما حكم المحكم به فنافذ على الصحيح كما مر عن الولوالجية وصرح به في شرح أدب القضاء وزاد أنه الظاهر عند أصحابنا [ ص: 28 ] ( قوله وينبغي أن لا يلي المحكم الحبس ) قدمنا أول فصل الحبس أن صدر الشريعة صرح بأنه يليه ووجد في بعض النسخ قبل قوله ولم أره ما نصه وفي صدر الشريعة من باب التحكيم قال وفائدة إلزام الخصم أن المتبايعين إن حكما حكما فالحكم يجبر المشتري على تسليم الثمن والبائع على تسليم المبيع ومن امتنع يحبسه ا هـ . فهذا صريح في أن الحكم يحبس ا هـ .

                                                                                        وكأنه وجد بعد أو المراد ولم أره لغيره تأمل ( قوله السادس عشر إلى آخر القولة ) وجد في بعض النسخ كما في هذه النسخة بعد الخامس عشر ووجد في بعضها في آخر القولة الآتية والأولى أصوب ( قوله والفرق في شرحه للصدر الشهيد ) وهو أن الوكيل بالخصومة إلى قاضي الكوفة يكون وكيلا بها إلى قاضي البصرة وكذا العكس ; لأن المطلوب نفس القضاء ولا يختلف والتقييد إنما يراعى إذا كان مفيدا وحكم الحكم توسط والمتوسطون يختلفون في ذلك لاختلاف الذكاء والذهن فالرضا بكون أحدهما حكما لكونه عالما بحقيقة الحال لا يكون رضا بالآخر فقد تفرد كل واحد من الشاهدين بما شهد به .




                                                                                        الخدمات العلمية