الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله زائغة مستطيلة يتشعب عنها مثلها غير نافذة لا يفتح أهل الأولى فيها بابا بخلاف المستديرة ) أي سكة كما في المعراج وفسرها تاج الشريعة بالسكة غير النافذة سميت بذلك لزيغها عن الطريق الأعظم وفسرها في غاية البيان بالمحلة سميت بها لميلها من طرف إلى طرف من زاغت الشمس إذا مالت وفي التهذيب الزائغة الطريق الذي حاد عن الطريق الأعظم والمستطيلة الطويلة من استطال بمعنى طال ولم يقيد المؤلف الأولى صريحا بكونها غير نافذة تبعا لما في أكثر الكتب وقيدها في الهداية تبعا للفقيه أبي الليث والتمرتاشي ويمكن أن يفهم كلام المؤلف عليه لقوله مثلها غير نافذة فجعل الثانية كالأولى بقيد عدم النفاذ وصورة الطويلة هكذا فالذي يمكنه بأن يفتح بابا في الزائغة لقصوى هو صاحب الدار التي في ركن الزائغة الثانية وإنما قلنا ليس له ذلك ; لأن فتحه للمرور ولا حق لأهل الزائغة الأولى في المرور في الزائغة القصوى بل هو لأهلها على الخصوص ولذا لو بيعت دار في القصوى لم يكن لأهل الأولى شفعة بخلاف أهل القصوى [ ص: 32 ] فإن لأحدهم أن يفتح بابا في الأولى ; لأن له حق المرور فيها وبخلاف النافذة فإن المرور فيها حق العامة ولا خلاف أن له أن يفتح وقال البعض أنه لا يمنع من الفتح بل من المرور ; لأن فتح الباب رفع جداره وله رفعه كله فله رفع بعضه .

                                                                                        والأصح المنع من الفتح نص عليه محمد في الجامع ولأن المنع بعد الفتح لا يمكن لعسر المراقبة وربما على طول الزمان يدعي حق المرور مستدلا بفتح الباب ويكون القول له للظاهر الذي معه وهو فتح الباب وقوله بخلاف المستديرة معناه لو كانت المتشعبة مستديرة فلهم أن يفتحوا ; لأن لكل منهم حق المرور في كلها إذ هي ساحة مشتركة غاية الأمر أن فيها اعوجاجا ولذا الكل يشتركون في الشفعة إذا بيعت دار فيها وهذه صورتها وهنا فصول الأول في تصرف أهل المحلة فيها الثاني في تصرف الجيران فيما بينهم الثالث في تعمير المشترك إذا خرب وما يتعلق بالمشترك أما الأول ففي فتح القدير زقاق غير نافذ أراد إنسان من أهله أن يتخذ طينا إن ترك من الطريق قدر الممر للناس ويرفعه سريعا ويفعل في الأحايين مرة لا يمنع وكذا لو أراد أن يبني آريا أو دكانا وهو المصطبة ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة لرجل دار ظهرها إلى سكة غير نافذة مشتركة بينه وبين غيره أراد أن يفتح بابا المختار أنه ليس له ذلك ا هـ .

                                                                                        وزاد في البزازية وإن جعلها مسجدا إن كان الجدار إلى الطريق الأعظم جاز وإلا فهو مسجد ضرار ثم قال وفي الفتاوى سكة غير نافذة مشتركة بين عشرة لكل منهم دار غير أن لأحدهم دارا في سكة أخرى لا طريق لها في هذه السكة وليست بحيال داره التي في هذه غير أن حائطها في هذه السكة قال أبو نصر له فتح باب في هذه السكة ; لأن أهل السكة شركاء فيها من أعلاها إلى أسفلها ا هـ .

                                                                                        وفي التتمة زقاق غير نافذ قد اشترى رجل في القصوى دارا فأراد أن يهدمها ويجعلها طريقا نافذا ليس له ذلك ا هـ .

                                                                                        زاد في البزازية وإن أراد أن يجعلها مسجدا له ذلك ولمن شاء أن يدخله ويصلي فيه وليس لهم أن يتخذوه طريقا يمرون فيه وفي العمادية جعل الخان لنزول الناس فيه كالمسجد ولو أراد أن يجعلها طريقا خاصا له قال الفقيه أبو القاسم يرفع أهل السكة الأمر إلى القاضي فيوجه عدلين يصوران له الأمر على كاغدة فإن كان ضررا فاحشا منعه وإلا لا كذا في الذخيرة ولو كانت له دار في محلة عامرة فأراد أن يخربها فالقياس أن له ذلك وأفتى الكرخي بالمنع استحسانا وقال الصدر الشهيد الفتوى اليوم على القياس وإذا تضرر الجيران من ذلك هل لهم جبره على البناء في غصب فتاوى سمرقند لهم ذلك وقال الصدر الشهيد المختار أنهم ليس لهم ذلك ا هـ .

                                                                                        وفي التتمة قال أبو حنيفة في سكة غير نافذة ليس لأصحابها بيعها ولا قسمتها بينهم ; لأن الطريق الأعظم إذا كثر فيه الناس كان لهم الدخول للزحام الثاني في تصرف الجيران أراد الجار أن يعلي حيطانه في هواء مشترك لم يكن للجار منعه وقال السعدي بالمنع وهو مروي عن محمد ولذا كان الراجح وله صورتان أيضا منها حائط بين رجلين قدر قامة فأراد أحدهما أن يزيد في طوله وأبى الآخر فله منعه ومنها نقض الشريكان الجدار الذي بينهما فأراد أحدهما أن يرفعه أطول مما كان ففي التتمة ليس له منعه إلا أن يكون شيئا خارجا عن الرسم بما كان أكثر من ذراعين كما في البزازية وفي شرح المنظومة .

                                                                                        وينبغي أن يكون هذا هو المعتمد وفي الخلاصة وغيرها أراد أن يتخذ داره بستانا ليس لجاره منعه إذا كانت الأرض صلبة ولا يتعدى ضرر الماء إلى جاره وإن كانت رخوة فله منعه وعلى هذا إذا جعلها طاحونة أو للقصارة أو أراد أن يبنيها حماما أو إصطبلا ا هـ .

                                                                                        وذكر الرازي في كتاب الاستحسان أن الدار إذا كانت مجاورة للدور فأراد صاحبها أن يبني فيها تنورا للخبز الدائم كما يكون في الدكاكين أو رحى للطحين أو مدقات للقصارين لم يجز ; لأن ذلك [ ص: 33 ] يضر بجيرانه ضررا فاحشا لا يمكن التحرز عنه فإنه يأتي منه الدخان الكثير الشديد ورحى الطحن ودق القصارين يوهن البناء بخلاف الحمام فإنه لا يضر إلا بالنداوة ويمكن التحرز عنه بأن يبني حائطا بينه وبين جاره وبخلاف التنور الصغير المعتاد في البيوت قال الحسام الشهيد وكان أبو عبد الله الصيمري تارة يفتي بمنع بناء التنور في ملكه للخبز الدائم في وسط البزازين وتارة يفتي بأن له ذلك والقياس أن له ذلك في الكل لكن ترك القياس وأخذ بالاستحسان لأجل المصلحة واختلف أصحابنا فمنهم من فصل ومنهم من لم يفصل على حسب الحال .

                                                                                        قال وكان الشيخ الإمام الأجل برهان الأئمة يفتي بأنه إن كان الضرر بينا يمنع وبه يفتى هكذا ذكر في كتاب الحيطان للحسام والظاهر أن برهان الأئمة هو والده فقد نقل عنه ذلك البزازي وأن والده كان يفتي به وعليه الفتوى قال وهذا جواب المشايخ وجواب الرواية عدم المنع ثم قال أصابه ساحة في القسمة فأراد أن يبني عليها ويرفع له البناء ومنعه الآخر فقال يسد علي الريح والشمس له الرفع وله أن يتخذه حماما أو تنورا فإن كف عما يؤذي جاره فهو أحسن فقد جاء في الحديث أن { من أذى جاره ورثه الله تعالى داره } وقد جرب فوجد كذلك وقال نصير والصفار له المنع ولو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة لا يلي صاحب الساحة منعه بل له أن يبني ما يستر جهته ولو اتخذ في ملكه بئرا أو بالوعة تنز إلى حائط جاره وطلب منه تحويله لم يجبر عليه ولا يضمن عليه إلا إذا انهدم من النز والإمام ظهير الدين كان يفتي بجواب الرواية وفيها وعن أستاذنا أنه يفتى بقبول الإمام وصحح النسفي في الحمام أن الضرر إن كان فاحشا يمنع وإلا فلا .

                                                                                        والحاصل أن الذي عليه غالب المشايخ من المتأخرين الاستحسان في أجناس هذه المسائل وأفتى طائفة بجواب القياس المروي واختار في العمادية المنع إذا كان الضرر بينا وظاهر الرواية خلافه وذكر العلامة ابن الشحنة أن في حفظه أن المنقول عن أئمتنا الخمسة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد أنه لا يمنع عن التصرف في ملكه وإن أضر بجاره قال وهو الذي أميل إليه وأعتمده وأفتي به تبعا لوالدي شيخ الإسلام رحمه الله تعالى . ا هـ .

                                                                                        ورجح في فتح القدير أيضا جواب الرواية وقال إنه ظاهر المذهب قال وحكي عن أبي حنيفة أن رجلا شكا إليه من بئر حفرها جاره في داره فقال احفر في دارك بقرب تلك البئر بالوعة ففعل فتنجست البئر فكبسها صاحبها ولم يفته بمنع الحافر بل هداه إلى هذه الحيلة ثم قال : وأما قوله صلى الله عليه وسلم { لا ضرر ولا ضرار } فلا شك أنه عام مخصوص للقطع بعدم امتناع كثير من الضرر كالتعازير والحدود إلى آخر ما ذكره وفي غصب البزازية هدم بيته وألقى ترابا كثيرا لزيق جدار جاره ووضع فوقه لبنا كثيرا حتى انهدم جدار جاره إن دخل الوهن بسبب ما ألقى وحمل ضمن هدم داره فانهدم من ذلك بناء جاره لا يضمن ، وأما الثالث وهو ما يتعلق بالمشترك وفيه نوعان الأول فيما لأحدهما فعله والثاني في تعميره إذا خرب أما الأول ففي وقف النوازل دار مشتركة بين قوم لبعضهم أن يربطوا الدابة فيها وأن يضعوا الخشبة على وجه لا يضر بصاحبه وأن يتوضئوا بحيث لا تضيق عليهم الطريق لمرورهم ولو عطب بها أحد لا يضمن ولو حفر الأرض يؤمر أن يسويها فإن نقص الحفر يضمن النقصان وكذا لو كان الطريق بين قوم وهو غير نافذ غير أن في الطريق لا يضمن نقصان الحفر . ا هـ .

                                                                                        ولو أن لرجل حائطا ووجهه في دار رجل فأراد أن يطين حائطه ولا سبيل إليه إلا بدخوله دار الرجل أو انهدم الحائط فوقع نقضه في داره فأراد أن يدخل ليشيل الطين وغيره فمنعه صاحب الدار أو له مجرى ماء في داره فأراد حفره وإصلاحه ولا يمكن إلا بدخول دار الرجل وهو يمنعه يقال له إما أن تتركه يدخل ويصلح ويفعل أو تفعل بمالك كذا روي عن محمد وبه أخذ الفقيه أبو الليث كذا في فتح القدير وفي جامع الفصولين من فصل الحيطان لو لأحدهما عليه خشبة فللآخر وضع مثله إن كان الحائط يحتمل وإلا يؤمر شريكه برفع بعض الخشبة إلى آخره ، وأما الثاني فلا جبر على الآبي ; لأن الإنسان لا يجبر [ ص: 34 ] على إصلاح ملكه سواء كانت دارا أو حماما أو حائطا هكذا في أكثر الكتب وفي خزانة الأكمل من كتاب الشركة حمام بينهما انهدم فامتنع أحدهما من المرمة لا يجبر أحدهما على البناء مع شريكه ولكن لشريكه أن يبني ثم يؤجره ويأخذ من غلته نفقته فكذا في تحويل آبار القناة أو أنهار آبارها أما لو احتاجت القناة إلى مرمة من رفع طين وفتح سدد وعيون فإنه يجبر على مساعدة شريكه ا هـ .

                                                                                        فلا جبر إلا في هذه المسألة ونحوها وفي تهذيب القلانسي من كتاب الدعوى وفي البئر المشترك والدولاب ونحوه يجبر الشريك على العمارة وفي حائط ساتر لا بناء عليه إن ظهر تفتته يفتى بالجبر ; لأنه ليس له منفعة تمنعه عنها دون الستر وهو يحصل بالبناء . ا هـ .

                                                                                        هذا إذا لم يكن مال يتيم أو وقف فإن كان مال اليتيم فقال في وصايا الخانية جدار بين داري صغيرين عليه حمولة يخاف عليه السقوط ولكل صغير وصي فطلب أحد الوصيين مرمة الجدار فأبى الآخر قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل يبعث القاضي أمينا ينظر فيه إن علم أن في تركه ضررا عليهما يجبر الآبي أن يبني مع صاحبه وليس هذا كإباء أحد المالكين ; لأن ثم الآبي رضي بدخول الضرر عليه فلا يجبر أما هاهنا فأراد الوصي إدخال الضرر على الصغير فيجبر على أن يرم مع صاحبه ا هـ .

                                                                                        قلت : ويجب أن يكون الوقف كمال اليتيم فإذا كانت الدار مشتركة بين وقفين احتاجت إلى المرمة فأراد أحد الناظرين وأبى الآخر يجبر على التعمير من مال الوقف وقد صار حادثة الفتوى وإذا علم أنه لا جبر على الشريك فلطالب المرمة الإنفاق والتعمير ويرجع إن كان مضطرا بأن كان المشترك لا يمكن قسمته بأن كانت دارا صغيرة لا يمكن قسمتها أو حماما أو حائطا غير عريض فإن لم يكن مضطرا كالدار الكبيرة التي يمكن قسمة عرصتها والبناء في نصيبه فلا رجوع وذكر الحلواني ضابطا فقال كل من أجبر أن يفعل مع شريكه فإذا فعل أحدهما بغير أمر الآخر لم يرجع ; لأنه متطوع إن كان يمكنه أن يجبره مثل كري الأنهار وإصلاح السفينة المعيبة وفداء العبد الجاني وإن لم يجبر لا يكون متطوعا كمسألة انهدام العلو والسفل . ا هـ .

                                                                                        ومن ذلك لو أنفق الشريك على الدابة بغير إذن شريكه لم يرجع لتمكنه من رفعه إلى القاضي ليجبره بخلاف الزرع المشترك إذا أنفق عليه بلا إذن فإنه يرجع ; لأنه لا يجبر شريكه كما في المحيط فكان مضطرا وقدمنا كيفية الرجوع وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام مسائل الحيطان في الدعوى والقسمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وفي دعوى الملتقط حائط بين اثنين انهدم فبنى أحدهما بغير إذن صاحبه كان متطوعا إذا لم يكن لصاحبه عليها جذوع ولا له وإن كان له عليها جذوع يمنع صاحبه عن وضع الجذوع حتى يأخذ نصف ما أنفق في الجدار . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 31 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 31 ] ( قوله ولم يقيد المؤلف الأولى صريحا بكونها غير نافذة إلخ ) قال الرملي الظاهر أن الحكم فيهما واحد إذ لا عبرة بكون الأولى نافذة أو غير نافذة لامتناع مرور أهلها في الثانية مطلقا فأطلقه المؤلف فشمل النافذة وغير النافذة وقيد المتشعبة بكونها غير نافذة ; لأنها لو كانت نافذة لساغ للعامة المرور فيها فلا يمتنع فتح باب لأهل الأولى بها وتقييد صاحب الهداية تبعا للفقيهين وقع اتفاقا ولذا صورها كثير من أهل التحرير نافذة وكثير غير نافذة ، وأما المتشعبة عنها فأجمعوا على تصويرها غير نافذة فتأمل ذلك تفهمه ا هـ .

                                                                                        وسيأتي ما فيه ( قوله فالذي يمكنه أن يفتح بابا في الزائغة القصوى إلخ ) المراد بالإمكان التصور لا الجواز يعني أن الذي يتصور له فتح باب في الزائغة المتشعبة هو صاحب الدار التي في ركن المتشعبة ; لأن جداره فيها أما من قبله فلا يمكنه ذلك ; لأن جداره في الأولى وإنما فسرناه بذلك ; لأنه لا يجوز له فتح الباب فيها كما ذكره المؤلف ( قوله وإنما قلنا ليس له ذلك لأن فتحه للمرور إلخ ) قال الرملي وذكر في جامع الفصولين عن شيخ الإسلام أن له الفتح والمرور ثم قال في المسألة اختلاف الروايات واختلاف المشايخ واختار شيخ الإسلام أن له ذلك مطلقا وبه يفتى ثم رمز ( لض ) وجعله خلاف ظاهر الرواية وأقول : وعلى ظاهر الرواية مشت المتون والله تعالى أعلم .

                                                                                        ونقل في التتارخانية عن الفتاوى الغياثية عن الصدر الشهيد حسام الدين أن الفتوى على المنع فتحرر أن في المسألة اختلافا فيرجع إلى ظاهر الرواية تأمل رجل له دار في سكة غير نافذة لها باب أراد أن يفتح لها بابا آخر أعلى من بابه كان له ذلك ا هـ .

                                                                                        ذكره قاضي خان أقول : وإطلاق قول قاضي خان كان له ذلك يقتضي أن ذلك له ولو لم يسد الأول ورأيت في كتب الشافعية أنه يتعين عليه أن يسده وليس له أن يبقي الأول مع الثاني لما فيه من التميز عن بقيتهم ولتضررهم بزيادة الزحمة بانضمامه إلى الأول ووقوف الدواب في الدرب ولا يبعد أن يكون الحكم عندنا كذلك فتأمل وذكر قاضي خان في الشرب ولو أن من له طريق في سكة غير نافذة أراد أن يجعل بابه في أسفل السكة اختلفوا فيه قال بعضهم ليس له ذلك ; لأنه يزداد طريقه ومروره في السكة وفي الكتاب قال له ذلك وسوى بين الفصلين وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي رحمه الله تعالى ا هـ .

                                                                                        قلت : والظاهر أن اختلاف المشايخ هنا مبني على اختلاف الرواية كما ذكره المحشي عن جامع الفصولين أولا وعليه فظاهر الرواية المنع إذ العلة المنع من المرور وهي موجودة في هذه المسألة كما في مسألة الزائغة تأمل هذا وذكر الزيلعي في أثناء تعليل منع فتح الباب لأهل الأولى في الثانية ما نصه ويخاف أن يسد بابه الأصلي ويكتفي بالباب المفتوح ويجعل داره من تلك السكة إلخ فتأمله تره يفيد عدم وجوب سد الباب الأول في المسألة المارة وإلا لما عبر هنا بالمخوف بل كان يعبر باللزوم .

                                                                                        ( قوله بخلاف أهل القصوى إلخ ) الذي يقتضيه التعليل أن هذا فيما إذا كانت الدار التي في القصوى في ركن الأولى الطويلة في ناحية العبور إذ لو كانت في ركن الأولى الطويلة في الناحية الثانية لا يكون له حق المرور في الطويلة من تلك الناحية فلا يكون له فتح باب فيها وهذا يتصور فيما إذا كانت المتشعبة في وسط الأولى الطويلة لا في آخرها كالصورة التي رسمت هنا ولتصورها بهذه الصورة ففي هذه الصورة لو كانت الدار التي في ركن المتشعبة من جهة العبور بابها من الزائغة الأولى المستطيلة فليس لصاحبها فتح باب من الزائغة المتشعبة ولو كان بابها من الزائغة المتشعبة فلصاحبها فتح باب من الأولى المستطيلة ، وأما الدار التي في الجهة الثانية المتصلة بركن المتشعبة إذا كان بابها من الزائغة الأولى المستطيلة فليس له فتح باب في المتشعبة ; لأنه لا حق له في المرور فيها وكذا إذا كان [ ص: 32 ] بابها في المتشعبة ليس له فتح باب في الأولى المستطيلة إذ لا حق له في المرور أيضا لكن هذا مبني على ما ذكره المؤلف من أن الأولى المستطيلة غير نافذة أيضا إذ لو كانت نافذة فالذي باب داره في المتشعبة يكون له المرور من الجهتين فله فتح باب في المستطيلة ثم رأيت منقولا عن شرح المقدسي عند قوله بخلاف أهل القصوى إلخ هذا إذا فتح في جانب يدخل منه إليها أما في الجانب الآخر غير النافذ فلا . ا هـ .

                                                                                        وهذا عين ما قلنا وبه ظهر الفرق بين كون الأولى نافذة أو غير نافذة خلافا لما يفهمه ما قدمناه عن الرملي فاغتنم هذه الفائدة ( قوله وكذا لو أراد أن يبني آريا ) بفتح الهمزة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف وهو المعلف عند العامة وهو المراد عند الفقهاء والآري في اللغة محبس الدابة وهو في التقدير فاعول والجمع الأواري مخفف ومشدد نقل عن هبة شرح الهداية للعيني هكذا الرسم بالأصل ولينظر فيه فإنه عين الأولى وليست مستديرة ا هـ . مصحح .

                                                                                        [ ص: 33 ] ( قوله ولو فتح صاحب البناء في علو بنائه بابا أو كوة إلخ ) قال الرملي أقول : قال الغزي وقد أفتى شيخ الإسلام قارئ الهداية لما سئل هل يمنع الجار أن يفتح كوة يشرف منها على جاره وعياله فأجاب بأنه يمنع من ذلك ا هـ .

                                                                                        وفي المضمرات قال إذا كانت الكوة للنظر وكانت الساحة محل الجلوس للنساء يمنع وعليه الفتوى ا هـ .

                                                                                        أقول : لكون الضرر بينا وأقول : لا فرق بين القديم والحادث حيث كانت العلة الضرر البين لوجودها فيها تأمل ا هـ . كلام الرملي .

                                                                                        ( قوله والحاصل أن الذي عليه غالب المشايخ من المتأخرين الاستحسان ) قال الرملي وهو المنع إذا كان الضرر بينا [ ص: 34 ]

                                                                                        ( قوله ويأخذ من غلته إلخ ) أي وبه يندفع الضرر ( قوله وذكر الحلواني ضابطا إلخ ) قال شيخ مشايخنا منلا علي التركماني حاصله إن كان مضطرا فأما أن يجبره الحاكم أو لا فإن كان يجبره الحاكم فأنفق بلا إذن شريكه لا يرجع وإن كان مما لا يجبره الحاكم فأنفق بدون أمر الآخر يرجع هذا هو المفهوم من ضابط الإمام الحلواني رحمه الله تعالى ( قوله كمسألة انهدام العلو والسفل ) ; لأنه لا يتوصل إلى حقه أصلا ولم يمكنه الانتفاع بنصيبه إلا بالإصلاح فصار مضطرا .




                                                                                        الخدمات العلمية