الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويبطل الصك بإن شاء الله تعالى ) أي يبطل مكتوب الشراء أو الإقرار ونحوهما إذا كتب في آخره إن شاء الله تعالى فيبطل البيع ونحوه لكون الاستثناء مبطلا وفي الصحاح الصك كتاب فارسي معرب والجمع أصك وصكاك وصكوك ا هـ .

                                                                                        أطلقه فشمل ما إذا اشتمل على شيء واحد وأشياء وفي الثاني الاختلاف قال الإمام إذا كتب بيع وإقرار وإجارة وغير ذلك ثم كتب في آخره إن شاء الله تعالى بطل الكل قياسا ; لأن الكل كشيء واحد بحكم العطف وبطل الأخير عندهما فقط استحسانا لانصراف الاستثناء إلى ما يليه ; لأن الصك للاستيثاق وكذا الأصل في الكلام الاستيثاق وأشار إلى أن الكتابة كالنطق فلا بد فيها من اتصال المشيئة فلو ترك فرجة فإن الاستثناء ينصرف إلى ما يليه اتفاقا كالسكوت .

                                                                                        والحاصل أنهم اتفقوا على أن المشيئة إذا ذكرت بعد جمل متعاطفة بالواو كقوله عبده حر وامرأته طالق وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن شاء الله ينصرف إلى الكل فيبطل الكل فمشى أبو حنيفة على حكمه وهما أخرجا صورة كتب الصك من عمومه بعارض اقتضى تخصيص الصك من عموم حكم الشرط المتعقب جملا متعاطفة للعادة وعليها يحمل الحادث ولذا كان قولهما استحسانا [ ص: 43 ] راجحا على قوله

                                                                                        كذا في فتح القدير فظاهره أن الشرط ينصرف إلى الجميع وإن لم يكن بالمشيئة وفي وكالة البزازية وعن الثاني قال امرأة زيد طالق وعبده حر وعليه المشي إلى بيت الله إن دخل هذه الدار فقال زيد نعم كان بكله ; لأن الجواب يتضمن إعادة ما في السؤال . ا هـ .

                                                                                        وأما الاستثناء بإلا وإحدى أخواتها فينصرف إلى الأخير عندنا كما علم في آية رد شهادة المحدود في القذف وعليه فرع في خزانة المفتين من الإقرار .

                                                                                        والحاصل أن الشرط إذا تعقب جملا متعاطفة متصلا بها فإنه للكل ، وأما الاستثناء بإلا فإلى الأخير فلو أقر لاثنين بمالين واستثنى شيئا كان من الأخير ولو أقر بمالين كمائة درهم وخمسين دينار إلا درهما انصرف إلى الأول استحسانا ، وأما الاستثناء بإن شاء الله تعالى بعد جملتين إيقاعتين فإليهما اتفاقا وبعد طلاقين معلقين أو طلاق معلق وعتق فإليهما عند محمد وعند أبي يوسف إلى الأخير واتفقوا على انصرافه إلى الأخير في غير العطف وفي المعطوف بعد السكوت كما في إيضاح الكرماني وفيه من الأيمان إذا عطف على يمينه بعد سكوته ما يوسع على نفسه لم يصح كالاستثناء وإن كان فيه تشديد على نفسه صح فلو قال إن دخلت الدار فأنت طالق وسكت ثم قال وهذه الأخرى دخلت الثانية في اليمين بخلاف وهذه الدار الأخرى ولو قال هذه طالق ثم سكت وقال وهذه طلقت الثانية وكذا في العتق . ا هـ .

                                                                                        وفي الهداية ذكر حق كتب في أسفله ومن قام بهذا الذكر الحق فهو وكيلي بما فيه إن شاء الله يبطل الذكر كله عنده وعندهما بطل التوكيل والمراد بذكر الحق الصك كما في القاموس والمراد بمن قام به أن من أخرجه كان له ولاية المطالبة بما فيه من الحق وأورد عليه لزوم صحة توكيل المجهول وأجيب بأن الغرض من كتابته إثبات رضا المدعى عليه بتوكيل من يوكله المدعي فلا يمتنع المديون عن سماع خصومته عند أبي حنيفة ودفع بأنه لا يفيد على قوله ; لأن الرضا بتوكيل مجهول باطل فلا يفيد على قوله أيضا والظاهر عندي أن محمدا إنما ذكره ليفيد أنه ينصرف الاستثناء إلى الكل عنده وإن كان فاسدا فكيف إذا كان صحيحا بدليل مسألة ضمان الخلاص مع فساده عنده وقيل بل فائدته التحرز عن قول ابن أبي ليلى فإنه لا يصحح التوكيل بالخصومة بلا رضا الخصم إلا إذا وجد الرضا بتوكيل وكيل مجهول فحينئذ يجوز لكن المذكور في كتب المذاهب الأربعة أن عند ابن أبي ليلى يجوز التوكيل بالخصومة بغير رضا الخصم مطلقا ا هـ .

                                                                                        كذا في فتح القدير وفي وكالة البزازية قال لرجلين أيكما باع هذا فهو جائز فأيهما باع جاز قال وكلت هذا أو هذا ببيعه فهو باطل . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 43 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 43 ] ( قوله والحاصل أن الشرط إذا تعقب جملا إلخ ) قال في الحواشي السعدية لا يقال كيف خالف أبو حنيفة أصله فإن الاستثناء ينصرف إلى الجملة الأخيرة على أصله ; لأن ذلك في الاستثناء بإلا وقوله إن شاء الله شرط شاع إطلاق الاستثناء عليه في عرفهم وليس إياه حقيقة فتأمل




                                                                                        الخدمات العلمية