الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ميراث قسم بين الغرماء لا يكفل منهم ولا من وارث ) وهذا شيء احتاط به بعض القضاة وهو ظلم وهذا عند أبي حنيفة وقالا يأخذ الكفيل منهم أطلقه فشمل ما إذا ثبت الدين والإرث بالبينة أو بالإقرار والخلاف في الأول ولا خلاف في أخذه في الثاني وهي واردة على إطلاقه وشمل ما إذا قال الشهود لا نعلم له وارثا غيره وهنا لا يؤخذ الكفيل اتفاقا وجه قولهما أن في التكفيل نظرا للغائب على تقدير وجوده ولأن وجود آخر موهوم فلا يؤخر الثابت قطعا له وأشار إلى عدم التكفيل في دعوى الشراء على ذي اليد وفي بيع العبد المأذون للدين وقيد بالميراث ; لأنه يأخذ كفيلا إذا دفع النفقة لامرأة الغائب أو اللقطة أو الآبق إلى صاحبه وأطلق في الوارث فشمل ما إذا كان ممن يحجب أو لا .

                                                                                        وقيد بعدم التكفيل ; لأن القاضي يتلوم ولا يدفع إليه حتى يغلب على ظنه أنه لا وارث له غيره ولا غريم له آخر اتفاقا ; لأنه من باب الاحتياط لنفسه بزيادة علم بانتفاء الشريك المستحق معه بقدر الإمكان وقدر مدته مفوض إلى رأي القاضي وقدره الطحاوي بحول والمراد بالتأني تأخير القضاء إلى المدة المذكورة كما في غاية البيان لا تأخير الدفع بعد القضاء وحاصل ما ذكره الصدر الشهيد أن المدعي لو برهن على أنه مات وتركها ميراثا لورثته ولم يذكروا عدد الورثة ولا قالوا ألا نعلم له وارثا غيره فإنه لا يقضى له وإن بينوا عددهم وقالوا لا نعلم له وارثا غيره وكان ذلك الوارث مما لا يحجب بحال فإنه يقضى ولا يتأنى ولا يكفل وإن كان ممن يحجب بحال تأنى ثم يقضي وإن شهدوا أنه ابنه ووارثه وأنه مات وتركها ميراثا له ولم يقولوا لا نعلم له وارثا غيره تلوم القاضي زمانا ثم قضى ولا يأخذ منه كفيلا عنده خلافا لهما ويدفع لأحد الزوجين أوفر النصيبين عند محمد وعند أبي يوسف أقلهما وقوله وهذا شيء احتاط به بعض القضاة وهو ظلم كلام أبي حنيفة وعنى به ابن أبي ليلى فإنه كان يفعله بالكوفة والمراد بالظلم الميل عن سواء السبيل وفيه دليل على أن المجتهد يخطئ ويصيب وعلى أن أبا حنيفة برئ من الاعتزال لا كما ظنه البعض بسبب ما نقله يوسف بن خالد السمتي عنه أنه قال كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد وتأويله أن كل مجتهد مصيب بالاجتهاد وإن أخطأ ما عند الله .

                                                                                        والدليل على صحة هذا التأويل أنه لو حمل على ظاهره لكان متناقضا فقوله الحق عند الله واحد يفيد أن ليس كل مجتهد أصاب الحق وإلا لكان الحق متعددا فلزم أن معنى قوله كل مجتهد مصيب أي مصيب حكم الله تعالى بالاجتهاد كما في فتح القدير وفي البزازية من الدعوى [ ص: 46 ] بعد نقل عبارة الكتاب عن الإمام الأعظم قالوا هذا كشف عن مذهبه بأن المجتهد يخطئ أيضا قيل إذا قولنا بجواز التكفيل كشف عن الاعتزال وأنت خبير بأن هذا الإيراد باطل فإنهما جوزا بالاجتهاد أخذ الكفيل قياسا على رد الآبق واللقطة فأنى يلزم منه كون كل مجتهد مصيبا والاستدلال من وصف الإمام بالظلم بناء على ملازمة عادية كانت في تلك العصر من عدم تقليد القضاء إلا من المجتهد فكان التكفيل الصادر من القاضي تكفيلا من القاضي المجتهد ويكون المراد من بعض القضاة القاضي المعهود وزيف أيضا بأن المجتهد إذا أخطأ فله أجر بلا خلاف وغايته أنه بالتكفيل أخطأ فلا يكون ظلما فلا يصح الاستدلال وأجيب عنه بأن الإمام قال وهو ظلم وميل فالوصف بالميل دل على أن المراد بالظلم وضع الشيء في غير موضعه والإطلاق ولو بالمجاز دل أنه يخطئ إذ لولاه لما صح ذلك فحصل الكشف بالوصف الواقع من الإمام بالاتصاف في الواقع . ا هـ .

                                                                                        وحاصله أن وصفه بأن فعله ظلم لا يقتضي أنه في الواقع ظالم بمعنى مرتكب للحرام وإن صح أن يقال إنه ظالم أي واضع لأخذ الكفيل في غير موضعه والمقصود تأويل العبارة بحيث لا تفيد أن القاضي بأخذه الكفيل آثم ; لأن ثبوت الأجر له في ذلك ينافي الإثم وفي الأصل قال أبو حنيفة أرأيت لو لم يجد كفيلا كنت أمنعه حقه بشيء أخاف ولم يستبن بعد ولم يجب عليه بعد ا هـ .

                                                                                        والأولى في الجواب عن قول الإمام في حق ابن أبي ليلى مع كونه مجتهدا ما قاله في التلويح وعبارته والمخطئ في الاجتهاد لا يعاقب ولا ينسب إلى الضلال بل يكون معذورا ومأجورا إذا ليس عليه إلا بذل الوسع وقد فعل فلم ينل الحق لخفاء دليله إلا أن يكون الدليل الموصل إلى الصواب بينا فأخطأ المجتهد لتقصير منه وترك مبالغة في الاجتهاد فإنه يعاتب وما نقل من طعن السلف بعضهم على بعض في المسائل الاجتهادية كان مبنيا على أن طريق الصواب بين في زعم الطاعن ا هـ .

                                                                                        وفي مناقب الكردري ما زال أبو حنيفة يخطئ ابن أبي ليلى وهو قاضي الكوفة حتى عزله الخليفة واعلم أننا كتبنا في باب النفقة ما يفيد أن المراد بالكفيل الكفيل بالمال لقوله في الذخيرة فإذا حضر الزوج وأثبت أنه كان دفعها لها فإن شاء رجع عليها وإن شاء رجع على الكفيل إلى آخره ولم أر حكم الكفالة على قولهما في مسألة الكتاب هل هي بالمال أو بالنفس

                                                                                        [ ص: 45 - 46 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 45 - 46 ] ( قوله هل هي بالمال أو بالنفس ) في حاشية أبي السعود قال شيخنا في الدرر أي لم يؤخذ منهم كفيل بالنفس عند الإمام وقالا يؤخذ فهذا ظاهر في أنه على قولهما يؤخذ كفيل بالنفس ثم رأيته لتاج الشريعة




                                                                                        الخدمات العلمية